حول تعديلات قانونَيْ التقاعد ومكافآت ورواتب " كبار" المسؤولين المطلوب لجنة تحقيق

حجم الخط

بقلم:د. ممدوح العكر

 

لقد أحسن رئيس الوزراء د. محمد إشتية صنعاً بالتوجه على جناح السرعة الى الرئيس محمود عباس طالبا ً إلغاء القانونيْن سيئي الصيت والمتعلقيْن بتعديل قانون التقاعد وقانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين . ويُحسب لهذه الحكومة التزامها المتزايد بمبدأ الشفافية والذي نأمل ان يُتوَّج هذا المبدأ بإقرار قانون حق الوصول الى المعلومات والذي لا زال عالقاً في أدراج الحكومة منذ وقت ليس بالقصير . واعتقد جازما ً ان د. إشتية يوافقني الرأي بأن الشفافية لن تكتمل أركانها بدون حق الوصول الى المعلومات ، تماما كما أن حرية الرأي والتعبير لا تنسجم مع استمرار العمل بقانون الجرائم الإلكترونية بصيغته الحالية .

انني اعتقد ان من الضرورة بمكان ان لا نكتفي بهذا الإنجاز الواضح والمتمثل بإلغاء ذلكما القانونيْن بهذه السرعة وقبل بزوغ فجر اليوم التالي على إنكشافهما للرأي العام ، إذ لا بد من إتْباع إلغائهما بخطوة جدية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك ومن شأنها تعزيز مبدأ الشفافية . وتتمثل هذه الخطوة بوضوح وبدون ادنى مواربة بتشكيل لجنة تحقيق للوصول الى حقيقة ما جرى واستقصاء كيف تمكنت مجموعة من ارتكاب مايلي :

١- الالتفاف على الحكومة بتقديم مشاريع قوانين من وراء ظهرها . وتمكنت بالتالي من المساس المباشر بمصداقية هذه الحكومة في سعيها الحثيث لاستعادة الثقة المفقودة بين المواطن الفلسطيني وحكوماته المتعاقبة .

٢- الحصول على توقيع الرئيس على مشروعي القانونين ، بدليل ان الرئيس قام بإلغائهما فور أن قام رئيس الوزراء بكشف خطورتهما ودرجة الغضب الجامح الذي عم الشارع الفلسطيني بسببهما . وقبل ذلك تم تمرير هذين القانونين في الدائرة القانونية لمكتب الرئيس ، عدا عن التحايل على المادة ٤٣ من القانون الأساسي بإعطاء زيادة الرواتب والمكافآت لمجموعة من كبار المسؤولين صفة الضرورة القصوى . هذا دون ان يدركوا أن الضرورة القصوى كانت تقتضي ، وما زالت تقتضي إصدار تشريع للحماية الاجتماعية وليس زيادة رواتب ومكافآت للبعض .

٣- المساس بالمال العام .

٤- تثبيط همة الزخم المنشود لحملات جمع التبرعات بما فيها حملة " وقفة عز " ، فمن سيكون مستعدا ً للتبرع إذا إنتابه الشك بأن ما سيتبرع به قد يذهب الى جيوب البعض .

٥- كل ذلك يتم في الوقت الذي تواجه فيه البلد قسوة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة الكورونا ، و بينما يصل مئات الألوف من شعبنا حافة الفقر وذل البطالة .

إن كل ذلك إنما يرقى الى ما هو أبعد من مجرد المساس وهدر المال العام. ومن هنا تأتي أهمية الإسراع في تشكيل لجنة تحقيق ذات استقلالية ومصداقية لكشف ملابسات كل ما جرى ومحاسبة البعض ، وعدم الإكتفاء بمجرد إلغاء القانونيْن .

وختاماً ، يطل علينا السؤال من جديد : أما آن الأوان لوضع الضوابط الواضحة والصارمة بالنسبة لإصدار القوانين بمراسيم رئاسية ، من أجل إعادة الإعتبار للقانون الأساسي نصا ً وروحا ؟ . خاصة وان قادم الأيام قد تحمل إلينا مفاجآت صادمة لقرارات بقوانين لا تمتلك من مقومات الضرورة القصوى سوى أنها تلبي مصالح للبعض ، وليذهب شعبهم المعذَّب ، وليذهب الوطن المهدَّد، ولتذهب القضية الوطنية التي تجري تصفيتها ... ليذهبو جميعاً الى الجحيم .