الضمّ يهدد المصالح الاستراتيجية لإسرائيل

حجم الخط

 بقلم: أودي ديكل، ليئا موران جلعاد، وعنات كورتس

 

تقديران متضاربان
بالنسبة لردود الفعل المحتملة لخطوة تتخذها إسرائيل للضم من طرف واحد، ثمة تقديران متضاربان:
أ. يعتقد أحدهما أنه لن يقع شيء دراماتيكي، مثلما لم تهتز الأرض في اعقاب نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس. فرد الفعل الطفيف على هذه الخطوة فسر بانشغال الساحة الدولية والإقليمية في مواضيع ونزاعات اكثر اشتعالا. وهذه المرة، فضلاً عن كون العالم منشغلاً بوباء كورونا، بدا في السنوات الأخيرة تعب من الانشغال بمحاولة تحقيق تسوية إسرائيلية – فلسطينية، بدت غير مجدية، ويبدو أنه استوعب الانطباع بان النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ليس المسألة الإشكالية المركزية في الشرق الأوسط. وحسب هذا التقدير كلما كان حجم الضم محدودا وضيقا فان احتمال العاصفة في أعقابه متدن جداً.
ب. يتعاطى التقدير الثاني بجدية مع التهديدات بالرد القاسي، التي يطلقها الناطقون الفلسطينيون، ويتوقع ضغطاً من جانب الجمهور الفلسطيني، ومن الجماهير في الدول المجاورة أيضا، واتخاذ رد شديد، بل بالقوة، على خطوات الضم. ويقدر بأنه لكل خطوة ضم من المتوقع مقاومة فلسطينية شديدة وعنيفة، عمليات «إرهابية»، واضطرابات، كما من المتوقع آثار سلبية أخرى – نهاية عصر التنسيق الأمني بين إسرائيل وأجهزة أمن السلطة؛ المس الشديد بعلاقات السلام بين إسرائيل والأردن، ويحتمل أيضاً مع مصر؛ قطع العلاقات (غير الرسمية) مع دول الخليج؛ ووقوف الاسرة الدولية ضد إسرائيل، ربما لدرجة فرض العقوبات والمقاطعة.
حتى وهي تتوجه بمفاهيم وفرضيات عاقلة، فان خطوات الضم هي خطوات إدارة نزاعات في ظروف من انعدام اليقين. في سياق وباء «كورونا»، تعرض حكومة إسرائيل نهجاً حذراً جداً يستهدف التقليص قدر الإمكان لمخاطر الخسائر بالارواح، في ظل الاستعداد لدفع ثمن باهظ بتعابير اقتصادية وبنسيج الحياة الاقتصادية في إسرائيل. وبالمقابل من الواضح أن الجهات السياسية التي تتشكل منها الحكومة لا تردعها إمكانية دفع ثمن سياسي – أمني جسيم، سيترافق وخطوة الضم، حتى لو تمت بموافقة أو حتى بمباركة إدارة ترامب، وتحت غطاء أزمة كورونا، التي تعتبر فرصة لعمل ذلك بينما يتركز انتباه العالم في اتجاهات أخرى. ولهذا يتعاظم الإغراء لتنفيذ ضم على مساحة ضيقة في حجمها، حتى وان كان على سبيل «بالون الاختبار» لفحص ردود الفعل قبيل الخطوات التالية (مثلا، المنطقة المبنية فقط التي تشكل اقل من 4 في المئة من أراضي الضفة الغربية). يمكن أن نشبه هذه الخطوة بـ «سرقة الجياد في الليل». غير أنها تثبت عمليا بأن ليس لإسرائيل نية حقيقية للوصول الى تسوية مع الفلسطينيين، وستجسد اعترافاً إسرائيلياً بأن شرعية بسط السيادة في مناطق «يهودا» و»السامرة» محدودة ومشروطة أولاً وأخيراً بتأييد رئيس اميركي ما.
فضلاً عن ذلك تتصدى إسرائيل حالياً لتحديات اقتصادية، صحية واجتماعية. ولكن السعي الى الانتعاش الصحي، الاقتصادي، والاجتماعي السريع لا ينسجم مع ما ينطوي عليه استئناف الانتفاضة وعمليات «الإرهاب» وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة من خطر. وبحساب المخاطر، ما هو الوزن الذي ستعطيه حكومة إسرائيل لامكانية ان تعيد السلطة «المفاتيح» لدولة إسرائيل؟ عندها ستضطر إسرائيل لتحمل المسؤولية عن عموم السكان الفلسطينيين بكل جوانبها، دون مساعدة من الاسرة الدولية (مثلما هو اليوم)، وفضلا عن ذلك، في وضع من انتشار متجدد لـ «كورونا». ما هو مدى الانصات الذي يمكن ان تقدمه حكومة إسرائيل للتصدي المباشر لانتشار متجدد للوباء، والى جانبه ارتفاع كبير في الإصابة وفي الوفيات، وبالتوازي التصدي للأزمة الاقتصادية وللحاجة الى الحرص على الرفاه الأساس للسكان الفلسطينيين في مناطق «يهودا» و»السامرة» التي ضمت، وفي الوقت ذاته ان تدير معركة عسكرية تتطلب تجنيداً لقوات الاحتياط؟
ان جملة الآثار السلبية قد تثير استياء جماهيرياً ومقاومة جماهيرية لدفع الثمن الأمني والاقتصادي. ويحتمل أن تتطور عندها حركة احتجاج اجتماعي، ويخرج الناس الى الشوارع. وإضافة الى ذلك، فإن الاهتمام الذي كان في جهاز الأمن لمعالجة «كورونا» سيتحول الى التهديدات الأخرى في الساحات المتنوعة المحيطة بإسرائيل. ويمكن لقوات إنفاذ القانون أن تجد نفسها في هذه الظروف تتحرك بين حفظ الحجر وانفاذ أمر صحة الشعب وبين تفريق التظاهرات الجماهيرية ضد خطوة الضم داخل إسرائيل، في الوسط العربي واليهودي على حد سواء. وبعد ذلك سيتحطم الارتباط بين الجماعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، غير الوثيق على أي حال، نتيجة لخطوة الضم، بينما يكافح عموم الجمهور ضد الوباء ذاته في ظروف من المصاعب الاقتصادية المستمرة والمتزايدة.
ان الرغبة في منع انتقال الفيروس الى أراضي السلطة الفلسطينية دفعها لسلسلة خطوات مسؤولية وناجعة، بما في ذلك التقليص الى الحد الأدنى من تشغيل العمال الفلسطينيين في إسرائيل. لقرارها هذا معنى اقتصادي فوري على إسرائيل، وليس على الساحة الفلسطينية فقط. قبل ازمة «كورونا»، كان نحو 140 الف عامل فلسطيني يعملون في إسرائيل، ولا سيما في فروع البناء، الصناعة، والزراعة. ووقف دخول العمال الى إسرائيل كخطوة رد من السلطة الفلسطينية على بسط السيادة الإسرائيلية في «يهودا» و»السامرة»، وعقب تصعيد أمني في مناطق السلطة يجبر إسرائيل نفسها على فرض اغلاق على «المناطق»، سيكون معناه ضررا إضافيا يلحق بالاقتصاد الإسرائيلي وبقدرته على الانتعاش من أزمة «كورونا».
وبالنسبة للأسرة الدولية، مع أنها منشغلة الآن بـ»كورونا»، ولكنها هي الأسرة ذاتها التي تعارض بشدة ضم إسرائيل لمناطق «يهودا» و»السامرة»، كلها أو جزء منها، وهي ستتمسك بهذه المعارضة حتى بعد «كورونا» أيضا. من المعقول الافتراض بأن الرد على الخطوة، في ضوء الظروف، سيكون بطيئا. ومع ذلك فان الانتقاد والمعارضة سيأتيان. في كانون الأول 2019 أعلن بنيامين نتنياهو فكرة الضم دون نية فورية او قدرة على تنفيذها. ومع ذلك رد على تصريحه في بيان شجب من المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، باتو بنسودا. وحذر المستشار القانوني مندلبليت من ان خطوة ضم قد تؤدي الى تحقيق جنائي دولي ضد جنود وضباط في الجيش، وموظفي الدولة، بل ضد رؤساء السلطات في «يهودا» و»السامرة» حول عمل إسرائيل هناك.
لقد أوضحت الدول الأوروبية مراراً وتكراراً ضرورة وسم البضائع الإسرائيلية للمستوطنات. كما أن المخاطرة بخطوات جزئية من جانب دول الاتحاد الأوروبي ضد تسويق بضائع المستوطنات تتخذ في أعقاب ضم بهذا الحجم او ذاك، هي مخاطرة زائدة. فخطوات رمزية أيضا يمكن أن تتسع وتتثبت. والرافعة الاقتصادية من جانب الاتحاد الأوروبي على إسرائيل يفترض أن تُؤخذ بالحسبان: بلغ التصدير الإسرائيلي الى دول الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من العام 2019 9.1 مليار دولار – نحو 38 في المئة من اجمالي كل الصادرات الإسرائيلية. كما أن من المهم التفكير بإمكانية أن يكون في كانون الثاني 2021 يجلس في البيت الأبيض جو بايدن، ومن المعقول الافتراض بانه سيحل نتيجة لذلك تغيير في سياسة الإدارة الاميركية من المسألة الفلسطينية.
في الساحة الإقليمية ستهتز العلاقات مع الأردن لدرجة الخطر الملموس على وجود اتفاق السلام. وقد يحرك الضم مشاورات عربية وإسلامية علنية لمعارضة الخطوة، وعليه حتى لو كان يظهر تعب من القضية الفلسطينية، فان الأنظمة سترد استجابة لضغط الشارع على خطوة ضم عدوانية ليس فقط ضد الشعب الفلسطيني، بل ضد الامة العربية كلها. صحيح أنه ظهر في العالم العربي في العقد الأخير رغبة متبادلة لتقدم العلاقات مع إسرائيل على أساس مصالح استراتيجية مشتركة، ولكن لا ينبغي الاستنتاج من ذلك بانه يوجد أساس متين من ناحية الدول في المنطقة للتسليم بخطوة ضم أحادية من جانب إسرائيل.

الخلاصة
ان بسط السيادة من طرف واحد في أراضي «يهودا» و»السامرة» دون محاولة حقيقية للوصول الى تسوية مع السلطة الفلسطينية بل في الوقت الحالي في ظل أزمة «كورونا»، ليس فقط لن يحسن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل وقدرتها على التصدي للتحديات الحالية والمستقبلية، بل سيقوض الرؤية الأساس والفكرة التأسيسية لدولة إسرائيل، وكونها دولة تسعى للسلام مع جيرانها.

 عن «مباط عال»