في جنوب إفريقيا أيضاً كانت "محكمة عليا" تدافع عن "الأبرتهايد"!

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي



المحكمة العليا هي إحدى الحيل المتطورة جدا في إسرائيل. لا يوجد مثل المحكمة العليا من أجل تشكيل إسرائيل كما تريد أن تظهر متنورة، قانونية، وديمقراطية. صحيح أنه توجد فيها محكمة عليا، القبة الحديدية للديمقراطية. اذا كان فيها أخطاء فإن المحكمة العليا ستصلحها. كم هي جميلة المحكمة العليا وكم نحن جميلون. حلم اسحق رابين حقا بدولة من غير محكمة عليا، لكن المحكمة العليا لم تمنعه من شيء، بما في ذلك الطرد الإجرامي لـ 415 نشيطا من «حماس» الى لبنان. وتعاظمت هالة منارة العدل والتنوير فقط.
الحرب، التي شنها اليمين في السنوات الاخيرة ضد المحكمة العليا، أضافت المزيد الى القول المأثور: هذه حرب ضد الديمقراطية التي يريد اليمين تدميرها، ومن غير المحكمة العليا يمكن أن يخلصنا من بين يديه؟ هكذا ايضا النص المخفي الذي يرافق، الآن، مداولات المحكمة العليا بشأن بنيامين نتنياهو: توجد لدينا ديمقراطية على أكمل وجه، نتنياهو يمكن أن يدمرها، والمحكمة العليا يمكن أن توقفه. عيون المعسكر الليبرالي تنظر الآن نحو القضاة الذين يرتدون الاقنعة، والذين منهم ستأتيه المساعدة. هذا خداع ذاتي. ايضا في بريتوريا ذات التمييز العنصري كانت توجد محكمة عليا، وكانت هناك انتخابات ديمقراطية. فهل خطر ببال أحد أن يسمي النظام في جنوب افريقيا ديمقراطية؟ جنوب افريقيا ايضا كانت دولة قانون، ولكن أي نوع من القانون كان لديها؟ في إسرائيل يدور النضال، الآن، حول الديمقراطية، ومن المشكوك فيه اذا كان نضالا مؤكدا حول الديمقراطية. متى سيتم الفهم هنا بأنه اذا كان 4.5 مليون شخص يعيشون خلال عشرات السنين بدون أي حقوق تحت سيطرة ديكتاتورية لدولة، فلا يمكن أن تسمى هذه ديمقراطية؟ ببساطة، لا توجد ديمقراطية كهذه.
إسرائيل ديمقراطية بالضبط مثلما كانت جنوب افريقيا السابقة ديمقراطية. «الابرتهايد»، حقاً، لم يتم تشريعه هنا لكن طريقه ممهدة، من بين امور اخرى بفضل المحكمة العليا. لن توقف المحكمة العليا جموح «الابرتهايد» بالضبط مثلما لم توقف الاحتلال. عرف النشاط القانوني دائما أين يتوقف: عند الخط الاخضر وامام جهاز الأمن. هناك تنهك قواه، يصمت صوته، ويستسلم بدون شروط. النشاط، حتى في ذروته، تحول الى سلبية في مناطق غير مريحة لإسرائيل. لذلك، عندما سيحاسبون الاحتلال، ذات يوم، سيتم حفظ مكان محترم لمحكمة العدل العليا، التي ايضا بفضل نشاطها وصلنا الى ما وصلنا اليه.
لشديد الدهشة، المغسلة الاخلاقية والقضائية الكبرى هذه ما زالت تثير التوقعات لليبرالية. استنادا الى ماذا؟ هل لسوابق الماضي؟ الآن يتطلعون الى أن يقوم قضاة القدس بانقاذ إسرائيل من الحضيض القانوني والاخلاقي الذي وصل اليه النظام السياسي. الديمقراطية ليست هي التي تقف على باب المحكمة، هي مشكوك فيها اصلا، ومن المؤكد أن اتفاقية الائتلاف لن تدمر الديمقراطية. معظم من يتطلعون، الآن، وهم يرفعون الاعلام السوداء الى الخلاص من المحكمة العليا، لم يخرجوا بالاعلام ذاتها عندما قامت المحكمة العليا بشرعنة ذلك، عندما صادقت وبيضت جرائم حرب. الآن يأتون؟ الوقت متأخر جدا. المحكمة العليا تم افسادها. المحكمة، التي لم تتجرأ يوما على طرح موقفها بالنسبة للمستوطنات، مثلا، لن تجد الشجاعة للتقرير بأن المتهم بمخالفات جنائية لا يمكنه شغل منصب رئيس الحكومة.
أيضا من هبوا لمساعدة المحكمة العليا ويصرخون ضد المس الشديد بها، يلعبون لعبة خداع الذات: يوجد لدينا نظام متنور، الاشرار يريدون المس به، والمحكمة العليا تدافع عن النظام، ونحن الاخيار سندافع عن المحكمة العليا بأجسادنا. من اجل ماذا يجب علينا الدفاع عن المحكمة العليا؟ هل من اجل شرعنة المزيد من اعمال النهب والسرقة؟ المزيد من الجرائم والحرب؟
عندما كنا صغارا، أنا وأخي، كنا نحول الدراجة التي لها ثلاثة دواليب، الحمراء الصغيرة، ونتخيل أن دولاب الدراجة هو المقود، وأننا سائقو باصات، وقد قضينا اياما كاملة هكذا، نقود حافلة خيالية. إسرائيل بنت لنفسها عالما متخيلا لا يقل عن ذلك: أنها ديمقراطية وتوجد لديها محكمة عليا لتحافظ عليها آمنة. ليس اكثر واقعية من حافلتنا المتخيلة ذات الدواليب الثلاثة التي لا تنسى.

عن «هآرتس»