نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا حول الوضعية الحرجة التي يمر بها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، اعتبرت فيه أن سياسته القائمة على التمسك بخيار المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي وصلت لأفق مسدود، ما ينبئ بقرب انتهاء مسيرته السياسية.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير ، إن محمود عباس، البالغ من العمر 80 عاما، يحاول منذ عدة أسابيع إخفاء فشل مقارباته السياسية.
فبعد أن تقلد منصب رئاسة السلطة الفلسطينية عقب رحيل ياسر عرفات، ظل عباس دائم التمسك بخيار المفاوضات مع إسرائيل، على أمل عقد اتفاق مشابه لاتفاق أوسلو لعام 1993، إلا أنه لم يعد بإمكانه أن ينكر أن اتفاق أوسلو سبب الكثير من المعاناة للفلسطينيين، وكان السبب الرئيسي في انسداد أفق السلام بين فلسطين وإسرائيل.
وبحسب الصحيفة، يبدو أن الغالبية في الشارع الفلسطيني لم تعد تخفي خيبة أملها وفقدانها الثقة في أداء محمود عباس، في ظل الإعراض المتواصل للدول العربية عن الخوض في القضية الفلسطينية، وانشغالها بالخطر المحدق الذي يمثله تنظيم الدولة.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس الفلسطيني قد سبب صدمة لكل زائريه في مقر المقاطعة في رام الله خلال المدة الأخيرة، بسبب حالة الكآبة واليأس التي ألمت به. ويلاحظ المقربون منه في الفترة الأخيرة أنه يعاني من حالة إنهاك حاد ويعاني من إحباط كبير، ما أدى لانتشار الأحاديث والتكهنات بشأن اعتزامه الاستقالة من منصبه والتنصل من اتفاق أوسلو.
وقالت الصحيفة إن الرئيس الفلسطيني وعد قبل إلقائه لخطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء، بأنه سيلقي كلمة هامة ذات وزن سياسي ثقيل، ولكن الكثيرين يشككون في جدوى ما سيقوله، متهمين أبا مازن بأنه "يلعب آخر أوراقه" ويمارس التضليل، للتنصل من مسؤوليته في فشل مفاوضات السلام وتدهور أوضاع الفلسطينيين في فترة رئاسته.
وقال التقرير إن المفاوضات مع إسرائيل تشهد جمودا متواصلا، منذ آخر جولة محادثات عقدت في ربيع سنة 2014 برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وعلى أثر تشكيل حكومة ائتلافية في إسرائيل تجمع الليكود واليمين القومي المتطرف، يبدو أن الحديث عن مفاوضات السلام مع إسرائيل أصبح نوعا من "الهذيان".
واعتبرت الصحيفة أن عباس مني بخيبة أمل كبيرة، بعد أن أدرك متأخرا أن الإستراتيجية التي اعتمدها هو وسابقوه طيلة 30 عاما على أمل عقد اتفاق مرض مع إسرائيل، انتهت إلى فشل كبير، حيث تواصل إسرائيل سياستها الاستيطانية في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية، في ظل تعتيم إعلامي كبير وتجاهل من المجتمع الدولي لهذه الممارسات الاستيطانية.
وبحسب الصحيفة، يقيم حاليا أكثر من 500 ألف إسرائيلي في مستوطنات داخل الضفة الغربية، لا يمكن تفكيكها حتى في حال عقد اتفاق سلام. ويضاعف الجيش الإسرائيلي في أثناء ذلك اعتداءاته الوحشية، على الفلسطينيين المناطق الخاضعة لحكم السلطة الوطنية الفلسطينية.
واعتبر التقرير أن الأوضاع المتوترة التي تشهدها المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى؛ خير دليل على عجز السلطة الفلسطينية على التواجد في القدس الشرقية، رغم أنها تطمح لجعلها عاصمتها المستقبلية.
ونقلت الصحيفة عن علي الجرباوي، الوزير السابق وأستاذ العلوم السياسية، "أن محمود عباس أصيب بخيبة أمل بسبب الغطرسة الإسرائيلية وصمت المجتمع الدولي، الذي صرف اهتمامه عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما أدى إلى إفراغ مقترح حل الدولتين من محتواه، وجعل عباس يصطدم بحقيقة مرة لا يمكنه تغييرها".
وقالت الصحيفة إن جولة في مخيم الأمعري في رام الله، كفيلة بتكوين فكرة عن مدى سخط وعدم رضا الشارع الفلسطيني تجاه سياسات محمود عباس؛ إذ يرى المواطنون هناك أن مؤسسة السلطة الفلسطينية التي تم تأسيسها منذ العام 1994 بهدف التمهيد لإعلان الاستقلال، لم تف بوعودها ولم تقدم لهم شيئا لا على المستوى السياسي ولا في مستوى معيشتهم.
ونقلت الصحيفة عن محمد بدران، وهو شيخ في العقد السابع من العمر، قوله: "رغم أنها تمتلك مؤسسات حكومية قادرة على تسيير شؤون الفلسطينيين، فإن السلطة أصبحت أداة لتكريس سيطرة الاحتلال على الضفة، وصارت تخدم الاحتلال الإسرائيلي بدل خدمة المواطن الفلسطيني".
واعتبر التقرير أن إسرائيل تقوم بإذلال محمود عباس عبر ملف التنسيق الأمني، حيث أقدمت مؤخرا على اعتقال فلسطيني يبلغ عمره 18 عاما في مدخل مخيم الأمعري، وهي منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية. ولا يخفي الفلسطينيون امتعاضهم من التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، ويعتبرونه إهانة للمواطن الفلسطيني.
وذكر التقرير أن دراسة أجريت في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، أظهرت تراجعا حادا في ثقة المواطن في السلطة الفلسطينية، بشكل غير مسبوق، حيث طالب ثلثا المستجوبين باستقالة عباس، واعتبر 42 في المئة أن الحلول السلمية لن تجدي نفعا مع الاحتلال.
وذكر التقرير أن هذا الإحصاء كشف عن سابقة مهمة لم تشهدها عمليات سبر الآراء من قبل، فمنذ عقد اتفاق أوسلو، لأول مرة يعبر نصف الفلسطينيين عن معارضتهم لحل الدولتين، كما اعتبر 80 في المئة من الذين تم استطلاع آرائهم أن الدول العربية تخلت عن الدفاع عن القضية الفلسطينية.