هل يفعّل ترامب “الدائرة المشبوهة” ويستعين بنتنياهو… “مرة أخرى”؟

حجم الخط

بقلم: حيمي شليف

تدخّل وباء كورونا مرتين على الأقل لصالح بنيامين نتنياهو. أجواء الطوارئ التي خلقها المرض حرفت الانتباه عن محاكمته الجنائية ومهدت الطريق لتشكيل حكومة طوارئ، وكما يبدو، استمرار ولايته أيضاً. مؤخراً، غطى الوباء على قضية كادت تسبب له إحراجاً كبيراً: اكتشافات جديدة حول تدخله في الحملة الانتخابية لترامب 2016 التي كشفت في وثائق مرتبطة بالمستشار السابق للرئيس روجر ستون التي نشرت مؤخراً.

في الأيام العادية كان هذا الكشف سيثير عاصفة إعلامية على الأقل. المراسلات التي كشفت خاضعة للرقابة، وفي جزء منها محجوب. ولكنها، وفق تحليل معقول، تثير شكاً بوجود علاقة خفية بين نتنياهو وستون (الذي أدين في شباط بمحاولة تشويش تحقيقات الكونغرس في قضية التدخل الروسي) وبين مقر حملة ترامب الانتخابية.

يدور الحديث عن وزير بلا حقيقة في حكومة إسرائيل، ويعمل في شؤون الخارجية والأمن، وهو في علاقة متواصلة مع جهة إسرائيلية مجهولة ذات قدرة على التواصل مع نتنياهو خلال الحملة الانتخابية. المصدر الذي حاول تنظيم لقاء بين الوزير وترامب كتب بأن “رئيس الحكومة يعتقد أن لدينا فرصة أخرى… ترامب سيخسر إذا لم نتدخل. لدينا معلومات استخبارية حاسمة”.

المشبوه الفوري كما يبدو هو تساحي هنغبي الذي عُيّن وزيراً بلا حقيقة في إسرائيل نهاية أيار 2016، قبل بضعة أسابيع من بدء المراسلات مع ستون. هنغبي، الذي كان في حينه الوزير الوحيد بدون حقيبة في الحكومة، كان موجوداً في الولايات المتحدة مثل الوزير الذي تم ذكره في الوثائق، من أجل المشاركة في احتفال تسليم طائرة اف 35 الأولى لإسرائيل، الذي جرى في مصانع لوكهيد مارتن في تكساس.

ولكن هنغبي نفى أمس كل صلة له بالقصة وبستون نفسه. وحسب قوله: “حتى أمس لم أسمع عن اسمه أو أعرف عن وجوده”. في وثائق ستون ذكرت مواعيد سافر فيها الوزير إلى روما للتشاور مع نتنياهو الذي كان وجد حينذاك في العاصمة الإيطالية. ولكن هنغبي أجرى -حسب قوله- في حينه، زيارات في بنما وتشيلي. وليس مستبعداً يتعلق الأمر بشخص محتال منتحل، كما قال.

المحقق الخاص روبرت مولر أشار في السابق إلى تدخل إسرائيل في حملة ترامب الانتخابية. ولكنه شطب من تقريره حقائق تمكن من تشخيص إسرائيل بوضوح. عدد غير قليل من الأشخاص الذين ارتبط اسمهم بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، ومن بينهم اوليغاركيون ومستشارون وشركات سايبر، كانوا على علاقة وطيدة أيضاً مع جهات رسمية إسرائيلية.

ربما من غير المسموح الإشارة أيضاً إلى أن ستون، وبول منفورت (الذي كان مدير حملة ترامب وأُدين السنة الماضية بمخالفات تتعلق بالتآمر وتبييض الأموال وتشويش محاكمة وإخفاء معلومات عن عمله كشخص لوبي) قد عملا منذ العام 1996 مع خبير الحملات القذرة، المستشار الأسطوري لنتنياهو، آرثر فنكلشتاين المتوفى، وحتى أنه عرف بالاسم الجماعي “شبان آرثر”.

حسب الجهات التي حققت في القضية، فقد بدأت العلاقة بين المحيطين بترامب ونتنياهو في 2013 عندما أرسل الرئيس المستقبلي لمواطني إسرائيل توصية حارة للتصويت لصالح مرشح الليكود بعد بضعة أسابيع من اتخاذه قرار التنافس على الرئاسة. بادرة حسن النية الغريبة التي أثارت الاستهزاء في حينه كانت مثل رمي الخبز في المياه، حسب ادعاء الخبراء. ومقابلها جاء في بداية 2016 عندما فهم نتنياهو بأن لترامب فرصة حقيقية كي يتحول إلى المرشح الجمهوري للرئاسة.

نتنياهو الذي وصلت شبكة علاقته مع الرئيس أوباما في تلك الفترة إلى الحضيض.. لم يتردد للحظة. وقد قام بدور فعال في تشجيع الإفنغلستيين للتجند لصالح ترامب وبهذا يصبحون ركيزته. هكذا تم خلق محور ترامب – الإفنغلستيين – نتنياهو الذي دفع جانباً لوبي الأيباك وأمثاله من وظيفتهم التقليدية.

يجب عصر الليمونة

في السنة الأخيرة تدخل ترامب بصورة فظة لصالح نتنياهو. قبل أسبوعين من انتخابات نيسان 2019 اعترف بضم هضبة الجولان لإسرائيل، وبعد أسبوعين بالمفاوضات الائتلافية أيضاً. في انتخابات أيلول كان ترامب أكثر بروداً، لكن قبل آذار رد الجميل لنتنياهو مرة أخرى بنشر صفقة القرن، وبشكل خاص الضم المدرج فيها.

يريد نتنياهو الآن عصر هذه الليمونة حتى النهاية. هو يريد، وكما يبدو سيحقق، مباركة ترامب للضم الجزئي أو الكامل للمناطق المخصصة لإسرائيل في صفقة القرن. وقد أعلن عن ذلك في خطابه الأسبوع الماضي، وللجنة إفنغلستية من أوروبا. وإذا قام ترامب بتوفير البضاعة فهو ينوي أن يستعيد من نتنياهو الدين المتراكم في الأشهر الحاسمة للجولة الانتخابية في الولايات المتحدة، وهذا توقع يظل تحققه مرهوناً بدرجة معينة بالاستطلاعات.

وكلما امتد منحنى الهبوط لترامب، وفتح جو بايدن الديمقراطي فجوة أكبر بينهما، فسيضطر نتنياهو إلى التفكير مرتين إذا ما كان سيحرق الجسور تماماً مع الرئيس والكونغرس الديمقراطي اللذين ربما سيسيطران في واشنطن بداية كانون الثاني القادم.

ترامب بالطبع لا يرى أي عيب في تدخل دول أجنبية في الحملة الانتخابية شريطة أن يكون هذا لصالحه. حسب التقرير الذي نشره مولر، فإنه علم عن التدخل الروسي في الانتخابات عام 2016، وقد تلقى ذلك بالمباركة والتشجيع علناً. ولكن لم يتم العثور على ما يكفي من الأدلة لاتهامه بتنسيق ممنوع. ترامب، كما نذكر، دعا الصين وبريطانيا وأستراليا ودولاً أخرى، علناً، للتحقيق في القضايا المرتبطة ببايدن كي يشوه سمعة خصمه.

الإصبع موجهة نحو الصين

لأن ترامب يتعامل مع التدخل الأجنبي كأمر طبيعي، فهو يلقي من ذلك على منافسيه ويعتقد أنهم يفعلون ذلك أيضاً. المتهم الرئيسي حتى الآن هي دولة أوكرانيا التي اتهمها ترامب بالتنسيق مع الديمقراطيين وطبخ قضية التدخل الروسي كلها. الرئيس الأمريكي أراد قلب الحقائق عن طريق ابتزاز الرئيس الحالي لأوكرانيا، فلادمير زلانسكي، ليعلن عن فتح تحقيق ضد بايدن، وهو حدث تطور إلى محاكمة العزل التي انتهت بتبرئة ترامب في مجلس الشيوخ في شباط الماضي.

في هذا الأسبوع حلت الصين محل أوكرانيا كعدوة رئيسية لترامب. وفي الوقت الذي يشعر فيه الجمهور الأمريكي بضيق من السلوك الفضائحي في أزمة كورونا ومن الـ 60 ألف ضحية التي جباها المرض، زاد ترامب هجومه على بكين واتهمها بإخفاء بيانات عن تفشي وباء كورونا، وبهذا ساهمت في انتشاره.

في المقابل، تردد شبكة “فوكس” بلا تردد النظرية غير المثبتة بأن الفيروس قد تسرب من معهد للأبحاث البيولوجية في إقليم ووهان، الذي انتشر منه المرض. وحسب تقارير في وسائل الإعلام، فإن مخابرات واشنطن أعطيت توجيهات لجمع أدلة تعزز هذه الشائعة.

الآن، وبعد أن تم إعطاء نشطاء جمهوريين توجيهات لتوجيه سهامهم نحو الصين، يتخذ ترامب خطوة واحدة إلى الأمام ويتهم الصين بشكل صريح في محاولة ترجيح كفة الانتخابات ضده ولصالح بايدن. وحسب ادعاء الرئيس، فإن بكين تفضل المرشح الديمقراطي، لأنه سيسهل عليها التهرب من الاتفاق التجاري المتشدد، كما يبدو، الذي عقده مع الصينيين. وحسب أقوال خبراء في التجارة، فإن اتفاق ترامب لن يغير بصورة جوهرية علاقة القوى التجارية بين الدولتين. الصين التي كانت هدفاً لهجمات ترامب في حملته الانتخابية في 2016 والتي تحولت إلى هدف لملاحقاته بعد ذلك، ربما تشكل له كيس اللكمات في حملته في 2020 – مع كل ما يترتب على ذلك للأمن والاقتصاد الدولي.

التوجهات الكارثية في الاقتصاد الأمريكي لن تغير الاتجاه في الأشهر القريبة القادمة. وفي غياب زلة كارثية لبايدن، فإن إعادة انتخاب ترامب ستعتبر على الأقل مهمة غير ممكنة، بحجم جون ماكين مقابل باراك أوباما بعد الأزمة المالية في 2008. وأمس، أعلنت وزارة العمل الأمريكية الأسبوع الماضي عن إضافة 4 ملايين شخص إلى العاطلين عن العمل الذين وصل عددهم اليوم إلى 30 مليون. وهو أعلى معدل نسبي منذ الانهيار في العام 1929.

ترامب مضغوط الآن، ويصرخ في وجه مستشاريه، ويتخلى عن مرؤوسيه ويرفض تصديق الاستطلاعات التي تظهر خطورة وضعه. “لا يوجد وضع أخسر فيه أمام بايدن”، قال، وسارع إلى إلغاء توجيهات الابتعاد الاجتماعي للإدارة ويحث حكام الولايات على الإسراع لفتح المصالح التجارية من جديد لتسريع تعافي الاقتصاد رغم الخطر الكبير. بدون تحسن قريب سيتحول ترامب إلى أكثر يأساً وأكثر خطراً. وقد يتصادم مع الصين ويصادق على الضم، وبالتأكيد يطالب نتنياهو بالضغط لصالحه وليكن ما يكون.