نتنياهو يسعى لـ «ضمّ رمزيّ» لا يغيّر الوضع القائم على الأرض

نوعا لنداو.png
حجم الخط

بقلم: نوعا لنداو


يكشف بند قصير، هو البند الثامن في الاتفاق الائتلافي الهامشي تماماً الذي تم التوقيع عليه، الليلة الماضية، مع حزب غيشر برئاسة اورلي ابقاسيس، كل ما يجب معرفته، الآن، عن استراتيجية الضم الحقيقية لبنيامين نتنياهو.
«يتعهد غيشر بدعم أي موقف لرئيس الحكومة منسق مع الولايات المتحدة، فيما يتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بموضوع فرض السيادة»، هذا ما كتب في الاتفاق. «في الحكومة و/ أو في الكنيست، وضمن ذلك في لجان الكنيست وفي التصويت في الكنيست وفي الحكومة بكامل هيئتهما». خلافاً لاسم الوزارة، التي لا أساس لها والتي تم تفصيلها لليفي ابقاسيس، «وزارة التعزيز والتطوير الاجتماعي»، البند الثامن مهم لنتنياهو بدرجة أكبر، لا يوجد اختيار عشوائي للكلمات. كل حرف هناك مصوغ جيداً من قبل المشعوذين السياسيين.
الهدف هو ضبابية زائدة بخصوص نوايا نتنياهو في موضوع ضم «المناطق». أي: في الحقيقة ليس أمراً صدفياً أنه لم يكتب هناك ببساطة أن حزب غيشر، الذي هو في الاساس فقط ليفي ابقاسيس ملزم بدعم خطة نتنياهو وترامب لضم «المناطق»، أو «فرض السيادة» مثلما يسمي البند هذا. بالعكس، بصورة متعمدة بالضبط تم التأكيد بأنها ملتزمة بدعم «أي موقف» لنتنياهو نسق مع الرئيس الأميركي في هذا الشأن، حتى لو كان هذا الموقف إلغاء أو تأجيل أو تقليص الضم. جميع الاحتمالات مفتوحة، والأساس هو التصويت، كما يقول لها نتنياهو، وغير مهم ماذا بالضبط سيقول.
تعكس هذه المقاربة بصورة كاملة سياسة المناورات لنتنياهو حتى الآن، وليس فقط في هذا الموضوع؛ فأكلُ الكعكة وإبقاؤها كاملة ليس مجرد مثل بالنسبة له، بل أسلوب حياة سياسي. أن تضم ولا تضم في الوقت ذاته، نتنياهو خبير في هذا منذ أكثر من عقد.
في معظم سنواته في السياسة أيد نتنياهو نموذج الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود، أو «دولة ناقص»، مثلما يدعو الى امكانية اقامة كيان فلسطيني منزوع السلاح الى جانب إسرائيل. ولكن في السنوات الاخيرة كلما ازدادت المنافسة من اليمين ازداد التأييد النظري، الذي عبر عنه لفكرة الضم. عمليا، أحبط حتى الآن بصورة نشطة كل مبادرات التشريع بهذا الشأن. من ضمن أمور اخرى، قام بعرقلة قوانين لضم غور الأردن ومعاليه ادوميم والمستوطنات في شرقي القدس. وأوضح نتنياهو دائماً بأنه مبدئياً يؤيد الضم. ولكن هذا ليس الوقت المناسب لذلك. هو ايضا غاب عن «احتفال سيادة» في مركز «الليكود».
في حين أن نتنياهو يؤجل أو يعيق الضم الرمزي بحكم القانون، فانه على الارض يواصل الضم الفعلي، حيث أن إسرائيل تتصرف فعليا في المستوطنات وفي مناطق ج وكأنها جزء لا ينفصل عن دولة إسرائيل منذ فترة طويلة. فلماذا لا يواصل الضم الفعلي ويريح نفسه من كل هذه الدراما الدولية التي سيخلقها الضم الرسمي؟ هكذا تكون الكعكة أكلت وبقيت سليمة مثلما يحب نتنياهو.
في الأسابيع الأخيرة تبنى الأميركيون أيضا هذا الأسلوب الضبابي. شخصيات كبيرة في الإدارة، وعلى رأسها وزير الخارجية بومبيو والسفير الأميركي دافيد فريدمان، لا يتوقفون عن تكرار رسالة واحدة واضحة وهي أن الضم «قرار إسرائيلي». الولايات المتحدة مستعدة لذلك، أكدوا، لكن وظيفتها هي الاعتراف بقرارات إسرائيل وليس المبادرة إليها. هناك جهات ضليعة بالمحادثات مع الأميركيين مقتنعة بأن هذا حثّ على اتخاذ القرار – وهناك آخرون، لا يقلون خبرة، مقتنعون بأن هذا بالضبط هو الطريق لرفع المسؤولية وتبريد الحماس الاولي للضم.
في أقوال بومبيو في إسرائيل، أول من أمس، يبدو أن هناك حقاً درجة معينة من التبريد. مثلاً، بضرورة تنسيق العملية مع كل الجهات الاقليمية، وبهذا يجب على الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تقرر بينها وبين نفسها ما هي خططها. وما زال من الصعب الاختيار بين المصادر المتناقضة، لكنّ هناك شيئا واحداً واضحاً: الأميركيون يرمون الكرة الى الملعب في بلفور، سواء أكان الساكن هناك يريد هذا أم لا، ويطمسون نواياهم.
أيضاً هذا ليس خطأ بل سياسة، وليس صدفياً أن الاحاطات متناقضة. ومثلما في الساحة السورية أيضا في موضوع الضم يريد الجميع ابقاء «مساحة ضبابية» لانفسهم الآن تحسبا لأي انعطافة ستنتج عن حكومة الوحدة والضغوط الدولية التي ستزداد فقط.
البند الثامن في اتفاق «الليكود» مع «غيشر» هو المبدأ المنظم الذي يمكن من فهم التضليل. كل المشاركين في القضية يبحثون، الآن، عن الطريق السحرية التي ستمكن نتنياهو وترامب ايضا من الضم وكذلك عدم الضم. الإعلان عن شيء رمزي لا يغيّر الوضع القائم على الأرض أصلا. خطوة لا تجبر إسرائيل ايضا على ابتلاع الجانب الثاني من العملة لخطة ترامب: مفاوضات مع الفلسطينيين وتجميد البناء. خطوة ترضي المستوطنين وشركاءهم الافنغلستيين، لكن لا تؤدي الى هزة دولية شديدة تجر خلفها خطوات عقابية أو عدم استقرار أمني. في هذا الوضع فان ضمان الدعم في الحكومة وفي الكنيست «لأي موقف» يطرحه نتنياهو بالتنسيق مع ترامب هو المفتاح للمرونة المطلوبة لتنفيذ الضم بدون ضم.

عن «هآرتس»