بقلم: عاموس هرئيل
تغلبت ضائقة المستقلين والعاطلين والآباء، هذا الأسبوع، على مخاوف قيادة وزارة الصحة والخوف على حياة المجموعات الأساسية المعرضة للخطر، والتي من شأنها أن تتضرر بصورة مباشرة من فيروس "كورونا" - الشيوخ وأصحاب الأمراض المزمنة. هذه باختصار العملية التي مرت فيها إسرائيل بسرعة كبيرة جدا من مكافحة الوباء بكل الوسائل المطلوبة الى نقاش متسرع حول إعادة الاقتصاد الى مساره.
الحساب الاستحواذي الى حد ما لأعداد أجهزة التنفس والمصابين والمرضى في حالة خطيرة استبدلت مرة واحدة بالانشغال بقواعد اعادة فتح محلات الفلافل ومحلات النظارات وفروع أيكيا. ولأن الوزراء لدينا يجلسون داخل شعبهم، بالاساس في مجموعات الضغط القريبة منهم، علمنا بعدة نقاشات غريبة بشكل خاص في جلسات الحكومة الافتراضية. في المقابل، ما زالت الحكومة لم تجد الوقت للتعامل مع ضائقة آباء المراهقين المحبوسين في مؤسسات والذين لم ير غالبيتهم اولادهم منذ منتصف آذار.
نفّس نائب مدير عام وزارة الصحة، البروفيسور ايتمار غروتو، الظاهرة الطبيعية من خلال الحديث، حيث وصف هذه الامور بطريقة صحيحة: "يمكن القول بأن الموجة الحالية من الوباء قد استنفدت نفسها تماما". الإسرائيليون سمعوا وصوتوا بالأرجل. ليس غريبا أن الشرطة قامت باصدار مخالفتين فقط، الأربعاء الماضي، في ارجاء الدولة على عدم ارتداء الكمامة. الإغلاق لم يعد يحتمل الوقوف في مواجهة الفيضان.
الضائقة الاقتصادية الضخمة، الى جانب حقيقة أن الناس قد سئموا من أن يكونوا عالقين بين اربعة جدران، تخلق طبقات من الترشيد التي تقلل من أخطار الوباء. من الادعاء المدحوض الذي يقول "هذه فقط انفلونزا" وحتى اعتقادات غير مثبتة بأن اغلبية الجمهور قد طورت مناعة طبيعية ضد الوباء.
اندماج بين أفضليات طبيعية (سكان اكثر شبابا، بوابة دخول رئيسية واحدة) وقرارات صحيحة في مرحلة مبكرة (مراقبة على الدخول، انحباس المسنين، فرض اغلاق جزئي)، وفر على إسرائيل كارثة بالصيغة التي شهدتها نيويورك أو جزء من دول غرب اوروبا.
نجحت إسرائيل في صد "كورونا"، ما سمي في وزارة الصحة "تسطيح المنحنى". وحسب علمنا حدث هذا بفضل الخطوات التي اتخذت وليس بسبب أي منطق داخلي غامض للفيروس، الذي حسب عدة نظريات ينهي حملة تخريبه خلال شهرين – شهرين ونصف.
يوجد نقاش بين ميل المنحنيات في دول مختلفة، لكن ذروة الاصابة وعدد الوفيات سجلت في الدول التي اتبعت فيها طرق ابتعاد اجتماعي فقط بصورة متأخرة: إيطاليا واسبانيا (اللتان اصابتهما "كورونا" في مرحلة مبكرة) وبريطانيا والولايات المتحدة. في هذه الدول يتم الآن فحص تقديرات بأن العدد الحقيقي للوفيات بسبب "كورونا" يمكن أن يكون ضعف الأعداد التي نشرت رسمياً. وفيها جميعاً لا تشبه وتيرة انخفاض المنحنى وتيرة الارتفاع التي سبقته. مرحلة الكبح طويلة، تمتد على مساحة اسابيع وشهور. علاوة على ذلك، حتى سنغافورة التي حظيت بالثناء والمديح كدولة تغلبت كما يبدو على الفيروس، تشهد الآن انتشارا واسعا أجبرها على فرض اغلاق متشدد.
في الأفق توجد كما يبدو ايضا بشرى جيدة. تطرح ابحاث تساؤلات حول الى أي درجة، هذا اذا وجد، يمكن للاطفال الذين اصيبوا بالفيروس (معظمهم لا تظهر عليهم الاعراض) أن يتسببوا بالعدوى. الجهود الدولية لتطوير لقاح لـ "كورونا" تتقدم بشكل متواز في عدد كبير من الدول. اللقاح التجريبي (رمادسيبير) من انتاج شركة جلعاد الأميركية، يطرح كما يظهر نتائج واعدة لعلاج مرضى "كورونا". ولكن الفيروس بعيد عن الاختفاء من حياتنا. يبدو أننا سنضطر الى العيش في ظله فترة طويلة.
البروفيسور ران بلتسر، من صندوق المرضى كلاليت، وصف الوضع، أول من أمس، في مقال نشره في "يديعوت احرونوت". الاغلاق استنفد نفسه. العودة الى روتين الحياة مطلوبة، لكن يجب أن تتم بحرص زائد. يركز بلتسر على ثلاثة أمور ضرورية: جهد للبحث والعثور وعزل المرضى خلال 24 – 48 ساعة من إجراء الفحص (إسرائيل بعيدة عن ذلك لأنها لم تهتم بترتيب نظام فحص وبائي ناجع )، التركيز على "المناطق الحمراء" التي حدث فيها تفشٍ. وحماية متطورة للسكان المعرضين للخطر.
رسالة من الشمال
كظاهرة اخبارية، تسحق "كورونا" كل قصة اخرى. هذا ما حدث عندما وقعت حادثة مقلقة في ليلة الجمعة الماضية على الحدود بين إسرائيل ولبنان. مرت بسرعة من تحت رادار وسائل الاعلام. قبل يومين من ذلك، في هجوم جوي نسب لإسرائيل، تم قصف جيب لنشطاء من "حزب الله" في الطرف السوري من الحدود مع لبنان. ترك النشطاء السيارة بعد اطلاق تحذير لصاروخ قربها، وليس واضحاً تماماً هل نجحوا في أن يخرجوا منها الحمولة التي شملت كما يبدو اجزاء مرتبطة بـ "مشروع الدقة". هذا هو المشروع المشترك بين ايران و"حزب الله"، والذي هدفه تحسين دقة الصواريخ التي توجد بحوزة "حزب الله".
في ليلة الجمعة تم قص الاسلاك الشائكة في ثلاثة مواقع مختلفة على الحدود قرب المطلة ويفتاح ويرئون. ابراهيم الأمين، محرر صحيفة "الاخبار" والمقرب من "حزب الله"، كتب بأن نشطاء "حزب الله" نجحوا في فصل الكوابل التي تربط الجدار مع أجهزة الرقابة. وفي الثغرة المقابلة ليرئون تم قص فتحة بطول 6 أمتار في الجدار "تسمح باجتياز سيارة الى عمق فلسطين المحتلة وليس فقط تسلل مقاتلين". د. شمعون شبيرا، الخبير في شؤون "حزب الله" في المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة، يعتقد أن الرسالة التي أرسلها "حزب الله" في هذه العملية واضحة وقاطعة. إسرائيل تفاخرت بتدمير ستة أنفاق حفرها "حزب الله،" والتي كشفت تحت الجدار في نهاية العام 2018، قال شبيرا. ولكن المنظمة تعطي اشارات بأنها تستطيع اذا أرادت نقل نشطائها الى هجوم مفاجئ ومنسق فوق سطح الأرض.
في الخلفية ما زالت ايران تمسك بالخيوط. العميد احتياط أودي افين طال، من المركز متعدد المجالات في هرتسليا، كتب، هذا الاسبوع، بأنه رغم الكارثة التي أحدثها فيروس "كورونا" في ايران، إلا أن النظام يستمر في بناء قدراته الاستراتيجية في مجال الذرة والصواريخ، ويواصل العبث في أرجاء الشرق الاوسط. اعلنت ايران، مؤخرا، عن جهد متواصل لاستكمال تطوير وتشغيل اجهزة طرد مركزي متطورة. وحسب الوكالة الدولية للطاقة النووية فان طهران تعمق من خرقها للاتفاق النووي وزيادة مخزون اليورانيوم المخصب بمستوى منخفض (1.020 كغم) وتشغيل ست مجموعات من اجهزة الطرد المركزي في منشأة فوردو تحت الارض.
وحسب رأي افينطال "هناك خوف من أن ايران يمكن أن تستغل تركيز العالم على مكافحة "كورونا" والصعوبات التي يلقيها الوباء على قدرات الوكالة الدولية للطاقة النووية للقيام بنشاطات رقابة ناجعة". أحد الباحثين الرواد في الذرة، دافيد اولبرايت، قدر بأن مدى اختراق إيران لانتاج سلاح نووي قصر، وهو يبلغ اقل من أربعة اشهر. السؤال بالطبع هو هل يريد النظام ذلك وهل هو مستعد للمخاطرة بذلك في ظروف أزمة صحية واقتصادية شديدة جدا، لمواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية التي يصعب التنبؤ بسلوكها؟
واشنطن مثل طهران تنشغل الآن بـ"كورونا". الدولتان تتشاركان في الرد المتأخر على الفيروس الذي كلفهما عدد كبير من الضحايا. في بداية كانون الثاني فاجأ الرئيس دونالد ترامب مستشاريه، وحتى ربما فاجأ نفسه، عندما، خلافا لموقفهم، أمر باغتيار الجنرال الايراني، قاسم سليماني، قائد حرس الثورة. ولكن مؤخرا تضاءل اهتمام الادارة الأميركية بما يحدث في الشرق الاوسط وفي وسط آسيا.
تستعد الولايات المتحدة لاخراج قواتها من افغانستان وتقليص عدد جنودها في العراق. المواجهة الأميركية – الايرانية في العراق تجري على نار هادئة، والايرانيون يعملون بوساطة مبعوثين ومن المليشيات الشيعية المحلية. ولكن الانطباع الذي تولد في جهاز الامن الإسرائيلي هو أن طهران تفضل في هذه الاثناء عدم التصادم بشكل مباشر مع ترامب. التاريخ الهدف لها هو الانتخابات الرئاسية هناك في تشرين الثاني، على أمل أن "كورونا" ستبعده عن البيت الابيض، وتضع مكانه جو بايدن.
بالنسبة لإسرائيل يبدو أنها تعتبر ذلك وقتا مناسبا للضعف الايراني وتزيد وفقا لذلك نشاطاتها في إطار المعركة بين حربين. استغرقت ازمة "كورونا" بضعة أسابيع من التكيف، لكن الآن تم التوضيح أنه يمكن حتى مستوى معين، فعل الشيئين. "حزب الله"، رغم عمليته المفاجئة قبل اسبوع، ما زال يحذر من الاقتراب الى شفا الحرب، سواء بسبب الازمة الاقتصادية في لبنان أو بسبب عدم اليقين في مسألة كيفية تصرف إسرائيل.
أمر فيديو
في الجيش الإسرائيلي يمتنعون عن استخدام مفهوم "استراتيجية خروج" بالنسبة لـ "كورونا". وهم يفضلون الحديث هناك عن مرحلة اخرى في مكافحة الفيروس، التي معناها العيش في ظل وجود "كورونا". وقد تمر سنة الى سنتين. هذه المرحلة يتوقع أن تشمل ارتفاعا وهبوطا في وتيرة انتشار المرض في إسرائيل، فرض الاغلاق المحدد، وعودة الاقتصاد الى العمل بمستوى يكون أقل مما عرفناه قبل انتشار "كورونا". ستتواصل الازمة في ظل ظروف عدم يقين كبير، حيث سيكون الجيش منشغلا بصورة موازية في الحفاظ على أهلية وحداته ومساعدة الدولة ازاء الازمة وبلورة برامجه لليوم التالي للأزمة.
هناك ضباط في هيئة الاركان يعتبرون الازمة ايضا فرصة كبيرة. وهذه تتعلق بتغييرات فرضها الفيروس على طبيعة العمل عن بعد، مثلما كشفت شركات. "بدون فيروس "كورونا" كانت هذه العملية ستستغرقنا المزيد من السنوات"، قال مصدر كبير في هيئة الأركان للصحيفة. لا يستخدم الجيش تطبيق زوم، بل برامج أخرى لمحادثات الفيديو، التي في عدد منها تسمح باجراء محادثة سرية وسرية جدا. حجم المحادثة بوساطتها ارتفع، الشهر الماضي، بأربعة أضعاف. من 2500 ساعة يوميا الى 10 آلاف ساعة واكثر.
في الجيش يقدرون أن الغاء السفر وتقصير مدة الانتظار للجلسات وخفض الحديث الزائد، كل ذلك وفر 20 في المئة تقريبا من وقت الضباط. في الوقت ذاته تمت زيادة النجاعة الرقمية لعمليات مرهقة في مجالات مثل ادارة شؤون الافراد.
سؤال آخر زادت من حدته الازمة يتعلق بفهم مركب أكثر لمسائل الامن القومي. رئيس الاركان السابق، غادي آيزنكوت، تطرق الى ذلك في الوثيقة التي نشرها في السنة الماضية بعد تسريحه. وفيها محاولة لكي يحدد بصورة اوسع مصالح الامن الوطني الإسرائيلي. علّمتنا "كورونا" بالطريق الصعب أن التأثير المحتمل على وضع إسرائيل، مثلما على المجتمع الدولي، يمكن أن يأتي من اتجاهات مختلفة جدا.
لم يكن لجهاز الصحة في البلاد حتى الآن نظام بحث تنبأ بشكل منظم بالتطورات في مجال الأوبئة. ولكن المسألة لم يتم شملها ايضا في تنبؤات وتقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. هذه الأجهزة بدأت تتطرق في السنوات الأخيرة حتى الى مواضيع كانت تعتبر في السابق لها علاقة غير مباشرة بالأمن مثل اختراقات في السايبر، أزمات اقتصادية عالمية، أو تداعيات الاستخدام المتزايد للذكاء الصناعي. في السنوات القادمة اصبح واضحا أن مخاطر الأوبئة ستحتل مكانا مهما في قائمة التهديدات والتأثيرات المحتملة. يبدو الوقت الحالي فرصة مناسبة ليضاف الى ذلك ايضا تداعيات أزمة المناخ وخطر كارثة طبيعية كبير في إسرائيل.
عن "هآرتس"