صفقة الأسرى.. مقابل صفقة الضم!

حجم الخط

بقلم منصور أبو كريم

 

 منذ أشهر قليلة أرتفع سقف الحديث عن قرب التوصل لصفقة أسرى جديدة بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس برعاية أطراف دولية وإقليمية نشطت في السابق في التوسط لصفقات مشابهة، وبدأ الحديث عن الصفقة وأعداد الأسرى التي يمكن أن يتم الإفراج عنها، ومبادرات حسن النوايا، رغم أن حكومة الاحتلال كانت ترفض منذ نهاية حرب العام 2014 فتح هذا الملف نهائيًا رغم كل محاولات حركة حماس اثارة هذا الملف وسائل الإعلام للضغط على إسرائيل للدخول في صفقة أسرى جديدة.

خلال السنوات الماضية حاولت حركة حماس توظيف ورقة الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها لتحقيق نصر معنوي على حكومة نتنياهو، لكن الوضع الداخلي في إسرائيل، وهشاشة الوضع الحكومي وعدم رغبة نتنياهو إعطاء حماس هذا النصر المعنوي مرة أخرى حال دون ذلك، نهيك عن عدم تأكد الحكومة الإسرائيلية وأجهزة امنها من مصير جنودها في غزة، سواء كانوا أحياء أم رفات.
لكن خلال الشهور والأسابيع القليلة الماضية تصدرت المشهد الأخبار عن زيارات الوسطاء الدوليين والإقليمين للمنطقة، وجرى الحديث عن لقاءات تعقد داخل السجون وخارجها تؤكد قرب التوصل لصفقة أسرى جديدة بين الطرفين، ما جعل البعض يتحدث عن الأمر وكأنه أصبح حقيقة دامغة.

التساؤلات الجوهرية هنا: لماذا غيرت إسرائيل قرارها وقبلت فتح ملف جنودها في غزة؟ وما هي أهداف ودوافع نتنياهو تحديدًا والحكومة الإسرائيلية القادمة في عقد صفقة أسرى جديدة، أو على الأقل طرح موضوع الصفقة على الساحة السياسية والإعلامية، وعقد لقاءات داخل الكابنيت الإسرائيلية، للدلالة على جدية الأمر من قبل إسرائيل.

من وجهة نظرنا الحديث المتكرر عن قرب التوصل لصفقة تبادل أسرى جديدة بين حركة حماس وإسرائيل برعاية دولية وإقليمية يهدف للتغطية على ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية. كون أنّ الحديث عن الصفقة يترافق مع استعداد إسرائيل لتنفيذ ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبرى، كما تم الاتفاق عليه في الائتلاف الحكومي وبرعاية أمريكية بعد أن شكلت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لجنة لرسم الخرائط عقب إعلان ترامب الشق السياسي من ما يعرف بـ(صفقة القرن). فالتلويح بورقة الصفقة الآن تحديدًا يهدف إلى بقاء جبهة غزة باردة (جبهة غزة في الثلاجة من أكثر من 6 أشهر) مع استمرار التسهيلات والتعاون الطبي ونقل الأموال. كل ذلك يهدف إلى إخراج غزة من معادلة الصراع والاستفراد بالضفة الغربية وتمرير الضم بدون أي أزمات.

تعلم إسرائيل أن خطوة الضم قد ينتج عنها تداعيات داخلية فلسطينية وعربية ودولية، وتعلم أيضًا أن أيام ترامب في البيت الأبيض أصبحت محدودة، بعد فشل إدارته في إدارة أزمة جائحة كورونا على المستوى الداخلي والخارجي، لذلك تريد من تعظيم الاستفادة من الشهور المتبقية من وجوده في البيت الأبيض لتمرير الضم بهدوء على المستوى الدولي، مستغلة انشغال العالم بأزمة جائحة كورونا.

كما تعلم إسرائيل أن الوضع الداخلي الفلسطيني ليس في أحسن حالاته، كون الانقسام الفلسطيني أرهق الطرفين، فالسلطة تكافح ضد الفيروس في الضفة، في ظل تحديات الوضع الإنساني والاقتصادي بعد التراجع الكبير في حجم الضرائب والجمارك بسبب أزمة كورونا، مما أضطر السلطة للحصول على قروض من البنوك المحلية، كما أن وضع حركة حماس في غزة ليس أفضل حالًا من الضفة، فالحركة وقعت في فخ حكم القطاع بدون مقومات، مع إنهيار الوضع الإنساني، بعد أن وصلت معدلات البطالة والفقر لمستويات مرتفعة جدًا، فحسب وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة هناك أكثر من 75% من مجموعة سكان القطاع تحت خط الفقر، نهيك عن معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب التي وصلت 64%.

الوضع الداخلي الفلسطيني يمثل دافع لدى الحكومة الإسرائيلية للاستمرار في سياسة تثبيت الحقائق على الأرض، عبر سياسة الضم والتوسع، فالانقسام اليوم يوظف بشكل بارع في تعزيز المشروع الاستيطاني في الضفة والقدس، بعد ما نجحت خطة شارون للانسحاب التكتيكي من غزة صيف عام 2005، بعد بلعت غزة وفصائلها الطعم ووقعت فرسة سهلة لشهوة الحكم.

بشكل عام كلما اقترب موعد تنفيذ الضم سوف ترتفع أكثر فرص التوصل لصفقة لضمان تمرير الضم بهدوء على جبهة غزة، خاصة أن جبهة غزة شكل صداع مزمن للجيش الإسرائيلي ومستوطنين غلاف غزة خلال العامين الماضيين، والاستعداد جيدًا لأي أحداث شعبية في الضفة الغربية، والاستفادة من استمرار جائحة كورونا والانشغال الفلسطيني والعربي الدولي بالأزمة.

العقلية الإسرائيلية لا تفعل شيء بالصدفة ولا تفعل شيء بشكل مجاني، وإنما كل شيء ضمن الاستراتيجية والتخطيط ونظرية (العصا والجوية)، وما يحدث هو جزء من عملية الاحتواء والترويض، بهدف تعزيز الانقسام، وترويض فصائل المقاومة في غزة عبر سياسة المساعدات. تحت نظرية (الهدوء مقابل الغذاء).
نتنياهو الذي كان يرفض فتح ملف تبادل الأسرى، لعدم اعطاء حركة حماس أي نصر معنوي كما حدث في تجربة صفقة وفاء الأحرار؛ مستعد اليوم أن يعقد صفقة جديدة، وبأي ثمن من أجل تمرير الضم بهدوء على جبهة غزة، كونه يعلم صعوبة وضع السلطة في الضفة الغربية، وهشاشة الوضع العربي والضوء الأخضر الأمريكي. لكن هذا لا يعني أن الصفقة ممكن أن تحدث بل يكفي فقط الحديث عنها لسنوات!