الضمّ يهدد المصالح الإستراتيجية لإسرائيل

حجم الخط

بقلم: اودي ديكل، ليئا موران جلعاد، وعنات كورتس



أُثري قاموسنا العام، مؤخراً، بمصطلح جديد هو «الحياة في حضور فيروس كورونا»، والذي يصف واقعا كفيلا بأن يميز أنماط حياتنا في الأشهر القادمة من العام 2020، بل ما بعدها، وذلك حتى إيجاد علاج أو لقاح للفيروس. يركز العالم كله، هذه الأيام على مواجهة تفشي الفيروس والآثار السلبية الخطيرة الناشئة عن ذلك في ثلاثة أبعاد – الصحة، الاقتصاد، والمجتمع. في 9 نيسان 2020 بحث مجلس الأمن في الأمم المتحدة في مبادرة للأمين العام، أنطونيو غوتيريس يوم 23 آذار 2020، في مشروع لإقرار وقف نار عالمي يسمح بتركيز الجهود على مكافحة الوباء. وقد بدت الفكرة واجبة في ظل حرب عالمية شاملة ضد الفيروس، جبت حتى الآن حياة نحو مئتي ألف نسمة في أرجاء العالم. ومع ذلك، من الغريب أن الخطر الذي يواجهه العالم كله، والذي قد يمس بالاقتصاد العالمي بأسره ويعمق بؤر الضائقة، بل ربما يحدث كارثة غذائية في مواقع واسعة من العالم، خلق تعاونا محدودا فقط على المستوى العالمي. هنا أيضا، في هذه الحالة على نحو خاص، يبدو ملموساً جداً انعدام وجود قيادة عالمية.
في هذه الأجواء من الأزمة العالمية، اتفق في إسرائيل على تشكيل حكومة وحدة، هدفها الأساس في وقت الطوارئ الوطنية هذه هو توحيد الجهود لمكافحة الفيروس. ويمكن لنا أن نتوقع بأنه مع بدء الحكومة عملها ووضع ميزانية لها ستكون غايتها الأساس إعادة بناء الاقتصاد والمجتمع في إسرائيل، وتعزيز جهاز الصحة، بل ربما جهاز الرفاه، اللذين اهملا لسنوات طويلة، وذلك على حساب استثمار مالي في الأمن، رغم أن مشاكل الأمن لإسرائيل لم تختفِ.
تتضمن الأهداف السياسية والأمنية لدولة إسرائيل في عصر «كورونا»:
1. انتعاش صحي، اقتصادي، واجتماعي سريع، وإعادة الدولة، الاقتصاد، والمجتمع، الى أداء ناجع.
2. منع دفع أثمان لا تحتمل لإسرائيل جراء الوباء: وفيات جماعية، انهيار الجهاز الصحي، وانهيار الاقتصاد.
3. الاستقرار السلطوي، الحفاظ على أنظمة الحكم والديمقراطية، والحفاظ على صيغة الارتباط والتداخل بين الجماعات المختلفة للجمهور في إسرائيل.
4. الاستعداد لفترة طويلة للعيش في حضور «كورونا»، بما في ذلك إمكانية اندلاع متجدد للوباء.
5. استقرار أمني في ساحات المواجهة المختلفة، ومنع استغلال الوضع من الخصوم والأعداء في محاولة لضعضعة وضع إسرائيل الأمني والسياسي.
6. استنفاد الفرص الكامنة في أزمة «كورونا» لتحقيق الأهداف السياسية – الأمنية والاقتصادية لإسرائيل.
ان هذه التحديات، التي تقف أمامها الحكومة الجديدة في إسرائيل، صحيحة لكل مراحل إدارة أزمة كورونا – الصد والاحتواء، استئناف نشاط الاقتصاد والمجتمع، الحياة في حضور الفيروس واليوم التالي لـ»كورونا» – وتحقيقها يستوجب نهجا خاصا. غير أنه على خلفية هذه الأزمة، وبينما يتركز الاهتمام العالمي على التصدي لها، تنبعث فرصة، مزعومة، لبسط السيادة الإسرائيلية على مناطق المستوطنات في «يهودا» و»السامرة».

بسط السيادة الإسرائيلية تحت غطاء «كورونا»
يركز هذا البحث على الفكرة، بل حتى النية، لاستنفاد ما يعد «فرصة» لتحقيق بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق في «يهودا» و»السامرة» تحت غطاء أزمة كورونا، ويستهدف تحليل وابراز المعاني المحتملة لخطوة في هذا الاتجاه، وفحص الإيجابيات والمخاطر الكامنة فيها سواء في محاولة تحقيقها أم في المستقبل «في اليوم التالي» للوباء.
ان القول إن «التوقيت هو كل شيء في الحياة» قد يبدو ساري المفعول في سياق ضم مناطق في «يهودا» و»السامرة»، تحت غطاء أزمة كورونا. من ناحية دولية، زعماء الدول كلهم منشغلو البال في مواجهة الفيروس في الساحة الداخلية؛ الولايات المتحدة منشغلة بصراعات القوى الداخلية قبيل انتخابات الرئاسة في تشرين الثاني، حيث من المحتمل ألا يفوز الرئيس دونالد ترامب بولاية ثانية. يسعى الرئيس ترامب ليترك أثره على التاريخ، وفي هذا السياق أيضا يتطلع لإرضاء قاعدة الدعم الأساس له - الجمهور اليميني الافنجيلي، وهو ما يتناسب وفكرة ضم مناطق «البلاد المقدسة» لإسرائيل. وفي الساحة الداخلية لإسرائيل يظهر بوضوح الفهم بأنه في الوقت الحالي تعد هذه فرصة ذهبية لبسط السيادة الإسرائيلية في مناطق «يهودا» و»السامرة»، لم تكن في الماضي ولعلها لن تعود أيضا في المستقبل القريب، ولا سيما اذا ما انتخب في الولايات المتحدة رئيس ديمقراطي. ويشارك في إحساس الفرصة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يسعى هو أيضا لأن يخلّف وراءه بسطا (جزئيا على الأقل) للسيادة الإسرائيلية على مناطق «يهودا» و»السامرة» (أي ضم جزئي) كجزء من إرثه الوطني الاستراتيجي.
وبالفعل، جاء في الاتفاق الائتلافي بين كتلة «الليكود» وكتلة «أزرق أبيض» برئاسة بيني غانتس: «في كل ما يتعلق بتصريح الرئيس ترامب (والمقصود هو خطة القرن)، سيعمل رئيس الوزراء ورئيس الوزراء البديل بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة، بما في ذلك في موضوع الخرائط مع الأميركيين وفي حوار دولي في الموضوع، كل ذلك في إطار السعي للحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل بما فيها الحاجة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، الحفاظ على اتفاقات السلام والسعي الى اتفاقات سلام مستقبلية»... رغم ما قيل أعلاه، وبعد أن تجرى مداولات ومشاورات بين رئيس الوزراء ورئيس الوزراء البديل في المبادئ المفصلة أعلاه، يمكن لرئيس الوزراء أن يحمل التوافق الذي يتم مع الولايات المتحدة في موضوع بسط السيادة ابتداء من يوم 1/7/2020 الى البحث في «الكابينت» وفي الحكومة ولاقراره في الحكومة و/أو في الكنيست.
نال وعد نتنياهو الانتخابي – ضم غور الأردن وبسط السيادة الإسرائيلية في مناطق المستوطنات – مفعولا في مخطط الرئيس ترامب، الذي يسمى «صفقة القرن» لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. ونشدد هنا على ان بسط القانون أو بسط السيادة هما هكذا بالضبط، ومعناهما ضم مناطق في «يهودا» و»السامرة». يشار الى انه كان للفصل بين المفهومين منطق فني – قانوني في حالة هضبة الجولان: فالمنطقة كانت جزءا من سورية قبل حزيران 1967، ولم تبسط إسرائيل على المنطقة القانون السوري، ولهذا كان مطلوبا إطار قانوني آخر. وادّعت إسرائيل في حينه بأن بسط القانون في هضبة الجولان ليس بالضرورة بسطاً للسيادة. وبالمقابل، في «يهودا» و»السامرة» فإن المنطق هو بسط السيادة الإسرائيلية على المنطقة ولا يوجد ادعاء بأن الحديث يدور فقط عن خطوة فنية لاعتبارات الراحة او لغرض قانوني. ومع ذلك، لأن تعبير «الضم» يتضمن «في الغالب» تداعيات سلبية، إذ إنه يمكن أن يفهم بأن المنطقة لا تعود للجهة الضامة، فإن المبادرين والمروجين للخطوة (على أنواعهم) يحرصون بشكل عام على الامتناع عن استخدامه، ويفضلون التعاطي مع المسألة بتعابير «بسط القانون» أو «بسيط السيادة». معنى هذا التعبير هو أن المنطقة تنتقل من مكانة منطقة محتلة الى مكانة انتماء لدولة إسرائيل بشكل كامل، حيث إن الفلسطينيين فيها يصبحون سكان دولة إسرائيل، بكل الحقوق التي ينطوي عليها ذلك، مثل المواطنين في كل مكان آخر في الدولة.
توجد عدة أوصاف لبسط السيادة/الضم، كل جهة وطريقتها ونهجها:
1. ضم مناطق المستوطنات فقط، في خطوتين: 1. المنطقة المبنية ومحيطها القريب (اقل من 4 في المئة من أراضي «يهودا» و»السامرة»)؛ 2. إضافة اراضي الحكم للمستوطنات (قرابة 10 في المئة من المنطقة).
2. ضم الكتل الاستيطانية، تلك التي ثمة إجماع واسع في أوساط الجمهور في إسرائيل عليها، معظمها غربي مسار الجدار الأمني (حتى 10 في المئة من المنطقة).
3. ضم غور الأردن (نحو 17 في المئة من المنطقة).
4. ضم كل مناطق «ج» (نحو 60 في المئة من المنطقة).
5. ضم كل المناطق التي سترفق بأراضي دولة إسرائيل بموجب مخطط الرئيس ترامب. وهذه تشكل نصف المنطقة «ج»، التي هي 30 في المئة من أراضي «يهودا» و»السامرة» (17 في المئة – غور الأردن؛ 3 في المئة أراضي مستوطنات؛ 10 في المئة الكتل الاستيطانية ومحاور حركة السير). وبالمقابل تسلم إسرائيل للسلطة الفلسطينية النصف المتبقي من المنطقة «ج»، وإضافة إلى ذلك جنوب جبل الخليل ومنطقتين في النقب ترتبطان بقطاع غزة.
كما هو مفصل ومشروح في «خطة القرن»، قبلت إدارة ترامب لأول مرة بالمطالب الإسرائيلية لضم كل المستوطنات، أراضي الكتل الاستيطانية، وغور الأردن، حتى المرتفعات المطلة من غرب غور الأردن. اعتقد السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، بأن إسرائيل ستنتظر حتى انتهاء عمل «لجنة الستة» – ثلاثة مندوبين أميركيين وثلاثة إسرائيليين - التي ستكيف الخريطة المقترحة في الخطة مع الواقع على الأرض، كي تجعلها قابلة للتنفيذ. وعندها تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على المناطق غير المخصصة للدولة الفلسطينية. بمعنى أنه لأول مرة في تاريخ محاولات تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، عرضت الإدارة في الولايات المتحدة شروطا تسمح لإسرائيل بأن تضم مناطق من طرف واحد، دون مفاوضات مع طرف فلسطيني وموافقة فلسطينية.
رفض الطرف الفلسطيني مسبقاً مخطط ترامب، بل نجح في أن يضم إليه في هذا الشأن دولاً عربية، ومعظم الأعضاء في الأسرة الدولية. ومع الاتفاق على تشكيل الحكومة في إسرائيل شجب صائب عريقات انشغال إسرائيل بموضوع الضم في زمن وباء كورونا. وأوضح عريقات انه في ضوء ذلك أجرى رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، اتصالات مع كل دول العالم لتحقيق إجماع دولي يمنع رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، من تنفيذ الضم. كما شدد عريقات على أنه اذا قامت إسرائيل بالضم، فستلغى كل إنجازات مسيرة السلام، وستفرغ المبادئ التي أقيمت عليها هذه المسيرة من محتواها، وانه اذا تجرأت إسرائيل على الضم فستنتهي تماما العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والولايات المتحدة. كما أن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، عقب على الاتفاق الائتلافي وأفاد، «نشدد على أن كل ضم سيشكل خرقا خطيرا للقانون الدولي، وان موقف الاتحاد الأوروبي من وضع المناطق التي احتلتها إسرائيل في 1967 يبقى على حاله، وسيبقى الاتحاد الأوروبي يتابع عن كثب الوضع وآثاره الأوسع، وسيعمل بناء على ذلك».
بالمقابل، في أوساط الجمهور اليهودي في إسرائيل، تحظى فكرة الضم بموقف يتراوح بين اللامبالاة والتأييد المتسع مع الوقت. وحسب نتائج استطلاع الرأي العام في مواضيع الأمن القومي، والذي اجراه في أواخر 2019 مع بحوث الأمن القومي، فإن معدل التأييد لضم كل مناطق «يهودا» و»السامرة» هو 7 في المئة، واضافة الى ذلك أيد ضم كل مناطق «ج» 8 في المئة من المستطلعين؛ أما ضم مناطق المستوطنات فأيده 13 في المئة. وضم كتلتين استيطانيتين ايده 26 في المئة. وردا على سؤال حول الخيار الأفضل لإسرائيل: أيد استمرار الوضع القائم 14 في المئة، وأيد التسويات الانتقالية حتى الانفصال عن الفلسطينيين 23 في المئة؛ ونال السعي الى تسوية شاملة تأييد 36 في المئة؛ وأيد ضم الكتل الاستيطانية 17 في المئة، فيما أعرب 9 في المئة من المستطلعين عن تأييدهم لضم كل «يهودا» و»السامرة» الى دولة إسرائيل.
عن «مباط عال»