تصويب الخلل أولاً

مهند-عبد-الحميد
حجم الخط

-خبر-كتب: مهند عبد الحميد
29 أيلول 2015


قالوا الكثير عن الموقف الفلسطيني في دورة الجمعية العامة الحالية، تحدث البعض عن تفجير قنبلة سياسية ومفاجآت دراماتيكية رافعين بذلك سقف التوقعات سلبا وايجابا.  
خلافا لذلك، فإن أية قراءة عابرة للوضع الدولي والاقليمي والداخلي الفلسطيني، لا تشي بأي تغيير، ولن تتمخض عن مواقف جديدة في قادم الايام. 
المتوقع ضمن الواقع الراهن هو: إعادة إنتاج الوعود بتحريك العملية السياسية، وستخرج الرباعية الدولية بإعلان مواقف ضد الاستيطان، قد تكون الضد مبطنة كي لا تغضب «الجانب الآخر»، وربما تأتي بصيغة، دعوة جميع الاطراف إلى الكف عن توتير وتأجيج «النزاع»، وستعيد الرباعية التأكيد على ضرورة ايجاد حل «للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي» «حل الدولتين»، وستدعو المفاوضين للعودة إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت. ولن تنسى الرباعية التأكيد على بقاء الوضع في المسجد الاقصى على حاله دون تغيير او تعديل. مواقف الرباعية الدولية ومواقف وزراء الخارجية العرب قبل اجتماعات الجمعية العامة هي المواقف ذاتها أثناء انعقاد الجمعية وما بعد الانعقاد. 
لا جديد في تلك المواقف بما في ذلك سيل النصائح والارشادات التي تحث القيادة الفلسطينية على التروي وعدم التسرع في طرح مواقف خارج الاولويات الدولية والاقليمية وهي «الحرب على الارهاب». 
مقابل ذلك لا يمارس اي ضغط على دولة الاحتلال التي وضعت نفسها في سباق مع الزمن لتعميق الاحتلال ولتهويد وأسرلة مدينة القدس.
المتغير الجديد الذي جعل الموقف الدولي والعربي ناشزا هو الموقف الاسرائيلي الذي يلتزم بالاقوال بالحفاظ على وضع المسجد الاقصى كما كان عليه في الماضي، لكن الافعال الاسرائيلية اليومية ماضية في عملية التقسيم الزماني للمسجد الاقصى وبتصاعد غير مسبوق. 
هذا الموقف المزدوج وضع النظامين الدولي العربي والاسلامي في موقف حرج، وكأنهم يجيزون التحويل الاسرائيلي لثاني اهم الاماكن المقدسة عند العرب والمسلمين، ويجيزون ضم اراضي الغير بالقوة، ويجيزون السيطرة العسكرية على شعب آخر الى ما لا نهاية.
وكل ذلك بالتضاد مع ميثاق الامم المتحدة وميثاق اليونسكو والقانون الدولي.
إن اقتحام المسجد الاقصى هذا اليوم بالتزامن مع وجود الوزراء والرؤساء والخبراء والدبلوماسيين في مقر الامم المتحدة افقدهم حتى ماء الوجه، لكنهم وهم في هذه الحالة من اللامصداقية يشحذون الهمم لاحياء مسار سياسي فلسطيني إسرائيلي جديد. 
فيا للعجب العجاب! هل يريدون مسارا للتغطية على عملية التحويل والنهب الاسرائيلية للمكان؟ أم هل يريدون مسارا سياسيا للتغطية على حربهم المشتركة مع اسرائيل ضد داعش؟  
في كل الاحوال، لن تكون تعهدات نتنياهو للمفاوض الفلسطيني افضل حالا من تعهداته لوزير الخارجية الاميركي جون كيري ولحكومتي مصر والاردن حول التزامه بالحفاظ على الوضع السابق للمسجد الاقصى، ولن يكون الموقف الدولي بأفضل من دور الشاهد غير النزيه على حل الابارتهايد الاسرائيلي الذي يتضمن إذابة القضية الفلسطينية في المحيط العربي. 
لن يختلف ابناء الشعب الفلسطيني حول سقف التوقعات من رحلة الرئيس إلى الجمعية العامة. 
لن يستخرج شيئا من العدم، مهما فعل ومعه القيادة بجناحيها المتشدد والمعتدل. ذلك ان الخروج من المأزق لا يكون برد فعل حتى لو جاء بصيغة قلب الطاولة وتسليم المفاتيح لراعي عملية سلام، واسمها الحقيقي «أبارتهايد» فصل عنصري، بعد أن مضى عليها 24 عاما- منذ 1991- وحتى 2015-. تقول نظرية في علم النفس: «إذا لم تتمكن من تغيير الآخر، فعليك أن تغير نفسك». 
بناء على ذلك فإن التغيير المطلوب هو تغيير فلسطيني أولا وقبل كل شيء. والتغيير المطلوب عنوانه الخروج من المسار الذي قاد إلى «الابارتهايد» الفصل العنصري. 
الخروج يبدأ بتصويب الخلل الفادح الناجم عن تعامل النظام الدولي والمنظمات التابعة له مع الاراضي الفلسطينية «كمنطقة ما بعد صراع أو صراع  في طور الانتهاء» وليست «منطقة صراع» بفعل الحالة الاستعمارية. 
الفرق بين التعاملين أن التعامل مع منطقة صراع تستوجب تصفية الحالة الاستعمارية، وما يستدعيه ذلك من وضع الدعم الدولي في المرحلة الانتقالية في خدمة إنهاء الاحتلال العسكري والانتقال الى مرحلة ما بعد الاحتلال اي تأسيس بنية تحتية للانفصال عن الاحتلال وتقرير المصير والدولة المستقلة. 
أما التعامل مع «منطقة ما بعد صراع» فكان يعني تجاهل الاسباب الحقيقية للصراع وتجاهل الطبيعة الكولونيالية له. والاخطر، أن الدعم السياسي والاقتصادي الدولي ارتهن منذ اللحظة الاولى للسيطرة الكولونيالية الاسرائيلية وساهم في تعزيزها. والاسوأ من ذلك ان الاحتلال والسيطرة الكولونياليين تعمقا بعد اوسلو بدعم مالي دولي، اي ان تكلفة تعميق الاحتلال دفعت من المانحين من خلال لافتة دعم السلطة الفلسطينية، وجرت تغطية ذلك سياسيا عبر لافتة المفاوضات المفتوحة والتي خضعت لاحتكار أميركي إسرائيلي غير مسبوق. 
المطلوب إذا، تصويب هذا الخلل الفادح عبر قرار جديد يصدر عن الجمعية العامة لا لبس فيه ولا غموض، يتعامل مع إسرائيل كحالة استعمارية تزاول الاحتلال العسكري والسيطرة الكولونيالية على شعب آخر، وتتحمل مسؤوليتها كدولة محتلة بما في ذلك دفع الاستحقاقات المترتبة على ذلك. نستطيع عبر ميزان القوى في الجمعية العامة استصدار قرار يسمي الاسماء بأسمائها، والاهم توظيف أي دعم لانهاء الحالة الاستعمارية ورفض كل دعم يديم الاحتلال ويجعل منه قضية رابحة.
ولا شك، أن هذا المدخل الضروري والمهم، يعيدنا الى موقع حركة تحرر وطني، والى علاقات حركة تحرر داخليا وخارجيا، ويضعنا وجها لوجه امام استحقاقات التغيير في الوضع الفلسطيني، تلك الاستحقاقات الكثيرة والمتراكمة والمتضخمة إلى المستوى الذي يجعل عملية التغيير معقدة. لكن العودة إلى موقع حركة تحرر وطني سيسهل المهمة. وسيجعل التغيير المستحيل ممكنا، إذا ما عدنا إلى معايير حركات التحرر، وطوينا صفحة المؤسسة البيروقراطية المشوهة المنفصلة عن المجتمع وهموم الشعب في الشتات، إذا ما نحي جانبا أولئك الذين جعلوا المؤسسة والوظيفة الحكومية استثمارا ربحيا خاصا، وساهموا في زعزعة ثقة المجتمع بأي موقف وطني وبأي تغيير نحو الأحسن.