إزهــاق حياة جـنـدي إسرائيلي آخــر عبثــاً

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي



إنه فيلم قصير تصعب مشاهدته. جنود مسلحون يقفزون ويصرخون بنشوة كأنها دينية. يحيطون بشكل دائري زميلهم، يتحركون حوله وكأنهم في طقس ديني. «من هو المجنون؟ أنا مجنون»، يصرخون حول الجندي الذي يوجد في الوسط وأصواتهم تشخر. مغسولو ادمغة وهرمونات و»مسممون» مثلما يسمون هذا لسبب ما للتحبب في إسرائيل، رقصهم عنيف وكذلك ايضا النص الذي يرددونه.
من هو المجنون، أنا مجنون. ما بين السطور واضح، لا تجربونا، نحن مجانين، الموقف مخيف، ليس من الصعب تصور كيف تعمل هذه الجماعة. دورية غولاني، في «المناطق» المحتلة. لهذا الامر تم إعدادهم، ليس لهم سبيل آخر للعمل سوى طريق العنف وفرض الرعب، ليس هناك مثل الركض المتوحش لزيادة دافعيتهم من اجل تجنيدهم للمهمة. الجندي الذي يوجد في وسط الدائرة هو الرقيب عميت بن يغئال، المتوفى. قتل في يعبد، الثلاثاء الماضي. فلسطيني رشقه بحجر من سطح بيته تحت جنح الظلام وقتله. امتلأت وسائل الاعلام فورا بموجة مفهومة من التضامن الانساني والوطني مع العائلة الثكلى – مقابلات تمزق القلب مع الوالدين وبث مباشر للجنازة، بعد اكثر من عام لم يقتل فيه أي جندي في نشاط عسكري. المصطلحات المستخدمة مأخوذة، كما هي الحال دائما، من قاموس الدعاية: الجندي هو «مقاتل» والشاب الذي رشق الحجر عليه هو «مخرب»؛ القرية هي «معادية»، والعمل هو «قتل».
من المحظور ان نستسلم لوسائل الاعلام البائسة التي هي في خدمة الدعاية: الجندي ربما يكون مقاتلا، لكن ليس عندما يأتي في منتصف الليل كي يخطف شابا من بين أسرته. العملية هي عملية من اجل الحفاظ على الأمن، التي في حالات كثيرة تستهدف تدريب القوات واستعراض القوة اكثر من أي هدف آخر. «المخرب» هو شاب يدافع عن بيته وعن اصدقائه ويحاول بالوسائل الهزيلة أن يطرد الغازي. والحجر هو سلاح مثلما قالوا في اليمين، وبحق، لكن البندقية، الرشاش، والقنبلة التي توجد في أيدي الجنود هي سلاح أضخم.
القرية «معادية»، ولا توجد قرية غير معادية في كل ارجاء الضفة الغربية. ولا يمكن أن يكون هناك قرية كهذه باستثناء قرى العملاء سيئة الصيت. هناك قرى اكثر تصميما وهناك قرى اقل تصميما على مقاومة الاحتلال. ولكن كلها وبحق معادية. وفي النهاية هذا ليس قتلاً. اذا كان الرقيب يغئال قتل فبالتأكيد زياد فضل قيسية (15 سنة) الذي اطلقت النار عليه، أول من أمس، وقتل على أيدي الجنود في مخيم الفوار قتل ايضا. اذا كان «المخرب» الذي رشق الحجارة هو قاتل فالمقاتل الذي يطلق النار على الشباب هو قاتل أيضا.
في السنة والشهرين التي لم يقتل فيها أي جندي إسرائيلي، قتل نحو 150 فلسطينيا على أيدي الجنود؛ معظمهم لم يعرضوا للخطر حياة الجنود. في أي وقت آخر في التاريخ كان عمل رشق الحجارة، حتى في نظر الإسرائيليين، عملا بطوليا ضد الغازي، أما في «يديعوت احرونوت» فهو عملية قتل.
ولكن اللغة هي فقط وسيلة. السؤال هو لماذا كان يجب أن تحدث هذه الكارثة، لماذا أزهق جندي إسرائيلي حياته عبثا، ايضا في هذه المرة جاء الجنود لاعتقال راشقي الحجارة. في يعبد يرشقون الحجارة على الشارع المؤدي الى مستوطنة مفو دوتان التي تخنق القرية والتي هي غير قانونية مثل كل المستوطنات.
راشقو الحجارة كان يمكن اعتقالهم حتى بطرق اخرى. وعلى أي حال هذه الاعتقالات لم توقف في أي يوم رشق الحجارة، بل فقط زادته.
اقتحامات الشجاعة الليلية هذه للجيش الإسرائيلي هي اجرامية وزائدة. بن يغئال واصدقاؤه ما كان يجب أن يكونوا في يعبد، فلم يكن لهم ما يبحثون عنه هناك.
المرة الاخيرة التي كنت فيها في يعبد كانت في رمضان 2017. احدى فتيات القرية، نوف انفعات (15 سنة)، حاولت طعن جندي على حاجز مفو دوتان، فأطلق الجنود النار عليها.
هناك فيلم قصير تصعب مشاهدته أظهرهم وهم يحتفلون حولها في دائرة وهي لا تزال ملقاة على الشارع، تنزف حتى الموت، ويشتمونها: «موتي، تعذبي، يا عاهرة». ايضا في حينه هم كانوا مقاتلين وهي «مخربة»، ايضا في حينه هم بالتأكيد غنوا «من هو المجنون؟ أنا مجنون».

عن «هآرتس»