أزمة «كورونا» وفرصة الحكومة للتواصل الفعال مع الناس

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

بشكل عام، تخلق الأزمات وبغض النظر عن نوعها، تحديات وفرصا، وينتج عنها قادة وخبراء وإداريون ناجحون، وفي نفس الوقت تكشف مواطن الضعف والترهل والخلل، سواء في القيادة أو في الإدارة أو فيما يتعلق بمتابعة مجريات الأمور، أو من خلال التواصل الفعال مع مكونات أو عناصر الأزمة أو المعضلة، وتأتي أزمة «كورونا» الحالية لتشكل مثالا واضحا على ذلك، فهذه الأزمة المعقدة وغير المتوقعة التي اجتاحت العالم وما تزال تداعياتها تتفاعل وعلى مستويات مختلفة، ومن أجل نجاح التعامل معها والتقليل من تداعياتها على الأقل، فالمطلوب التواصل الفعال بين ومع من له علاقة بها، وبشكل عمودي وافقي، سواء أكانت هذه المكونات من الأجهزة الطبية ودوائر الصحة أو الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام ودوائر الأعمال والمصانع ورجال الحكم والاقتصاد أو السياسيين الذين يديرون البلاد وغيرهم.
وبالطبع والاهم هو بناء أواصر التواصل مع المواطن أو مع الناس بشكل عام، ومن يتابع مجريات هذه الأزمة يلحظ الإيجازات أو الإطلالات اليومية المطولة التي يقوم بها أعلى قادة الهرم في الدول التي يجتاحها الوباء، بدءا من الولايات المتحدة والإيجازات المطولة والمتناقضة والمملة في بعض الأحيان للرئيس ترامب، وما يقوم به المسؤولون في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها من دول أوروبا، ودول العالم الثالث والشرق الأوسط ومن ضمنها بلادنا.
ومن الواضح أن الإطلالات اليومية للحكومة عندنا وبغض النظر عمن مثلها أو يمثلها من وزراء أو مسؤولين مختلفين، قد لاقت على الأقل الارتياح ورد الفعل الإيجابي كما يتضح من المتابعة على الأقل، عند وسائل الإعلام بشكل خاص، وبشكل عام عند المواطن أو الناس الذين يشاهدون أو يتابعون، ومن الواضح أن أزمة «كورونا» قد شكلت فرصة واضحة للتواصل مع الناس ومن زوايا مختلفة، ولاطلاعهم وبشكل مباشر على أمور تهم مجرى حياتهم اليومية، وشكلت بابا مهما لبناء التواصل وبالتالي التفاعل الإيجابي ومن ثم بناء الثقة، مع أناس ربما لا يعرفون أسماء أو لم يشاهدوا وزراء أو غيرهم ممن يديرون مجرى حياتهم، وشكلت مجالا واضحا لتبيان أهمية وسائل الإعلام في تشكيل حلقة بين الناس الذين يشاهدون في منازلهم وبين من يمثلونهم، من خلال طرح الأسئلة التي تدور في ذهن المواطن الذي يقبع في بيته، وهذه الفرصة وبالتالي التواصل ومن ثم عملية بناء الثقة والاحترام، ورغم أنها جاءت بفعل أزمة لم يردها أحد ولم يرغب سواء المواطن أو المسؤول بمخرجاتها، إلا انها من المفترض أن تتواصل وحتى بعد انتهائها أو الخروج منها.
والتواصل الفعال بشكل عام، من أهم سمات القيادة، والقائد الناجح صاحب الرؤيا الواضحة، والذي يقود الناس ولو من بعيد، هو من يتواصل معهم، ومن خلال كل المستويات، وحتى في علم الإدارة والقيادة، وخلال عمليات التغيير، فإن من أهم أسباب فشل عمليات قيادة التغيير هو ضعف التواصل وبالتالي التفاعل وبناء الثقة بين مقومات المكون، سواء أكانت شركة أو مؤسسة أو وزارة أو جامعة أو غير ذلك، ومن يدرس أمثلة من الماضي، فإن هناك من كبريات شركات أو أجهزة العالم التي فشلت فيها عمليات التغيير وبالتالي التجديد ومواكبة المتطلبات الجديدة، بسبب ضعف التواصل بين المقومات المختلفة، وبالأخص بين الإدارة أو القيادة التي تجلس في الأعالي وبين الغالبية من الموظفين أو العمال أو المكونات الأخرى، وهذا ما ينطبق على حكومات وأجهزة ومؤسسات دول عديدة.
فالمواطن بشكل عام، ومن ضمنهم ممثلو وسائل الإعلام المختلفة، وهم مواطنون من المفترض أن يعبروا عن الناس، يشعر بالارتياح حين يرى ويسمع من يمثله أو من يؤثر على مجريات حياته اليومية، يجيب عن تساؤلات هو يريد أن يسمع الإجابة عنها بشكل مباشر، أو يريد أن يعرف وبوضوح السياسة أو الخطة القادمة وبشكل مباشر ممن سوف يكون على رأس تطبيقها أو متابعتها، سواء في مجالات العمل أو الصحة أو التعليم أو الاقتصاد أو ما يهم مجرى حياته اليومية، وهذا ما تقوم به وبشكل واضح معظم حكومات العالم، سواء من خلال المؤتمرات الصحافية المتخصصة مع وسائل الإعلام، أو من خلال العرض والإجابة عن أسئلة ممثلي الشعب في البرلمانات المنتخبة.
ولكن وفي حالتنا الفلسطينية، وبسبب الغياب الحالي لعمل المجلس المنتخب من الناس، أي المجلس التشريعي الفلسطيني، تبقى فرصة الحكومة للتواصل وبالتالي التفاعل وبناء الثقة مع الناس، هي من خلال الإطلالات الدورية مع وسائل إعلام متوازنة وموضوعية تعبر عما يدور في عقول الناس في البيوت، وبغض النظر عن شكل أو طريقة الإخراج لهذه الإطلالات، فإن ما خلقته أزمة «كورونا» للحكومة من فرصة للتواصل وبالتالي إيصال المعلومة والرسالة والخطة الى المواطن، من المفترض أن تتواصل وبشكل دوري ومن خلال أعلى الهرم، هذا مع الاستفادة من بعض العثرات أو الهفوات التي ربما حدثت هنا أو هناك.