الكونغرس الاسرائيلي الموحد لمواجهة الاحتلال والابرتهايد

حجم الخط

هآرتس – بقلم دمتري شومسكي

اقتراب موعد عملية الضم لاجزاء من الضفة الغربية (1 تموز) الذي عاد وأكده رئيس الحكومة نتنياهو قبل نحو اسبوعين، جرى في اوساط بقايا اليسار الاسرائيلي خلاف شديد حول مسألة الاهمية السياسية والتاريخية لهذه الخطوة. بعض اوساط اليسار يعتقدون أن الامر يتعلق بمفترق طرق، سواء في تاريخ الاحتلال الذي نتيجة الضم سيتحول الى نظام ابرتهايد، أو في تاريخ دولة اسرائيل التي من الآن فصاعدا ستفقد نهائيا بقايا مظاهرها الديمقراطية. في المقابل، آخرون يعتبرون أن الضم ليس اكثر من ترسيخ رسمي لواقع الابرتهايد القائم بالفعل، واستمرار لتواصل قمع اسرائيل للشعب الفلسطيني المستمر منذ أكثر من خمسين سنة.

​الطرفان في هذا النقاش محقان بشكل جزئي. فمن جهة، من الواضح أن الضم في حالة استكماله سيشكل حلقة اخرى في سلاسل العبودية للشعب الفلسطيني، التي لا يتوقع بالضرورة أن تزيد خطورة وضعه بشكل كبير. وهي حتى يمكن أن تفتح امامه أفق معارضة بديل وإن كان كما يبدو عديم الامكانية: نضال من اجل المساواة في الحقوق المدنية، وبعد ذلك ايضا القومية، في اطار دولة واحدة بين البحر والنهر. ولكن من الناحية الاخرى لا شك أن الضم سيمثل نقطة انعطافة هامة جدا، ليس في واقع الاحتلال الذي اصبح منذ زمن ضم فعلي أو على صورة النظام في اسرائيل، الذي فقط من خلال عمى ادراكي تجاه التداعيات العميقة للاحتلال على صورة الدولة الاسرائيلية كان يمكن اعتباره حتى الآن نظام ديمقراطي، بل في تاريخ النضال العنصري الاستيطاني.

​وعلى الرغم من انجازاتهم الرائعة في سلب الاراضي الفلسطينية والسطو عليها، وتأثيرهم الكبير، المباشر وغير المباشر، على رسم السياسة الاسرائيلية في مجالات كثيرة، فانه من الواضح أن رفض الدولة الصهيونية حتى الآن الاعتراف بسيادتها على اجزاء من ارض اسرائيل الكاملة آلم قلوب قادة مشروع الاستيطان. هذا أحبط معنوياتهم واعتبر في نظرتهم المشوهة بمثابة الحرمان من الحقوق الوطنية المشروعة للشعب اليهودي في بلاده. هنا، مع الدفع قدما بالضم وفرض السيادة ستحظى الكولونيالية الاستيطانية المتطرفة على الشرعية من الدولة. شرعية صريحة ومطلقة وغير متحفظة. ومن الآن سيسعى الى مساعدتها بصورة مصممة اكثر لمواصلة فرض السيطرة اليهودية، وفي الوقت المناسب، من اجل التطبيق الشامل الممكن لحلم الترانسفير “التهجيري”.

​حركة الاستيطان العنصرية حققت معظم اهدافها العملية والسياسية – تحريك عملية الضم وفرض السيادة خلف الخط الاخضر ستكون بمثابة درة التاج خاصتها، بمساعدة طريقتين. الطريقة الاولى هي وحدة صفوف تنظيمية وسياسية حول حركة غوش ايمونيم ومجلس يشع؛ والثانية، ايديولوجيا قومية متطرفة – دينية متحمسة، تتجه نحو الهاوية الظلامية. ولكن الى اصالة الروح اليهودية في اسرائيل وفي ارجاء العالم.

​امام النجاح السياسي الكبير لحركة الاستيطان تبرز للعيان ضآلة الانجازات الحقيقية للاسرائيليين الذين يعارضون الاحتلال والاستيطان. هذا غير مستغرب لأن نموذجي السلوك المتميزين والمتجذرين في السلوك السياسي الاسرائيلي على مدى العقود، وبشكل واضح في السنوات الاخيرة، هما بمثابة صورة مرآة معكوسة لطريقتي العمل اللتان بفضلهما تمكن اليمين الاستيطاني من الوصول الى الانتصار السياسي الحالي. أولا، اذا كان في اوساط حركة الاستيطان، باستثناء هوامش عديمة الاهمية السياسية، اسم اللعبة هو وحدة مؤسسية وتركيز تنظيمي، فانه في اوساط اليسار المناهض للاستيطان يسود تعدد واضح لمنظمات المجتمع المدني. كل واحدة منها تقوم في الحقيقة بعمل مقدس في مجالها. ولكن الويل لكم اذا اقترحتم عليها الانضمام معا من اجل الدفع قدما بهدف سياسي مشترك، لأنه توجد هوية خاصة لكل منظمة كهذه، التي هي عزيزة عليها جدا. ثانيا، اذا كان مشروع الاستيطان ومن يتحدثون باسمه يستندون دائما في نضالهم على خطاب وطني، فان الخطاب الاساسي، وعلى الاغلب الحصري، الذي يستخدمه معارضيهم من اليسار، هو الخطاب العالمي، المبسط قليلا من حقوق الانسان.

​البعض في اوساط اعضاء منظمات اليسار السياسي – المدني يعتبرون تعدد المؤسسات والتنظيمات ظاهرة ايجابية ومرغوبة. حسب قولهم، مبدأ المركزية والوحدانية الاستبدادية والديكتاتورية، الذي هو طبيعي ومتأصل في منظمات اليمين، هو غريب على روح التعددية لليسار. وآخرون يعتقدون، خلافا لكل منطق تنظيمي سليم، بأنه في هذا التعدد يكمن سر قوة اليسار المدني في اسرائيل.

​التحفظ ايضا من خطاب وطني والتأكيد الحصري تقريبا على خطاب حقوق الانسان العالمي، يتم عرضه على الاغلب كدليل على ميزة اخلاقية لليسار، التي يجب التفاخر بها. انعدام الوعي الذاتي من هذا النوع يدل على ظاهرة ساخرة وفي نفس الوقت محزنة من النرجسية الليبرالية، التي تثير الشك في أن عدد من نشطاء السلام قد فقدوا الأمل والتأثير بشكل فعلي على الواقع السياسي، وهم يقومون بنشاطهم (المبارك بالتأكيد) اساسا من اجل الظهور كرجال ضمير واخلاق في نظر محيطهم القريب.

​أنا أدرك بأنني أقف امام باب مغلق بشكل جيد. وقد كتبت هنا في السابق عدة مرات، سواء عن اهمية الوحدة المؤسسية والتنظيمية في اوساط معارضي الاحتلال أو عن الحاجة الى صياغة الاحتجاج ضد الاحتلال والاستيطان من خلال الربط الواضح والمؤكد مع الخطاب الوطني اليهودي والاسرائيلي. دعوات كهذه تتحطم بشكل عام على السور االتنظيمي والفكري المتحجر.

​مع ذلك، يوجد لي حلم – أنه عند بداية الضم الملعون بعد نحو شهر ستظهر انعطافة، ليس فقط في تاريخ اليمين الاستيطاني، بل ايضا في طريقة التفكير والعمل لليسار السياسي – المدني في البلاد. في اعقاب هذه الانعطافة، أنا أحلم، سينشأ تنظيم اسرائيلي كبير وموحد تنضم اليه جميع منظمات حقوق الانسان. هذا التنظيم يسمى “الكونغرس الاسرائيلي الموحد لمحاربة الاحتلال والابرتهايد”. هو سيختار لنفسه قيادة ومجلس وسيبدأ بحملة دعائية متواصلة ومصممة في المجتمع الاسرائيلي وفي الساحة الدولية.

​الكونغرس سيعمل بدون ملل من اجل اجبار اسرائيل على وضع حد لنظام الاحتلال والكولونيالية والابرتهايد، سواء عن طريق العودة الى طاولة المفاوضات على اساس حل الدولتين، أو، اذا تبين أن هذا الامر غير ممكن، من خلال اقامة دولة ديمقراطية واحدة بين البحر والنهر. عندما سيأتي لمطالبة الجمهور في اسرائيل بدعم طموحاته، وايضا عندما يريد دعوة المجتمع الدولي لفرض عقوبات ناجعة على اسرائيل، يجب على الكونغرس التأكيد على أن استمرار قمع واستعباد الشعب الفلسطيني يسيء لذكرى الضحايا اليهود، ويسحق بقدم فظة قيم  تراث الاخلاق للشعب اليهودي المضطهد، وهو يناقض في جوهره حلم المساواة والعدالة الذي أراد تحقيقه في هذه البلاد آباء الصهيونية السياسية.

​هذا مجرد حلم. ولكن كما كتب مؤسس الصهيونية السياسية، ثيودور هرتسل، في نهاية كتابه “ارض قديمة – جديدة”: “هذا الحلم لا يختلف كثيرا عن الواقع مثلما يعتقد الكثيرون. جميع افعال الانسان كانت ذات يوم احلام. وجميع افعاله ستكون ذات يوم حلم”.