قبيلة بني إسرائيل والنعمة الزائلة

حجم الخط

بكر أبوبكر يكتب

لطالما تاه البسطاء في تفسير معنى “الفضل” في القرآن الكريم حتى اعتبروا “الفضل” ميزة أبدية أوثابتة تنتقل من الأجداد الى الأحفاد، أوأنها سمة قومية تختص بجماعة معينة، أو أنها لصيقة بقبيلة أو جماعة تابعة لديانة محددة كقبيلة بني إسرائيل (إسرءيل) مثلا او أتباع اليهودية او غيرهم.

رغم أن الفضل من حيث المعني اللغوي والقرآني بعيد عن هذه التوهمات ولكنها قائمة عند السطحيين لتتوافق مع أكذوبة التوراة العنصرية القائلة “شعب الله المختار”، بمعنى جرّ آيات القرآن الكريم الواضحة لإسقاطها في دنس روايات التوراة السوداء.

أضف لذلك عدم المراجعة والتفكر من القارئين للقرآن الكريم أو تقصيرهم في التأمل اوالبحث في التفاسير مع إشعال العقل وتشغيله، هذا إذا نحيّنا جانبا الخلط والكذب والاستغلال والإيهام المتعمد من فئة مضلّلة سواء من التوراتيين أو الانجيليين الصهاينة او توابعهم، فتسقط كثير من المصطلحات بمعانيها الجديدة على كلمات وردت في نصوص قديمة أو في القرآن الكريم لتعني نفس الشيء، وأحيانا ما يتم التعامل مع اللفظة في غيرسياقها أوبدون ربطها بغيرها ما يوقع الخطا والزلل.

لنأخذ علي سبيل امثال كلمة شاطر اليوم والتي تعني ماهر وحاذق، ولكنك حيث وجدتها في بطون الكتب القديمة فهي تعني قاطع الطريق.

وكذلك الأمر مع كلمة أمر وحكم، فالأمر في القرآن الكريم حيث وردت في سياق الشورى هو ما نسميه اليوم الحكم، أو القيادة السياسية، أي كانت اللفظة قديما تعني ما نعنيه نحن بأن معناها الحكم لذلك اشتق منها الإمارة والامير.

ما لفظة الحكم في القرآن فقد وردت بمعنى الحكمة، ووردت أيضا وحسب السياق بمعنى القضاء في نصوص القرآن الكريم (ومن لم يحكم بما أنزل الله…) ما هو بعرفنا اليوم القيادة السياسية، والحكم وهكذا ما قد نجده مثله العديد من الألفاظ التي شاع استخدامها في عصر ما لتعنى معنى غير المتداول اليوم.

لنتحدث عن كلمة الفضل في القرآن الكريم والتي وردت بمشتقاتها  عشرات المرات في النص الكريم.

1-بالرحمة والنعمة والفضل من الله

يقول الذكر الحكيم: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥ البقرة))وهنا الرحمة تعني النبوة حسب مفسرينا واعتبرت بالتالي فضلا من الله أي عطاء واسعا.

(وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ (٢٢ النور)) والو الفضل هنا الأغنياء

(وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥ البقرة))

(وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١ الحديد))

2-تفضيل القبيلة المندثرة بالأنبياء والنعم فترتهم الغابرة.

يقول الذكر الحكيم:(اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧ البقرة)) أي على عالمي زمانكم البائد.

(اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٢٢ البقرة))

(فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٤ البقرة))

وهي الآيات التي تخاطب القبيلة القديمة المندثرة المسماة بني إسرءيل (إسرائيل)  ومعناها: أني فَضَّلْتكم على عالَمي زمانكم فقط بكثرة الأنبياء، والكتب المنزَّلة كالتوراة والإنجيل. وليس كما قد يفهم العامة كلمة “فضلتكم” بمعنى خائب هو أنكم أحسن من الناس؟! في فهم قاصر يجعل التفضيل من الله أي العطاء من الله وكأنه تمييزًا عرقيا أو تخصيصًا أبديا لجنس أو فئة ما!

ويقول: (فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٤ البقرة) وهنا الفضل بالتوبة عليهم. والفضل دوما مصدره الله سبحانه يعطيه ويمنعه، وعندما يعطيه يضع محددات وامدًا ويمنعه بانقضاء أو تحقيق فوز أو عقاب.

وهم -أي قبيلة بني إسرءيل الغابرة- خسروا لاحقًا مبرر “التفضيل” الرباني كما تذكر سورة القصص فزال “التفضيل” لوقتهم وزمانهم، بعد أن طال بهم الأمد بعد موسى فنسوا وحرفوا الشرائع وكفروا ما هو منطوق الآية (وَلَٰكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ-45 القصص) ما أشرنا له سابقا، وما سنعرضه تفصيلًا في سورة القصص.

3-ولننظر لتفضيل الرسل

تقول الآيات: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ (٢٥٣ البقرة))

(وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86 الأنعام))

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ (10 سبإ)) والاختصاص أو المنة التي أعطيت لداوود هي النبوة والكتاب والآيات.

أما هؤلاء الرسل الكرام فلقد فضَّل الله بعضهم على بعض، بحسب ما منَّ الله به عليهم: فمنهم مَن كلمه الله كموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومنهم من زوده بالآيات.

وهكذا، فالفضل هو العطاء والمنة أو الاختصاص من الله لكل نبي. وليس منطق التفضيل ما قد يفهمه العامة أو المأسورون للرواية التوراتية أن منكم من هو أفضل أي احسن من الآخر! هكذا في كل شيء! وهذا الفهم القاصر يتعارض مع المعنى الواضح للمتفكر كما يتعارض مع آية عدم التمييز بين الأنبياء أو التفريق بينهم (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ-285 البقرة)، رغم أن لكل منهم فضلا أو نعمة أو منّة او اختصاص بآية مختلفا.

وفي آية اسماعيل واليسع كمثال آخر تفضيل لهم على أهل زمانهم بالنبوة.(وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (3 هود) بمعنى  الجزاء للعمل حيث الفضل الأول هو بالعمل والثاني هو الجزاء

(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ (21 الإسراء) والتفضيل او الاختصاص والمنة هنا في الرزق والجاه.

وختاما وكما نكرر فالفضل أو المِنّة من الله سبحانه (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ (٧٣ آل عمران) أي أن العطاء أو الاختصاص أوالمنحة هي بيد الله. وهي هنا تعطي لأمر محدد وفي مواضع ما لفئة معينة، وبتوقيت معين وبمعنى محدد كفضل بني إسرائيل القدماء الغابرين بالكتب والأنبياء ورغم ذلك قتلوا الأنبياء وكفر منهم الكثير، فزال ما كان اختصاص لهم زوالًا نهائيا، لا سيما وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.