لم تولد الأزمة الاقتصادية، التي يمر بها لبنان، الآن، في أعقاب «كورونا». فقبل خمسة أشهر خرج مئات آلاف الشبان إلى ميادين المدن، وتوجهوا إلى مبنى رئيس الوزراء وإلى منازل الوزراء.
تظاهروا ضد البطالة الواسعة، وضد عدم اكتراث المؤسسة الحاكمة، وبالاساس ضد انعدام القدرة على الدخول إلى السوبرماركتات والتزود بالمنتجات الغذائية الأساسية التي ترتفع أسعارها. كان رئيس الوزراء في حينه هو سعد الحريري، وكانت المؤسسة الحاكمة تريد بالذات أن يبقى كي تحكم من فوق رأسه. ولكن الحريري، المتورط في قضية كبيرة، فضل الرحيل.
تواصلت التظاهرات أيضا بعد تولي حسان دياب كرسي رئيس الوزراء، وجلب معه وزراء جددا، وبينهم ست نساء في مواقع أساسية. دياب، الاكاديمي، إلى جانب وزيرة الدفاع ووزيرة الداخلية، خرجوا إلى الشباب في محاولة لتهدئة الخواطر في الشوارع، ولكن دون جدوى.
حين جاء «كورونا»، ولم يكن ممكنا منع هبوط طائرات المصابين من إيران، تفاقمت خيبة الأمل، وعادت الجماهير إلى الميادين. وحتى مسألة الموتى والمصابين بـ»كورونا» لم تحل. فقد أعطى الحكم أعدادا (قرابة 300 وفاة، بينهم أجانب). ولكن الشارع أشار الى الآلاف، وأعلن أن الحكم يكذب، ورفض التخلي عن الاحتجاج، بدعوى انه على اي حال لا يوجد شيء مجد آخر يمكن عمله.
والان، مع شهر رمضان، سقطت قنبلة جديدة. أعلنت شركة المشروبات الغازية، كوكا كولا، عن إغلاق كل مصانعها في لبنان. تلقى 350 عاملاً منذ الآن كتب إقالة، وفقد مئات آخرون من العاملين مكان عملهم. وأكدت وزيرة العمل، لميا الدويهي، أول من أمس، أنها تلقت كتاباً من ادارة الشركة في اطلنطا بإغلاق أعمالها.
يحذر حسن خليل، وهو خبير اقتصادي لبناني، من أن هذه هي مجرد البداية. وهو يتوقع أن ينضم مئات الآلاف من الطبقة الوسطى في لبنان الى دائرة الفقر. وبينما يتحدث، هبطت الليرة اللبنانية إلى سعر سخيف أمام الدولار، فالدولار الواحد يقابل 4 الاف ليرة لبنانية، وهو هبوط بمعدل 55 في المئة. هكذا، تأتي ربة البيت إلى رفوف السوبرماركت فتتمزق عيناها يأساً، عندما ترى الأسعار الجديدة.
ورد في كتاب إدارة كوكا كولا لرؤساء الحكم في بيروت: نحن لا نرى نهاية للأزمة الاقتصادية في المستقبل القريب ولا حتى في المستقبل البعيد. وبالتالي، توضح الادارة في اطلنطا بأننا «لن نكون قادرين على احتمال خسائر الشركة في لبنان».
وسارع الأمين العام لـ «حزب الله»، حسن نصر الله، هو الآخر الى التعقيب، بتلميح شديد الوضوح، على قضية كوكا كولا. وكعادته، حاول التقليل من الأهمية والاقناع بشراء المنتجات المحلية فقط وتجاهل مئات العاطلين الجدد عن العمل. كما تعهد نصر الله بتكريس أحد خطاباته القادمة للموضوع المستحب لديه: التهجم على إسرائيل وتهديد سكان الشمال. انظروا كي يدور الدولاب. من يتذكر اليوم المقاطعة العربية التي حظرت على شركة كوكا كولا اقامة المصانع في إسرائيل؟ في العام 1968 فقط نجحت الشركة، مع لوبي يهودي قوي، في أن تفتح مصنعا أول لها في بني براك. وكان لبنان أحد الدول العربية التي أدارت حربا شعواء، ورفعت يافطات التأييد للمقاطعة. أما الآن، بسبب الظروف، فمن المتوقع لشركات اقتصادية اخرى أن تتبنى طريقة كوكا كولا في لبنان، إلا اذا وقعت معجزة مفاجئة، لا تظهر حاليا في الأفق، فتتجند صنادق دولية لترفع الظهر المنحني لملايين اللبنانيين.
عن «يديعوت»