-خبركتب: هاني حبيب
23 أيلول 2015
ما كان للسياسة الخارجية الأميركية أن تكون بهذا القصور والتراجع في منطقتنا العربية، لو أن إدارة أوباما قرأت الخريطة السياسية والأمنية الجديدة للمنطقة قراءة صحيحة، لو كان لها ذلك، لوافقت في مباحثات جنيف حول سورية، على حل سياسي من شأنه الابقاء على الدولة السورية ونظامها السياسي، وما كان لها ـ إدارة أوباما ـ أن تضطر للإعلان عن حرب جديدة على الارهاب تعلم جيداً أن لاطاقة لها للفوز، ولما تمددت أحزاب وقوى و"دول" الارهاب على الساحتين السورية والعراقية تحديداً، دون أن تتجاهل ما يجري في اليمن وليبيا.
قراءة خاطئة، أدت بإدارة أوباما، إلى النأي عن لعب دور في رسم الخارطة، صحيح أنها انسحبت عسكرياً، بشكل أو بآخر، من المنطقة، وأولت مهامها التقليدية كشرطي، إلى حلفاء يحافظون على مصالحها، لكن هؤلاء الحلفاء، اختلطت عليهم مصالح أميركا على مصالحهم، فقاموا بهذا الدور، الذي من شأنه في سياق دعم الحلفاء للارهاب، ان يؤدي إلى تعارضات مع المصالح الأميركية، إضافة إلى أن عملية "الاحلال" دوراً بدور، تؤدي إلى عدم ثقة الحلفاء بوقوف الراعي الأميركي إلى جانبها في الملمّات، غير أن الأخطر من ذلك، من وجهة نظر هؤلاء، أن تراجع الدور الأميركي رغم استناده إلى حلفاء، مهد الطريق أمام خارطة جديدة، يكتسب فيها الدور الروسي أولاً، والدور الإيراني ثانياً، موقعاً أساسياً في ترتيبات هذه الخريطة ورسم أبعادها، وهذا ما فهمه الجميع، خاصة رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو!!
أدرك نتنياهو أن الرئيس الروسي قرأ الخريطة جيداً، وكان يتابع تراجع الدور الأميركي في المنطقة، ورغم نجاح حلفاء أميركا في تعديل خريطتها نسبياً، إلاّ أن روسيا تدخلت في الوقت المناسب، سياسياً وأمنياً، ورغم أن البعض قد يعتبر أن هذا التدخل جاء متأخراً، إلاّ أنه سعى إلى توظيف الأحداث في اللحظة المناسبة لصالح هذا الدور، روسيا تؤكد للجميع، وليس للحلفاء فقط، أنها ليست الولايات المتحدة، روسيا تتحدث عن مصالح تتقاطع مع مصالح حلفائها، لذلك فهي لا تتخلى عنهم، روسيا تبحث عن قواسم مشتركة مع حلفائها، ولا تبحث عن أدوات كما فعلت وتفعل الولايات المتحدة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن الاندفاعة الروسية وتمددها على الساحة السورية مؤخراً، تعبر عن محاولة روسية أكيدة لإنقاذ الحليف السوري، ومع أن هذا الأمر، صحيح تماماً، إلاّ أنه في ذات الوقت، إنقاذ للفرصة التي من الصعب أن تتكرر، لتأكيد إصرار الاتحاد الروسي أن يكون اللاعب الأساسي في المنطقة، ولا نقول لاعباً أساسياً، بافتراض أن اللاعب الآخر، الولايات المتحدة، قد أنهكه التعب ولم يعد قادراً، نتيجة لفشله في قراءة الخريطة السياسية، قراءة صحيحة، وعندما يهب رئيس الحكومة الإسرائيلية، مصطحباً معه طاقماً أمنياً وسياسياً، لزيارة موسكو، تحت وطأة عودة الروح إلى الدور الروسي في المنطقة، فإن ذلك يعبر عن الكثير الكثير وأهم ما في ذلك الكثير، أن إسرائيل باتت معنية بتحييد الدور الروسي، وبينما كانت في السابق توظف واشنطن للقيام بهذا الدور أو هذا الضغط، قامت من خلال زيارة نتنياهو لموسكو، بذلك مباشرة، تشبيك من نوع جديد، بهدف عدم التوصل إلى اشتباك، في ظل تراجع وضع ودور الحليف الاستراتيجي في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
ونتنياهو، بدوره قرأ الخريطة جيداً، روسيا نجحت في فرض رؤيتها حول المسألة الأوكرانية، وظف النظام الغربي كل إمكانياته، الأميركية والأوروبية لإفشال الموقف الروسي من هذه المسألة، مستخدماً كافة أشكال الضغط، بما في ذلك تهديدات الحلف الأطلسي، دون أن يؤثر ذلك على إصرار روسيا على موقفها، وبات الأمر في أوكرانيا أمراً واقعاً لا يبدو في الأفق أي مجال لتغييره، أدرك نتنياهو ذلك، فذهب إلى موسكو، مقراً بالدور الروسي في المنطقة، رغماً عنه، لكنه يحاول تخفيف الخسائر من خلال تطمينات لتفادي الصدام، على ضوء صدام المصالح والارتباطات، وذلك من خلال آلية تنسيق تهدف الى تفادي ـ أي سوء تفاهم ـ قد ينجم من خلال ترجمة روسيا لموقفها ودورها في المنطقة، انطلاقاً من الساحة السورية.
نجح نتنياهو في مهمته، لأن روسيا لا تهدف إلى التصعيد، ولا تهدف إلى شن حرب، بقدر ما تريد أن تحيد الخصوم والأعداء، إسرائيل كمثال، حتى لا يتم التشويش على دورها، موسكو هي الأكثر حرصاً على أن تتم مهمتها بهدوء، لذلك فإن مهمة نتنياهو كانت ناجحة، لأن الجانب الآخر له حساباته الدقيقة، وكما أشرنا سابقاً، فإن موسكو تقرأ الخارطة جيداً، وجزء هام من هذه الخارطة إسرائيل، دون أن تتجاهل العاصمة الروسية، أن إسرائيل تدعم الإرهاب في سورية، وفقاً لمصالحها ودورها في ظل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لكن ذلك، لا يجب أن يؤثر مباشرة على الدور الذي تضطلع به موسكو التي لم تكلف نفسها القيام بمهامها في ظل ستار من السرية، بل انها سارعت إلى تأكيد دورها التسليحي والداعم، منذ عقود، لدمشق، وهكذا كان ويكون!!