خطة الضم تهديد استراتيجي لمستقبل إسرائيل

حجم الخط

بقلم: فريق المعهد



تتميز الحدود الشرقية لإسرائيل باستقرار عظيم، بالهدوء، وبمستوى متدنٍ جداً من "الإرهاب"، بخلاف الماضي الذي تصدينا فيه لعشرات السنين لجبهة شرقية معادية. ويعتمد الاستقرار على ثلاثة أقانيم: قدرة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، استقرار المملكة الهاشمية، والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
تنفيذ خطة الضم، من شأنه أن يتسبب بهزة عميقة في علاقاتنا الاستراتيجية مع الأردن والسلطة الفلسطينية، لماذا؟ في نظر النظام الهاشمي، فان الضم هو كلمة مرادفة لفكرة الوطن الفلسطيني البديل، أي خراب المملكة الهاشمية لصالح دولة فلسطينية. في نظر الأردن فان خطوة كهذه هي خرق جوهري لاتفاق السلام بين الدولتين. في هذه الظروف، من شأن الأردن أن يمس باتفاق السلام. الى جانب ذلك، قد ينشأ تهديد استراتيجي على استقراره الداخلي، بسبب الاضطراب المحتمل للفلسطينيين بالتداخل في ظل الأزمة الاقتصادية العسيرة التي يعيشها الأردن.


التفكك التدريجي
للسلطة الفلسطينية
ستجد السلطة الفلسطينية، بغياب أفق سياسي، نفسها في طريق مسدود. فالضم من شأنه أن يقضي على حل الدولتين، الفكرة التي بدونها لا يكون للسلطة حق في الوجود. عمليا سترفض السلطة التحول الى أداة لسيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين. بغياب أفق سياسي تتقلص قاعدة الشرعية، وفي ظل ضائقة اقتصادية وانعدام يقين عضال تتفاقم دراماتيكيا في عصر الكورونا، ستأخذ السلطة في الغرق.
ان نجاعة التنسيق الأمني مع إسرائيل ستتدهور وتضعف، ومن سيحل محل السلطة؟ الجيش الإسرائيلي الذي سيضطر الى توظيف قوات عديدة في التصدي للاضطرابات واعمال الإخلال بالنظام وصيانة المنظومة الفلسطينية؟! اذا اختفت السلطة الفلسطينية، سيكون عبء الاحتلال العسكري المباشر هائلا بأبعاده العسكرية، الاقتصادية، والسياسية. وبالمقابل ستتعزز قوة ومكانة "حماس"، ايران، وأمثالهم ممن رفضوا على مدى السنين المسيرة السياسية، وادعوا بأن البديل الوحيد لمواجهة إسرائيل هو طريق العنف و"الإرهاب".
يعد هذا تهديداً استراتيجياً جسيماً ومتعدد الأبعاد على إسرائيل. وذلك لأن تكليف الجيش الإسرائيلي بالمهمة سيأتي بالضرورة على حساب قدرات التصدي للتهديدات الاستراتيجية من جانب إيران وحلفائها. سيكون لذلك تأثير سيئ على أهلية الجيش الإسرائيلي للحرب. كما من المتوقع أن يحدث مس خطير بالمساعدة الدولية التي قد تهزل لدرجة التوقف.
ينبغي التشديد بأن الوقت الحالي حساس بشكل خاص في الساحة الفلسطينية، وذلك على خلفية المس بالمستوى الاقتصادي في الضفة بسبب أزمة كورونا، العنصر الذي كان حتى الان كابحا مركزيا لنشوب موجة عنف واسعة النطاق في المنطقة. أما العمل على خطوة الضم، حتى وان كانت رمزية وجزئية، فمن شأنها أن تشكل "محفزا" يجرف الجمهور الفلسطيني على نطاق أوسع مما في الماضي نحو كفاح عنيف، ويخلق تراصا للصفوف بين الحكم والمجتمع ليس قائماً في هذه اللحظة.
إن تفكك السلطة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية سيؤديان الى تعظيم فكرة الدولة الواحدة، التي منذ اليوم تنال تأييداً متصاعداً في الساحة الفلسطينية. معظم الجمهور الفلسطيني، الذي يسعى الى الامتناع عن المس الخطير في جودة حياته، سيفضل المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية، ضمن أمور أخرى، بسبب التوقع بنضوج السياقات الديمغرافية في العقود القادمة، والتي ستقلص الأغلبية اليهودية بين النهر والبحر.

خطة الضم واستقرار
 السلام الإقليمي
في أساس خطة الضم يوجد تقدير يقضي بانه يمكن توسيع السلام حتى في ظروف الضم. هذا وهم!! زعماء الدول العربية، وعلى رأسها مصر، لن يهجروا الفلسطينيين؛ أولاً وقبل كل شيء لاعتبارات التهديد على استقرارهم الداخلي، ولا سيما، الآن، على خلفية أزمة كورونا وضعف مكانة الولايات المتحدة، رغم لقاء المصالح بينهم وبين إسرائيل. في هذه الظروف من المتوقع أن تعود الى الصدارة الجامعة العربية التي ستضع سقفاً زجاجياً، لتوسيع السلام مع إسرائيل.
نشدد مرة أخرى على انه يوجد خطر على تقويض اتفاقات السلام مع مصر والأردن. وفضلا عن ذلك، من شأن الخطوة ان تشوش توثيق العلاقات مع دول الخليج، والتي في ضوء الأزمة الاقتصادية الناشئة في ظل كورونا (ولا سيما في أعقاب الهبوط الحاد في أسعار النفط)، ستبدي حساسية عالية اكثر من الماضي تجاه الاضطرابات الداخلية، وستخشى من خطوات من شأنها أن تحدث اهتزازات للاستقرار الداخلي، وعلى رأس ذلك تطوير العلاقات مع إسرائيل.

المكانة الدولية لإسرائيل
من شأن مكانة إسرائيل الدولية أن تقف في الظل الآخذ في الاستطالة لخطوة الضم. فقد تتضرر مكانة وصورة إسرائيل كدولة ديمقراطية وحيدة في الشرق الأوسط، في الاتحاد الأوروبي، وفي الدول الأوروبية الرائدة.
في المدى الأبعد، فان مطالبة الجمهور الفلسطيني بالمساواة في الحقوق المدنية ستلقى صدى قوياً حتى في الولايات المتحدة، التي يبنى عنصر تكونها الاولي على مبدأ "شخص واحد صوت واحد". في هذه الظروف، وبالتأكيد في سيناريو تبادل الحكم في الولايات المتحدة، سيتعمق المس بمكانة إسرائيل كإجماع للحزبين في الولايات المتحدة.
في الساحة الدولية من المتوقع تصاعد في أعمال الـ BDS وسيتضاعف اكثر فأكثر ميل محكمة الجنايات الدولية للبحث في أعمال إسرائيل في "المناطق"، وذلك بشكل من شأنه أن يعرض جنود الجيش والمواطنين الى أوامر اعتقال وإجراءات قضائية خارج البلاد.
على أي حال، لا ينبغي الاعتماد على الفرضية التي تقول ان ازمة كورونا تؤدي الى التركيز المطلق من جانب الاسرة الدولية، ولا سيما الغرب، على المشاكل الداخلية، ولن تميل الى الانشغال بالخطوات التي تعمل عليها إسرائيل في الساحة الفلسطينية. فمعظم الدول الغربية بدأت، الآن، في عملية الخروج من أزمة كورونا، حيث ستترافق بالتدريج أيضا مع زيادة التدخل في المستوى الإسرائيلي – الفلسطيني وتخوفاً من أن تؤثر الخطوات من طرف واحد على الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

الساحة الداخلية في إسرائيل
خطوة ضم جزئي- فما بالك كامل؟!- ستكون ذات تأثير حاد على الساحة السياسية والعامة في إسرائيل، التي تعيش منذ الآن في وضع حساس للغاية على خلفية التوتر السياسي المتواصل وآثار أزمة كورونا.
كما يمكن للخطوة أن يكون لها تأثير أيضا على المجتمع العربي في إسرائيل، الذي يوجد في أدنى مستويات التوقعات في ضوء تشكيل حكومة الوحدة التي تمنع الامل الذي نشأ حول التأثير والاندماج الواسع للجمهور العربي اكثر مما في الماضي في عملية اتخاذ القرارات السياسية في الدولة. على هذه الخلفية، التي تضاف الى التوتر الاقتصادي والاجتماعي المتعاظم برعاية أزمة الكورونا، من شأنها أن تطور ردود فعل حادة من جانب الجمهور العربي بما في ذلك انفجارات عنيفة.

توصيات للسياسة
على إسرائيل أن تقرر بان ضماً من طرف واحد هو تهديد استراتيجي على مستقبلها، أمنها، وطبيعتها كدولة يهودية وديمقراطية في الشرق الاوسط. واستتباعاً لذلك فان إسرائيل ملزمة بأن تتبنى سياسة حديثة تبتعد عن تنفيذ خطة الضم. فما بالك في ذروة ازمة كورونا غير المسبوقة التي تهدد اقتصادها، امنها، وحصانتها الوطنية؟!
من الحيوي للغاية الفحص في دراسة شاملة لآثار تنفيذ خطة ضم كأساس لكل قرار في الموضوع. لا يعقل الا تطرح كل المواقف ذات الصلة بالحكومة وبالكنيست.
إسرائيل ملزمة بان تبلور، فوراً، خطة مساعدة شاملة للأردن أمنية، اقتصادية، وسياسية (في ظل تجنيد مساعدة خارجية)، وذلك لغرض تعزيز الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل. من الحيوي الإيضاح للملك الأردني بأن خطة الوطن البديل، أي خراب الأردن، ليس على جدول الأعمال.
من المهم لإسرائيل أن تعزز السلطة الفلسطينية كجزء من جهودها الناجحة لهزيمة "الإرهاب"، ومنع صعود القوى "المتطرفة".
إن تنفيذ التوصيات أعلاه سيعد مدماكاً مركزياً في التصدي لإيران، والجبهة الشمالية، و"حماس" في قطاع غزة.

 عن موقع "معهد السياسة والاستراتيجية"