بقلم: بن – درور يميني
ألقى أوباما، أول من أمس، خطاباً مثيراً في الجمعية العامة للامم المتحدة. فهو قوي في الاقوال. القوة العسكرية وحدها لن تحل المشكلة في سورية، قال، وعرض رؤيا مصالحة. طلب بلطف من إيران ألا تهتف «الموت لأميركا»، وذلك لأن هذا لن يجلب لهم أماكن عمل، واعرب عن أمله في أن يحترم المتمنون لفنائها الاتفاق ويجعلوا العالم مكانا أكثر أمانا. هكذا حقا. لا شك أنه رجل مؤمن.
وبينما يتحدث اوباما، فان بوتين يفعل. بعد شبه جزيرة القرم واوكرانيا، وصلت روسيا الى سورية. فالرئيس الروسي يخلق محورا يضم ايران، الاسد، و»حزب الله»، بينما العالم الحر يقف جانبا. في واقع الامر ثمة مؤشرات تأييد لبوتين. فلعله ينجح في أن يفعل ضد تنظيم الدولة الاسلامية ما لا يحلم العالم الحر بفعله.
روسيا لا شيء مقارنة بالولايات المتحدة. فالناتج القومي للقوة العظمى السابقة يبلغ 2.1 تريليون دولار، مقابل 2.6 في بريطانيا و 17.4 في الولايات المتحدة. غير أنه لا معنى للقوة عندما لا يكون هناك أي اهتمام باستخدامها. ولا يدور الحديث فقط عن التدخل العسكري. فعندما اصطدم حسني مبارك، من أكثر اصدقاء الولايات المتحدة وضوحاً، بأزمة في الداخل، سارع أوباما إلى الوقوف بالذات إلى جانب معارضي النظام. وفي المواجهة بين الرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، وبين «الاخوان المسلمين»، وقف اوباما أساسا الى جانب «الاخوان»، باسم الديمقراطية بالطبع. والرسالة الى زعماء العالم الثالث بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص كانت واضحة: لا تتوقعوا تأييد الولايات المتحدة.
يقف بوتين في هذا المكان كي يؤشر الى العالم الثالث برسالة معاكسة: انا أدعم حلفائي، ولا يهم ما يفعلون. وتفاصيل الديمقراطية وحقوق الانسان جديرة بالاتحاد الاوروبي والادارة الأميركية. عندي توجد مصالح. بتعابير اخرى، قليل من القوة التي تستخدم يساوي أكثر بكثير من قوة لا يعتزم احد اجراء أي استخدام لها. فماذا يساوي ازعر الحارة اذا كان تبنى دور كبير الحارة؟
اعتبارات الولايات المتحدة مفهومة. فبعد التورط في العراق وفي افغانستان، ليس لها أي مصلحة في الدخول الى الوحل السوري. ويستغل بوتين الفراغ، ولديه تطلعات بعيدة المدى. دعم سورية لا ينبع من محبة الاسد بل لان قسما من الجمهوريات الروسية، بما فيها داغستان والشيشان، توفر المقاتلين لـ «داعش». ويفهم بوتين ما لا يفهمه العالم الحر: من لا يقاتل الجهاد خارج بيته سيضطر الى ان يقاتله داخل البيت. وهو لن ينتظرهم. بل يخرج إليهم.
هل ستنجح روسيا في المكان الذي فشلت فيه الولايات المتحدة؟ ستجيب الأيام. يبعث بوتين بالاشارات الى مدار العالم. فالقصة في اوكرانيا لم تنتهِ بعد، ودول البلطيق لا تزال تعيش حالة عصف. وهي لا تريد أن تلتحق بأي شكل من الاشكال بالنفوذ الروسي. وقد سبق لقائد «الناتو» السابق، آرنست بوغرسموسن، ان حذر من أن روسيا قد تهاجم هناك. هذا كابوس للاتحاد الاوروبي، غير القادر على أن يتحد حتى حول أزمة اللاجئين. ومن شأن هذا الضعف أن يشجع بوتين.
من ناحية اسرائيل، فان ايران و»داعش» هما وجهان لعملة واحدة. هذا نذل وذاك حقير. إن التدخل الروسي يثير علامات استفهام. طالما كان بوتين يقف في مركز المحور، فان أساس الجهد سيوجه نحو «داعش». ولكن من ناحية ايران و»حزب الله»، كان الهوس ولا يزال إسرائيل. وكان من الافضل ان يسيطر السلام والسكينة والتعايش في العراق وفي سورية، غير أن الطوباويات هي شأن البيت الابيض. حتى الان الحرب لا تتوقف، وكل المشاركين يستنزفون انفسهم، وحقنة القوة الروسية لن تفعل سوى أن تصب الزيت الى النار.
لكن ليس واضحا اذا كان «محور بوتين» سينجح على المدى البعيد في أن يهزم الجهاد. الواضح هو ان بوتين أوضح لزعماء العالم بأن ثمة زعيما قويا آخر في المحيط، وهذا لا يسمى أوباما.
عن «يديعوت»