مئوية سان ريمو .. وصفقة القرن

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

احتفى رؤساء دول وحكومات ومسؤولون كبار الأسبوع الماضي بالذكرى المئوية لمؤتمر سان ريمو، باعتباره علامة فارقة في التاريخ الصهيوني الذي مهد الطريق أمام إقامة «إسرائيل» على أرض فلسطين . ففي نهاية شهر نيسان/ إبريل سنة 1920 ، اجتمع مندوبون لكل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وفي وقت لاحق الولايات المتحدة (كمراقب) في بلدة سان ريمو الواقعة في شمال غرب إيطاليا وقررت تقسيم الإمبراطورية العثمانية إلى ثلاثة أقسام، وكلف ما سمي إعلان سان ريمو الانتداب البريطاني بتنفيذ وعد بلفور، الذي أعلن قبل ثلاث سنوات من ذلك ودعم إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. ويُعتبر مؤتمر سان ريمو مهماً للاحتلال تاريخياً باعتباره الترسيخ الأول لحق الكيان الصهيوني بالوجود في القانون الدولي وقد حضره قادة الصهاينة ومنهم حاييم وايزمان وهربرت صمويل.

وقال نتنياهو في رسالة مصورة تم بثها في المؤتمر الافتراضي الذي نظمته مجموعة مسيحية أوروبية مناصرة «لإسرائيل» في سان ريمو، اعترفت قوى التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بحق الشعب اليهودي بتقرير المصير. وانتقل نتنياهو للحديث عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام، التي تعطي الضوء الأخضر «لإسرائيل» بضم أجزاء من الضفة الغربية، وقال : بعد بضعة أشهر من الآن، أنا واثق من أنه سيتم احترام هذا التعهد. لكن بدا أن منظمي المؤتمر على الإنترنت نأوا بأنفسهم عن التقارب الذي صنعه نتنياهو بين سان ريمو وما تُسمى ب«صفقة القرن» التي طرحها ترامب.

وكانت فرنسا عارضت في مؤتمر سان ريمو مطلب الصهيونية بإدراج تنفيذ وعد بلفور في إعلان المؤتمر، لكنها رضخت للضغوط في النهاية مع تدخل الولايات المتحدة. وقد برز في الشهور الأخيرة الوزير الأمريكي مايك بومبيو كعراب لمشروع الضم وأعلن قبل أسابيع أن قرار الضم شأن «إسرائيلي» داخلي، ورغم أن الناطقة باسم وزارته أوضحت أن الضم يجب أن يتم بالتفاوض مع الفلسطينيين، طبقاً لرؤية الرئيس ترامب، إلا أن بومبيو عاد مجدداً إلى تأكيد موقفه هذا أثناء زيارته الخاطفة لتل أبيب قبل أيام، وبعيداً عن الأضواء وخلافاً لمشاهد التناغم والدعم والمواقف المشتركة للبلدين، نقل بومبيو، موقف الإدارة الأمريكية الغاضب من التقارب «الإسرائيلي» الصيني. وقد طلب بومبيو من «الإسرائيليين» مقايضة تأييد بلاده للضم بوقف التعاون الاستثماري بين بكين وتل أبيب. وكانت الدول الأوروبية عقدت اجتماعاً في بروكسل، لبحث الموقف من الإجراءات «الإسرائيلية»، واعتبر اجتماع الاتحاد الأوروبي خطوات كهذه «انتهاكاً للقانون الدولي».

وكانت الخارجية «الإسرائيلية» استدعت 12 سفيراً أوروبياً لشرح موقفها قبل الاجتماع الأوروبي، وطلبت من هنجاريا والنمسا عرقلة صدور بيان بعقوبات ضدها بحجة أن الحكومة «الإسرائيلية» لم تتشكل بعد.

ونقلت أنباء «إسرائيلية» عن مصادر في الكيان وصفتها بأنها مطلعة على المداولات حول هذا الموضوع قولها إنه يلاحظ وجود تأييد متزايد بين دول الاتحاد لفرض عقوبات تردع «إسرائيل» من تنفيذ الضم. وذكرت المصادر دولاً بينها فرنسا وإسبانيا وإيرلندا والسويد وبلجيكا ولوكسمبورج، التي تتبع خطاً متشدداً أكثر من غيرها بهذا الخصوص.

وقال وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، جيمس كليفرلي، للبرلمان إن «موقفنا الدائم منذ فترة طويلة هو أننا لا نؤيد ضم أجزاء من الضفة الغربية. والقيام بذلك سيجعل حل الدولتين الدائم أكثر صعوبة» .

بالنسبة للفلسطينيين فإن حالة الانقسام تبقى قائمة بين «فتح» و«حماس»، لكن ظهر تبدل في موقف الجبهتين الشعبية والديمقراطية اللتين أعربتا عن اعتزامهما المشاركة في اجتماع قيادة منظمة التحرير لبحث سبل مواجهة مشروع الضم، لكن خيارات المواجهة تبقى محدودة في غياب موقف عربي فاعل، كما أن الانشغال بجائحة الكورونا أدى إلى تغييب القضية الفلسطينية عن الأجندة الدولية، فضلاً عن أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني ستكون له آثار سلبية على المدى القصير.

يبقى هناك تحذير العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي توقع فيه صداماً كبيراً مع «إسرائيل» في حالة إقدامها على ضم الأغوار وشمال البحر الميت، وأشار الملك إلى أنه لا يريد إطلاق التهديدات أو تهيئة الأجواء للخلاف والمشاحنات، مضيفاً أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد الذي سيمكّن من المضي قدماً.