مـا الـذي أجـبـر "حـمـاس" عـلـى تـغـيـيـر نـبـرتـهـا؟

حجم الخط

بقلم: حاييم زيسر


ما لم تفعله عشر سنوات من الإغلاق والضغط العسكري المتواصل، فعله في غضون أقل من شهر وباء «كورونا». تبدي «حماس»، التي تظهر مضغوطة ومهددة أكثر من اي وقت، وهذه المرة من عدو غير مرئي، علامات الضائقة، وتحرص للحفاظ على هدوء تام على طول الحدود، وتبث استعدادا غير مسبوق للوصول الى تسوية بعيدة الاثر مع إسرائيل.
جاء من القطاع في هذه الاثناء أنباء عن 12 مصاباً بـ»كورونا» مؤكدين. وظاهراً يبدو أن وضع انتشار المرض تحت السيطرة. غير أنه مثلما في دول عربية مجاورة، من الصعب الثقة بالمعطيات، بل اكثر من ذلك بالجهاز الصحي. فمع أن فحوصات «كورونا» تجرى في إسرائيل، إلا ان المسؤولية عن صحة السكان في غزة لا تزال في يد «حماس»، التي اتخذت سلسلة خطوات كإقامة منشآت حجر أو فرض القيود على الحركة في الشوارع.
ان الخوف من تفشي «كورونا» في غزة يقلق جداً إسرائيل، التي ترى نفسها، بل يراها العالم، لا تزال تتحمل المسؤولية عن غزة؛ تذكيراً لكل من ظن أو سعى للتصديق في العام 2005 بأننا بالفعل فككنا الارتباط بغزة. ولكن التخوف من الفيروس يقلق «حماس» أكثر من غيرها، وهي التي يخاف زعماؤها جداً آثار الوباء على مكانتها بين سكان القطاع.
في ظل أزمة «كورونا» فقد العالم، بما في ذلك العالم العربي بل حتى حلفاء «حماس» التقليديون، مثل قطر وتركيا، أي اهتمام بالقطاع، وفي كل الاحوال أصبحت قدرة هؤلاء على التجند لتقديم المساعدة محدودة.
ان الازمة الاقتصادية، التي نشبت في أعقاب الوباء، فاقمت فقط الضائقة في غزة، وهي بمثابة القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير الغزي. فالانتقاد والاحتجاج على الارتفاع في معدلات البطالة، غلاء المعيشة، النقص في الغذاء وغيره، يوجهان نحو الحاكم، منظمة «حماس». ما اكتشفه «عرب إسرائيل»، وفي أعقابهم ايضا الفلسطينيون في «يهودا» و»السامرة»، يكتشفه الآن ايضا سكان غزة، بمن فيهم ايضا زعماء «حماس»: إذا لم تكن إسرائيل لي فمن لي؟
النتيجة هي تخفيف حدة النبرة وإنزال الأعلام، وفي واقع الامر تلويح متردد بالعلم الأبيض. قبل بضعة اسابيع فقط، قبل نشوب الازمة، هدد زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار بأنه «سيمنع 6 ملايين إسرائيلي من القدرة على التنفس»، وهكذا سيجبر إسرائيل على أن تزوده بمعدات التنفس وغيرها من المساعدات الطبية التي تحتاجها «حماس». أما الآن فقد تغيرت النبرة، وبات رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، اسماعيل هنية، يتحدث عن «كورونا» كتهديد استراتيجي مشترك، يقف الكل امامه، وعن مفترق طرق تاريخي يسمح بالوصول الى اتفاق.
المسألة الاولى في سموها هي بالطبع إعادة جثمانين المفقودين وتحرير الإسرائيليين المعتقلين لدى «حماس». لهذا الغرض تستخدم «حماس» القلق على صحة السجناء الفلسطينيين في السجون في إسرائيل كسلم للنزول عن الشجرة العالية التي تسلقت عليها والوصول الى توافق في هذه المسألة مع إسرائيل، ولكن من الواضح للجميع ان حل هذه المسألة سيكون بداية لتوافقات في مسائل عديدة اخرى. في هذه الاثناء، توقفت المسيرات نحو الجدار الحدودي، كما توقف تنقيط الصواريخ نحو إسرائيل أيضا.
ان المعضلة التي تقف أمامها إسرائيل واضحة. فمن جهة، يوجد احتمال لحل مسألة إنسانية حساسة وذات اهمية جماهيرية من الدرجة الاولى، ولاحقا توجد أيضا إمكانية لتسوية تضمن هدوءا لزمن ما على الحدود الجنوبية. بالمقابل، تجتذب إسرائيل الى تدخل متزايد في ما يجري في غزة، بداية في كل ما يتعلق بـ»كورونا»، ولكن بعد ذلك ستأتي مسائل اخرى من شأنها ان تعيد إسرائيل الى غزة والى المسؤولية عن سكانها. وهكذا قد تجد إسرائيل نفسها تراوح بين سلطة فلسطينية «أ» في رام الله وسلطة فلسطينية «ب» في غزة.

عن «إسرائيل اليوم»