إيهود باراك يكشف ما دار وراء الكواليس في «كامب ديفيد» (2-2)

حجم الخط

أجرى المقابلة: د. أوري ميلشتاين



*ماذا كان رد كلينتون؟
«جاء إلي كوخي بعد منتصف الليل بوجه عابس. قلت له انه حتى اليوم كان طرف فقط أبدى جدية. مرت ستة أيام من أصل الثمانية المخطط لها. لن يكون لنا مفر إلا التراجع اذا لم يأتِ عرفات من الجهة الأخرى. أنا لا أطالبه بأن يكون على كل سنتيمتر أتحرك فيه يتحرك سنتيمتراً. أنا على علم بأننا طرف قوي ونحن نملك الذخائر، ولكني أتوقع بالتأكيد أننا اذا تحركنا 10 سنتيمترات أن يتحرك سنتيمتراً واحداً او حتى ميلتمراً. ولكنه لا يتحرك. من هنا فليست له رغبة في الوصول الى توازن يعكس مصلحة الطرفين، بل ان يحصل على الحد الاقصى من التنازلات الإسرائيلية وبعد ذلك يكون هذا خط البداية له.
«يدل نمط السلوك هذا بشكل عميق على ما يقف أمامنا. نحن لا يفترض بنا أن نغمض عينينا. اذا كان ما اقترحه شلومو وغيلي مما يتجاوز ما اقررته لهما لا يحرك أي شيء في الطرف الآخر، فإننا في الطريق الى المواجهة. أتوقع منك، انت الرئيس كلينتون، أن تفهم هذا. في مثل هذه الحالة نحن سنوسع السيادة الى الكتل الاستيطانية، وسنقيم منطقة أمنية على طول نهر الاردن وفي الغور، وسنحافظ على تواجدنا الامني في كل المنطقة، وستتمكن قوات الجيش من العمل في كل مكان لمواجهة كل تهديد امني.
«استمع كلينتون، أبدى بضع ملاحظات وعاد الى كوخه. بعد ساعة عاد متشجعاً. سألت: «لماذا تبتسم؟». قال: «لم أبتسم بعد، ولكني متفائل اكثر قليلاً». عرفات أعرب عن استعداده أن يقرر كلينتون كم في المئة من المناطق تبقى بيد الفلسطينيين. قال كلينتون لي انه يقدر بأنه يمكن الانتهاء بحوالي 90 أو 92 في المئة او تبادل ما رمزي للأراضي بالنسبة لـ 10 في المئة التي تقتطع منهم. كان هذا يرتبط بالصيغة الأصلية للنبضة الثالثة من اتفاق واي، بل قبل ذلك، تقول انهم سيحصلون على مناطق أخذت في الـ 67 كجزء من «وحدة إقليمية موحدة» خاصة بهم. قال: «انتم لا تعودون الى حدود 67 بالضبط. هناك حاجة لترتيبات أمنية، وحدود معترف بها ومتفق عليها. مقابل المكان الذي تريدون أخذه تعيدون شيئا ما». وعلى حد قوله، يريد عرفات السيطرة في غور الأردن ولكن يفهم بأن هذا يتعلق بالاحتياجات الأمنية لإسرائيل، ومستعد لأن يسمع عن ترتيبات أمنية. ولكن لعرفات يوجد موقف متصلب في موضوع القدس، وعلى حد قوله كل شيء مشروط بالاتفاق حول القدس».

ماذا أجاب كلينتون عرفات على حد قوله؟
«انه لا شيء بلا «إنهاء النزاع وانتهاء المطالب المتبادلة». قلت لكلينتون ان القدس ليست أمراً بسيطاً. حكومات إسرائيل تعهدت بان تبقي القدس موحدة. كلينتون قال انه بدون المس بالسيادة الإسرائيلية على الحرم وعلى المبكى، من المهم إيجاد سبيل يمكن عرفات من أن يدعي بشكل مصداق بان له دوراً في القدس. مثلا السيطرة الإدارية في قسم من الأحياء العربية. قلت ان القدس موضوع حساس وأريد أن أتشاور مع رجالي. اوقفت كل المباحثات، اجتمعنا بعد الظهر وبحثنا لخمس ساعات في موضوع القدس».

مثل بن غوريون
«اجتمعنا عشرة أعضاء في احدى المداولات الاهم في تاريخنا. كان لي إحساس بأننا نوجد في وضع يشبه بشيء ما الوضع الذي كان يوجد فيه دافيد بن غوريون ورفاقه حين بحثوا اذا كانوا سيقبلون مشروع تقسيم الأمم المتحدة. استمرت المداولات خمس ساعات وتحدث فيها الجميع: إسرائيل حسون، عوديد عيران، دان مريدور، أمنون ليبكين، داني ياتوم، إلياكيم روبنشتاين، يوسي غينوسار، شلومو يناي، شلومو بن عامي وجلعاد شير. كانت بالطبع فوارق في المواقف وتنوعات فيها الى جانب قاسم مشترك من الاعتراف بأنه توجد لنا مصالح حيوية، قومية، تاريخية ورمزية في القدس وفي الحرم. مصالح تنزل الى جذور تجربتنا وهويتنا كافراد وكشعب. لا ينبغي التنازل عن ان تبقى القدس في أيدينا موحدة. ولكننا يمكن أن ننقل الى سيادة الفلسطينيين معظم أو كل الـ 28 بلدة وقرية ضمت الى القدس بعد حرب الايام الستة، لانها ليست حقاً جزءاً من القدس.
«في اثناء المداولات ذهبت الى كلينتون وبلغته بأننا نستوضح مواقفنا بشأن القدس وسننهي بعد بضع ساعات. فقال: «اذا وجدنا قاسماً مشتركاً مع عرفات في موضوع القدس، سيكون اختراق لإنهاء النزاع، وعندها ستحققون لإسرائيل ما لم ينجح رابين وبن غوريون في تحقيقه: اعتراف دولي واسع بالقدس التي ستكون عاصمة إسرائيل». شرحت له باننا لسنا بعد هناك وكل اتفاق اذا توصلنا اليه هنا: مع التشديد على كل ما يتعلق بالقدس، سيحتاج الى تلقي اقرار الكنيست واستفتاء الشعب. حسب الخطة الاصلية، كان يفترض بالمؤتمر أن يستمر ليوم واحد آخر فقط، لأنه في 18 تموز كان يفترض بكلينتون أن يسافر الى اوكيناوا. اذا بدأنا بالبحث مع الفلسطينيين حول القدس لن نتمكن من انهائه بـ 24 ساعة، والفلسطينيون كعادتهم سيفسرون ما قيل كخط بداية للبحث التالي. أبديت ملاحظة بأنه توجد مخاطرة بان الأمور التي ستطرح في البحث ستصل بشكل مشوه الى علم الجمهور، قبل ان نعرف اذا كانت توافقات، وسيثور في إسرائيل خوف من أننا نبيع مصالح قومية. طلبت أن يؤجل السفر بيوم واحد فوعد بأن يفحص الأمر.
«عدت الى رجالي. بحثنا عن القدس انتهى في العاشرة ليلاً. بلغت كلينتون بنتائجه. فطلب قائمة اقتراحاته ليعرضها على عرفات كي يفحص اذا كان مستعداً للتحرك الى الأمام. طلبت من بن عامي ان يعد أسئلة لعرفات وأجرينا عليها بحثاً داخلياً. هذان هما السؤالان الأساسيان اللذان نقلناهما الى كلينتون: هل عرفات مستعد أن تكون إسرائيل صاحبة السيادة في كل البلدة القديمة وتكون سيطرة فلسطينية في الـ 28 قرية وبلدة خارجية ضمت الى القدس بعد الايام الستة؟ دان مريدور والياكيم روبنشتاين، اللذان يتبنيان المواقف اليمينية في الوفد، تحفظا».
كلينتون غاضب (1)
«في الواحدة قبل الفجر، 17 تموز، ذهبت الى كوخ كلينتون بصحبة داني ياتوم وشلومو بن عامي. كان معه مادلين اولبرايت وساندي بيرغر. عندها وقع الصدام الحاد الوحيد بين كلينتون وبيني. فقد غضب من أنه استغرقنا 12 ساعة كي نرد على أسئلته في موضوع القدس وكذا على أنه انتظر اقتراحات رسمية فتلقى أسئلة. شرحت له بأن اقتراحاتنا منضوية في الاسئلة. فتفجر كلينتون غضباً، فهذا لم يكن ما يتوقعه. بدا له انني تراجعت عن امور عرضها بن عامي وشير في البحث الليلي الذي بادر اليه. قلت له انهما خرجا عن الامور التي خولتهما بها. غضب جداً من أننا نريد أن نحتفظ بـ 11 في المئة من المنطقة بينما حصل هو على وعد من بن عامي وغيلي بأننا سنريد فقط 10 في المئة. وقال: «أعطيتني ولعرفات عشر ساعات لننتظر، وهذا ما جئت به؟!». كان وجهه أحمر وقال: «أنا لن اذهب الى عرفات». قلت له: «انظر هذه ليست مجرد مفاوضات. الموضوع الذي نعنى به الآن هو اللباب. تنطوي فيه أمن وهوية إسرائيل. عندنا توجد كل الذخائر الإقليمية. نحن على وعي بأن الاتفاق لن يتحقق في منتصف الطريق. نحن سنكون مطالبين بإعطاء اكثر. ولكن لن يكون اتفاق اذا لم يكن من الطرف الآخر تحرك في اي موضوع. لا أتوقع أن يقبل عرفات كل شيء، ولكني اتوقع اقتراحه المضاد. لم نسمع اقتراحاً مضاداً. لن أفكر بالتحرك اذا لم أرَ تحركاً من عرفات». افترقنا بشكل محترم وبلغني بأنه أجل سفره الى اليابان بيوم».

عندها تفجر المؤتمر؟
«يتبين أن لا. اتصل كلينتون بي في الساعة الثالثة والنصف قبل الفجر وطلب أن اعود اليه. قال: «انظر، اريد أن اقترح ان يبلور رجالنا، دنيس روس ويونتان شفارتس ورقة جسر بينكم وبين الفلسطينيين حسب ما سُمع في محادثات بن عامي وشير. أجبت انني مستعد لأن اوافق على هذه الخطوة بشرطين: الأول أن يكون هذا اقتراحاً أميركياً وليس اقتراحي. أمر آخر، ان تقترح فقط ما تعرف باننا مستعدون لان نعطيه. اذا أبدى عرفات مرونة وطلب أموراً اخرى، ترد بأنك مستعد لان تحاول إقناعي. واذا لم يبدِ عرفات بوادر تحرك، فلا يكون ما يدعوك لأن تفعل ذلك.
«أعد الأميركيون اقتراحاً كهذا، أبعد بكثير مما طلبت. تحدثوا عن سيادة فلسطينية ليس فقط في البلدات والقرى الخارجية بل وأيضا في الحي الإسلامي في البلدة القديمة ويكون عرفات وصياً للسيادة في الحرم. عرفات لم يرد. كلينتون اتصل هاتفياً وقال: «كنت عند عرفات. أعطيته اقتراحاً أكثر سخاء مما اقترحته لنا. هذا اقتراح أميركي، وبالتالي سمحت لنفسي. هو لم يرد». عندها طرح كلينتون اقتراحاً لترك موضوع القدس، لحل كل ما تبقى والإعلان عن انهاء المؤتمر. أجبت ان لا معنى للانهاء بدون القدس. لأنه في موضوع القدس يدور الحديث عن كل العالم الإسلامي وليس فقط عن عرفات. قلت له «اذا قبلنا باقتراحك واعطينا كل الأمور الاخرى، لن نحصل على شيء ولن يكون اتفاق. لان موضوع القدس الذي تأجل لا يسمح بإنهاء النزاع وانتهاء المطالب المتبادلة».
«في 18 تموز ليلاً جاء كلينتون الى كوخي. سأل ما الذي يمكن عمله. قلت: «الأمر الوحيد الذي يمكن عمله هو وديعة وهو في جيبك، ولكننا لسنا مستعدين لأن يحصل ما حصل مع السوريين ومع كريستوفر». قلت له ما هو خطنا الأحمر في موضوع القدس. «قل له انه اذا استجاب لمطالبك فانك تأخذ على عاتقك إقناع باراك بقبول مطالبه». شعرت ان ثقة كلينتون الذاتية تهتز. توجد دقيقة فيها يبدأ بالترنح. فالرئيس الأميركي لا يمكنه أن يهان اذا تبين بعد ذلك بأنني لست لديه.
«وكانت تفاصيل الوديعة هي التالية: يحصل الفلسطينيون على 91 في المئة من المنطقة. يكون تبادل للأراضي ولكن ليس بنسبة 1 الى 1. نحن نريد ان نسيطر على كل نهر الأردن، ولكن اذا كانت الترتيبات الامنية تنجح بعد فترة طويلة من 15 سنة، سننقل لهم السيطرة في قسم من نهر الاردن. سننقل الى سيادتهم جزءا من الأحياء العربية في شرقي القدس وكل البلدات والقرى الخارجية. سنحاول إعطاءهم حياً او اثنين من الأحياء الداخلية. ليس فقط إدارة إدارية بل سيادة. الأماكن المقدسة تكون بسيادتنا، ولكن لجنة ادارة المواقع الإسلامية في «الحوض المقدس» ستضمهم هم ايضاً الى جانب الاردن، السعودية والمغرب. «اذا جئت أنت، كلينتون، مع ردود إيجابية واذا وافقوا، سنعطيهم دورا في الحي الإسلامي». كلينتون كان راضياً. قال هذا أكثر مما توقعته. في الغداة سافر الى اوكيناوا. لاربعة ايام».

كلينتون غاضب (2)
«تركني كلينتون في وقت متأخر من الليل قبل ان ينطلق الى سفره. دعا عرفات الى كوخه، عرض عليه الوديعة وطلب منه رداً على الفور. طرح عرفات الادعاء بان الهيكل لم يكن هناك بل في السامرة. وعندها غضب كلينتون وقال: «هنا هذا ليس باراك، وأنا أتحدث ليس كرئيس الولايات المتحدة بل كإنسان مؤمن. في طفولتي سمعت القس سلومون، الذي علمني التاريخ، وأنا، بيل كلينتون، أقول لك انه كان هيكل يهودي هناك»، وأضاف بأنه على ما يبدو جعل المسلمون الحرم مكاناً مقدساً بالضبط لهذا السبب. كان للمكان هالة المكان المقدس. وقد اغتاظ بشكل شخصي ومرة اخرى طلب جواباً. عرفات قال انه لا يمكنه أن يقرر وحده. وهو ملزم بان يتشاور مع رجاله. ذهب الى رجاله، وبعد ساعة جاء رجاله الى دنيس روس، واعطوه جواب لا. عرفات طلب وقف المؤتمر لاسبوعين كي يتشاور مع زعماء الدول العربية».

كيف عرفتم في الوقت الحقيقي ما يريده عرفات؟
«عرفنا من الأميركيين وقليلاً بشكل غير مباشر من استخباراتنا. كل الوقت كنا على اتصال دائم مع مبارك وعبدالله، وانا اطلعتهما. كلينتون اطلع السعوديين، دول الخليج، المغرب وما شابه. لم يوافق على التوقف. اتصل بي وسأل رأيي وأنا أيضا عارضت. فهمت انه لم ينجح في ثني الزعماء العرب. لي قال مبارك وعبدالله انهما سيساندان ما يقرره الفلسطينيون ولكنهما لن يفرضا عليهم شيئاً. قالا: «ليس لنا تأثير حقيقي عليهم. لا نريد ان نهان بأن لا يستمعوا الينا».
«أجاب عرفات كلينتون بأنهم لا يمكنهم ان يقرروا. فنزل كلينتون على عرفات بغضب وقال: «هذا خطأ جسيم من جانبكم مثلما في الـ 48. كان يمكنكم ان تحصلوا على دولة في الـ 78، حين عقد السادات اتفاقاً مع بيغن وعندها ايضا عاندتم. لم يكن في حينه سوى 50 الف مستوطن، الآن 200 الف».
«كلينتون دعاني انا ايضاً وقال: «انظر، قد تكون أنت أذكى مني واكثر تجربة في ميادين القتال والعمليات الخاصة، ولكني اكثر تجربة منك في السياسة. محظور عليك أن تعلق في موقف لا تكون فيه إمكانية اخرى». أجبت: «لم يكن رئيس وزراء إسرائيلي مستعداً لأن يسير هذا القدر من البعد كي يفحص إمكانية الاتفاق ولست واثقاً انه سيكون في المستقبل. ولكن لا تتشوش، انا لن أعقد اتفاقاً بكل ثمن. أنا مستعد لان اتخذ قرارات صعبة. ولكن توجد امور لن افعلها، لأنها تتعارض مع المصالح الحيوية لإسرائيل. لن يحملني اي اعتبار تكتيكي لأن افعل شيئاً سيئاً». في هذه الظروف لم يتبقَ لنا ما نفعله، وقررت اننا سنعود الى الديار. أمرت داني ياتوم وغيلي شير بإعداد الطائرة وتبليغ أعضاء الوفد هنا وفي البلدة المجاورة بالاستعداد. كنا بحاجة الى بضع ساعات لتنظيم انفسنا.

اقتراح آخر
«في ظل استعدادنا للرحيل جاء حسن عصفور الى دنيس روس مع اقتراح للبحث في كل المواضيع، ولكن أن نقرر بأن تبحث القدس في مفاوضات دولية. كان في هذا تحسن ما. ولكن هذا لا يزال يبدو لي خطيراً جداً. لذات السبب: نحن في البحث في المواضيع الجوهرية الأخرى – الحدود، الأمن، اللاجئين – سنكشف مواقف دون أن نحصل على مقابل. وفي المحفل الدولي عن القدس سنجد انفسنا منعزلين. ولكني تخوفت ايضا من اننا اذا رفضنا سنُعتبر مسؤولين، حتى في نظر الأميركيين عن إلغاء المؤتمر. أجبت اننا مستعدون لفحص هذا الإمكانية فقط اذا ما وافق عرفات على الوديعة التي أبقيناها لدى كلينتون كأساس للبحث. اتفقنا على أن كلينتون سافر الى اليابان وسنواصل بعد أن يعود.
«ألغينا خطة السفر الى البلاد. قبل أن يتحرك الى المطار التقاني كلينتون وطلب أن نواصل المباحثات برئاسة وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت. قلت انه لا معنى لذلك. «أنا اقدر واحترم اولبرايت. ولكن اذا كان حضورك كرئيس القوة العظمى الاقوى في العالم لم يحرك الطرف الآخر حتى ولا ميلمتراً، فماذا سيكون مع أولبرايت؟». فوافق. قلت إننا لن نقاطعهم، ولكننا لن نجري اي بحث.
«بعد ست ساعات من سفره جاء بيرغر ودنيس بتكليف من مادلين وقالا إنه ينبغي مواصلة المباحثات. قالوا ان كلينتون اتفق معي انه يمكن ان نواصل. فقلت: «ليس فقط لم نتفق بل اتفقنا على أننا لن نواصل». كانت هذه بضعة ايام غريبة. لم أذهب الى الوجبات المشتركة لأنه كان سيطرح على اي حال السؤال «اذاً لماذا لا نواصل المباحثات؟». بقيت في كوخي. عملت مع داني ياتوم وغيلي شير. كان لي طاقم شخصي – رجل مخابرات وسكرتيرة. قضيت الايام بالقراءة والرياضة. قرأت ضمن امور اخرى كتاباً مشوقاً جداً «خمسة ايام في لندن – ايار 1940»، لجون لوكاش، يعنى بعرض السلام من موسليني لإنهاء الحرب العالمية الثانية منذ 1940. ايام مصيرية في عهد آخر.
«في مرحلة معينة حاولت اولبرايت المجيء الى كوخي. قالوا لي انها في الطريق. لم ارغب في إهانتها. قلت لياتوم ان يقول لها اني اركض الآن في مسار حول كامب ديفيد وخرجت للركض. لم ارغب في اللقاء. كان هناك من قال بعد ذلك ان باراك كان في حالة اكتئاب. لا اكتئاب ولا بطيخ. ببساطة ما كان يمكن عمل شيء».

كيف انتهى المؤتمر؟
«بعد أربعة ايام عاد كلينتون الى كامب ديفيد. التقى عرفات والتقاني كلاً على حدة. انضمت إليه مادلين، دنيس وساندي بيرغر. طلب الا نغلق كل شيء. حاول التقدم مع عرفات في الوديعة ومرة أخرى تلقى جواباً سلبياً. فقد عاد عرفات وادعى على مسمعه بان الهيكل لم يكن في القدس، أضاف بأنه كان لعمته بيت وقطعة ارض في حي المغاربة، والتي هي الساحة أمام الحائط الغربي. وهكذا كطفل رأى هناك يهوداً يصلون. لم تكن له في اي مرة مشكلة مع هذا. قال انه يعترف باليهود بأن لهم مكاناً مقدساً، ولكن لعمتي يوجد مُلك في ساحة المبكى. الدرس في هذه القصة هو أنه يعترف بأنه يوجد دين لليهود ولكن لا يعترف بدولة إسرائيل ولا بسيادتها. في الغداة انتهى المؤتمر بتصريح غامض بأنه سيكون له تواصل».

ما هي خلاصتك؟
«مرات عديدة في السنوات اللاحقة طرحت ادعاءات وكأنه كانت في كامب ديفيد محاولة مني او من كلينتون، لإخضاع عرفات لإملاء إسرائيلي. ليس لهذا أساس. ولا في اي مرحلة كانت، لم نحاول الإملاء. وضعنا على الطاولة اقتراحات بعيدة الأثر تضمنت 90 في المئة من كل ما كان عرفات يمكن أن يتصوره. وقلنا له «يمكنك أن تتحفظ على هذا البند أو ذاك، بل وعلى معظم البنود، ولكننا نتوقع أن تقبل الاقتراح كاساس للبحث. أو ان تقترح اقتراحاً مضاداً فيه خطوات باتجاه الحل الوسط». كان قرار عرفات رفض الاقتراحات بعيدة الاثر هذه والتوجه عن وعي الى الارهاب – هو الذي يلقي عليه بالمسؤولية عن النتائج. «كل ما تبقى هو هذر»، كما عاد كلينتون وقال لي غير مرة في السنوات القادمة.
«مؤتمر صحافي قصير بلا فرح أنهى المؤتمر. وقرب الطائرة، قبل الإقلاع الى إسرائيل، أمسك بي امنون ليبكين ويوسي غينوسار وقالا لي: «نحن أكثر مما نحن خائبو الأمل منك من النتيجة، ولكننا أبداً لن نقول إنك لم تفعل كل ما كان ممكناً كي يكون اختراق». لقد استغرق غينوسار ستة أسابيع كي يطلق بالضبط هذا النقد.
«بعد بضع سنوات من ذلك التقيت في أوروبا أحد المسؤولين الفلسطينيين الذين شاركوا في كامب ديفيد. في أثناء حديثنا عن المؤتمر قال لي المسؤول الفلسطيني: «كنا نحتاج هناك الى بن غوريون، كان لنا عرفات». وهو بالطبع لم يقصد بن غوريون الصهيوني بل زعيم تشرين الثاني 1947 الذي بوعي وشجاعة نادرين قبل قرار التقسيم كي يقيم دولة على ما كان ممكناً تحقيقه في تلك اللحظة. في أعقاب كامب ديفيد قلت غير مرة: «حتى لو استغرق هذا 5، 15 او 50 سنة، حين يحين الوقت لعمل اتفاق بيننا وبين الفلسطينيين، ستكون حاجة الى زجاجة تكبير لإيجاد الفروقات بين ما سيتفق عليه وبين ما وُضع على الطاولة في كامب ديفيد 2000.

«طابا يوك»
بعد مؤتمر كامب ديفيد صرحت انه طالما بقي عرفات زعيم الفلسطينيين لن يكون ممكناً التوصل معهم الى اتفاق سلام وانه «لا يوجد شريك». فلماذا بعد نصف سنة في 21 كانون الثاني، حين كنت في حملة انتخابات مقابل اريك شارون، ذهبت الى مؤتمر طابا معهم؟
«في طابا لم يكن اي مؤتمر. جرت هناك محادثات بدون عرفات وبدوني. بعد كامب ديفيد، يوسي بيلين، يوسي سريد وآخرون أرادوا جداً ان يشاركوا في المؤتمر في تموز، جاؤوا الي بادعاء انهم ملزمون بأن يفهموا لماذا لم ننجح في كامب ديفيد. وانه ربما لو كانوا مشاركين، لكانت النتائج ايجابية. لم أرَ سبباً لأبقيهم في الضباب. اشترطت شفوياً وكذا خطياً مع عرفات ومع كلينتون باننا لا نستأنف المفاوضات، لن يكون اجتماع كامل ولن تكون مَحاضر، ولن تكون مجموعات عمل. سيكون حوار حر في فندق في طابا بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين فلسطينيين».

كانت اقوال أنك في طابا كنت مستعداً لأن تعطي الفلسطينيين 100 في المئة من المناطق؟
«هذه اسطورة مدينية. لم أكن هناك وعلى اي حال لم أُعطِ شيئاً بل وعارضت ان يلتزم أحد ما آخر بأي شيء باسمي او باسم إسرائيل».

هل كنت ما بعد مرحلة كامب ديفيد اقترحت إعطاءهم أكثر؟
«الاقتراح جاء من كلينتون: 92 – 94 في المئة، ولكن هذا موقفه وليس موقفنا الرسمي. في طابا لم يبحث في نسب مئوية من جهتي، وبالطبع ما كان يمكنهم أن «يتفقوا» على اي شيء باسمنا غير الإعراب عن آرائهم الشخصية. من كانوا هناك، بعضهم قال لاحقاً انه لو سمح لهم بالمواصلة لكانوا حلوا الأمر. ولكن لا شيء يحل اذا لم تكن مفاوضات. للمفاوضات يوجد شكل ومضمون. انا وافقت على أن يلتقي أناس منا ومنهم ليتحدثوا فيما بينهم».

إذاً ليس للقاء طابا أي معنى؟
«لا يوجد اي معنى سياسي. يوجد معنى انساني. اناس كانوا هناك ارادوا ان يعطوا هذا معنى أكبر. اناس خرجوا محبطين من المسيرة وأرادوا خلق احساس بأنه يجب أن يكون استمرار، فضلوا ان يروا هذا وكأنه استمرار. قلت لغيلي شير لا تكف ابداً عن تذكيرهم بأنه لا توجد مفاوضات ولا يوجد تخويل لطواقمنا لأي «موافقة» باسمي او باسم إسرائيل. بيلين سجل لنفسه امورا وآخر سجل شيئا ما. هذا طبيعي ومقبول. ولكن لم تكن مفاوضات. عندما عاد يوسي سريد من هناك، وكان لا يزال مليئاً بالشكوى من أننا لم نأخذه معنا الى كامب ديفيد قال لي «ولكن في نقطة واحدة كنت محقاً. الفلسطينيون لا يريدون فقط رام الله وكدوميم، يريدون الشيخ مؤنس». قرب سديه دوف، على مسافة كيلو متر واحد غرب الشيخ مؤنس، كان يسكن سريد. على الشيخ مؤنس الأصلية تقوم جامعة تل أبيب».

عن «معاريف»