فجـــأةً، أصــبــح الفلسطـيـنـيـون غـــير مخيــفــين !

حجم الخط

وكالة خبر


في الأيام الأولى لوباء «كورونا» حدث أمر هامشي، ظاهرياً، لم يجذب اهتماماً خاصاً: أعلنت إسرائيل أنها ستسمح لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين من «المناطق» بالبقاء للمبيت داخل إسرائيل، كي يستطيعوا مواصلة العمل فيها. عشرات الآلاف من «المخربين» المحتملين سينامون في إسرائيل، وأيضاً في فترة وباء؟ أين «الشاباك» عندما سنحتاج إليه، وأين الشرطة والأذرع الأمنية؟ من سيحمينا من عشرات آلاف القنابل الموقوتة التي ستنام بالقرب من غرف نوم أطفالنا وغرف نومنا؟ 20 عاماً خفنا منهم خوفاً مميتاً، 20 عاماً حذرونا منهم، ومنذ الانتفاضة الثانية لم يسمحوا لهم بالنوم هنا، وفجأة اختفى الخطر كما لو أنه لم يكن موجوداً ومعه منع المبيت. فجأة من يبني بلدنا مسموح له بالنوم فيها. الفلسطينيون ناموا هنا ولم تسقط السماء على الأرض. يمكننا طبعاً الاعتماد على إسرائيل: عندما يخبو الوباء سيضطر بُناة البلد إلى العودة للتنقل بين الحواجز تحت جنح الظلام.
فيروسات كثيرة تفشت منذ ذلك الحين بين النهر والبحر، إسرائيل والسلطة اجتمعتا تحت غطاء سميك من الضائقة والقلق. هذه الأشهر كانت الأكثر هدوءاً في المنطقة منذ سنوات. حدود إسرائيل، مدنها وقراها؛ مخيمات اللاجئين؛ مدن الضفة والقطاع، كلها عرفت هدوءاً نسبياً لم نعرفه منذ زمن. يد خفية أوقفت إطلاق النار، والبالونات المشتعلة، والصواريخ، وأيضاً الاعتقالات والاغتيالات. هدنة بمناسبة الوباء، وهي لا تزال مستمرة. قد تختفي هي أيضاً، على ما يبدو، كأنها لم تكن. وربما لا.
في الوقت عينه، وقف في جبهة محاربة الوباء طبيبات وأطباء، ممرضات وممرضون، صيادلة وعمال مساعدة عرب. وسائل الإعلام الجماهيرية التي لم تكن تراهم قط ولم تر أبناء شعبهم، ولم تكن تحسبهم في عدادها في الأيام العادية، فجأة شعرت تجاههم بالاحترام والتقدير. فجأة أصبح العرب بشراً، ربما للمرة الأولى في تاريخهم.
طبيب الأوبئة أو مدير مستشفى عربي لم يكونا معتبرين خبيرين بما فيه الكفاية للظهور في المجالات المتخصصة لوسائل الإعلام، فجأة تظهر صور عرب في الصفحة الأولى من «يديعوت أحرونوت»، وهم ليسوا مخربين، هل تصدقون؟ حتى بين مضيئي الشعلة في الاحتفالات الرسمية الصهيونية، سيكون لهم تمثيل هذا العام، هذه ليست المرة الأولى، طبعاً، لكن هذه السنة لن يكون المندوب هو «عربي جيد» أو متعاون، بل شخصاً من طاقم طبي، اختير بسبب إخلاصه للواجب، لا بسبب «ولائه».
إلى جانب ذلك، حدثت ظاهرة مفاجئة من الصعب تحديد مدى تأثيرها: للمرة الأولى في تاريخهم، يشعر الإسرائيليون كالفلسطينيين. ليس تماماً، ومع ذلك: إغلاق، منع تجوُّل، حواجز وبطالة بأحجام مذهلة. هم يعرفون أن هذا مؤقت، وأن الهدف مبرر - بعكس ما يفعله الاحتلال - لكن مع ذلك تذوقوا طعم احتلال صغير. هل سيساعدهم ذلك على الشعور بذرّة من التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين؟ هل سيدرك الإسرائيليون أن ما عاشوه هنا مدة شهرين في ظروف فاخرة، يعانيه الفلسطينيون منذ أكثر من عشرات السنين في ظروف من الإساءة والإهانة لا تصدق؟ ثمة شك كبير، لكن ربما.
«كورونا» دفعت بنا قدماً ميليمتراً واحداً نحو حل الدولة الواحدة، الذي على ما يبدو، لم يعد يوجد حل آخر غيره. خطوة صغيرة للإنسان وخطوة هائلة للإنسانية، هشة وقابلة للانعكاس تماماً. العرب في إسرائيل صُوروا كبشر مثلنا عرضة لنفس الخطر ويواجهونه مثلنا، ولا ينشرونه أكثر منا، كما كانوا، وبالتأكيد كما أملوا. الإرهاب في المناطق [المحتلة] مات، الاهتمام لدى الطرفين أصبح مدنياً، كما في أي دولة طبيعية، حتى مع الإغراء بتقديم مساعدة طبية هنا وهناك. غزة بقيت في السجن، المستوطنون الذين لا يضيعون فرصة للعنف، حتى في مواجهة الوباء، ضربوا، هدموا، وسرقوا أكثر من المعدل، وإسرائيل لم تطرح أي مبادرة حسن نية في ظل «كورونا»، مثل إطلاق سراح أسرى. لكن في الجو كان هناك للحظة ما يبعث الأمل.
هل سيستخلص الإسرائيليون استنتاجات من هذه التطورات الصغيرة؟ هل زُرعت بذرة تغيير مصيري في النظرة، لم يحدث قط من قبل، تدفع الإسرائيليين إلى أن يفهموا أن الفلسطينيين هم بشر مثلنا تماماً، لهم نفس الأحلام والحقوق؟ لا مجال لتوقعات كبيرة. تجار الحروب والكراهيات والقوميات والعنصريات لا يزالون أقوياء كما كانوا. ومع ذلك، شعبان، وباء واحد، دولة واحدة. الدولة الواحدة التي يعيش فيها شعبان تحت ثلاثة أنظمة أوقفت قليلاً من سباقها المجنون نحو التسلح والدم.
على ما يبدو، ثمة حاجة إلى كارثة أكبر بكثير لحدوث التغيير. عزاؤنا أن الكارثة الصغيرة أدت إلى تغيير صغير للغاية، وعلى ما يبدو زائل. كذلك هو فرح الفقراء.

عن «هآرتس»