الدور التخريبي التركي في ليبيا وسوريا

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

تداخلت الأزمتان السورية والليبية مع بعضهما بعضاً في الآونة الأخيرة، حيث إن اللاعبين على الساحتين هم أنفسهم في كلتا الحالتين، وهما روسيا وتركيا. فالتدخل التركي في ليبيا زاد الأزمة الليبية تعقيداً، مثلما فعل التدخل التركي في سوريا الذي لعب دوراً هداماً.

ونجد أن روسيا التي تربطها بتركيا تفاهمات سابقة، تحارب حلفاء أنقرة في سوريا وفي ليبيا أيضاً، لكن دون استخدام قوات برية رسمية في ليبيا. ولعل تأييد روسيا للمشير حفتر منذ البدء يرجع أساساً إلى أن المشير بدأ معركته ضد الجماعات الإرهابية في ليبيا، وهي جماعات مدعومة من تركيا وقطر وحاربت إلى جانب تركيا في سوريا سابقاً، لكن هذه الجماعات بعد تقهقرها في الشرق الليبي لجأت إلى حضن «الإخوان» المسلمين في طرابلس.

وحالياً يبدو أن الأزمة الليبية تحتاج إلى تدخلات سلمية لمنع التصعيد، لكن الترحيب الدولي بالمبادرة المصرية التي أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحوار لم تقنع تركيا وحلفاءها في ليبيا، الذين ظنوا أن جبهة الجيش الوطني الليبي قد وهنت، وواصلوا هجومهم نحو سرت. كما أن الرئيس التركي أردوغان الذي تباهى بإفشال هجوم الجيش الليبي على طرابلس، بدا متسرعاً في إعلان نصره وقطف ثمار تدخله الاستعماري، فأعلنت أنقرة أنها بصدد البدء في التنقيب عن النفط في المياه الليبية.

وكذلك، فإن الهجوم على مدينة سرت، هدفه الاستحواذ على حقول نفطية ومواقع التصدير. وقد سارع الرئيس التركي إلى الاستعانة بالرئيس الأمريكي والاتصال به، حيث قال الأتراك إن الرئيسين اتفقا على «مواصلة تعاونهما الوثيق لتعزيز السلم والاستقرار في ليبيا» على حد قولهم.
فالرئيس التركي يريد استثمار اعتراف واشنطن بحكومة الوفاق منتهية الصلاحية، لتمرير مشروعه الاستعماري في ليبيا. وقد كظمت مصر غيظها من التدخل التركي في جوارها، لكن إبراز الإعلام المصري لاجتماع الرئيس السيسي بوزير دفاعه، فيه إشارة إلى أن مصر لن تسمح بوجود أجنبي وإرهابي على حدودها الغربية. فالموقف المصري ما زال متمسكاً بالحل السلمي عن طريق التفاوض بين الفرقاء الليبيين، لكن الأهداف العلنية والسرية لتركيا جعلت أنقرة واتباعها في ليبيا، يرفضون المبادرة المصرية.

لقد حشد الرئيس السيسي دعماً روسياً لمبادرته المتسقة مع الجهود الدولية المتعددة ذات الصلة، لا سيما في ما يتعلق بالحفاظ على المؤسسات الوطنية الليبية، وتقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي التي تسهم في تأجيج الأزمة، والانعكاسات السلبية لذلك على أمن واستقرار الشرق الأوسط. ويحاول أردوغان حالياً تأجيج التوتر بين واشنطن وموسكو حول ليبيا، مستغلاً مطالبة نواب أمريكيين للرئيس ترامب بتفعيل «قانون قيصر» بشأن سوريا. وينص القانون على تجميد مساعدات إعادة الإعمار وفرض عقوبات على الحكومة السورية، وشركات متعاونة معها. ويستهدف القانون أيضاً، كيانات روسية وإيرانية تعمل مع الحكومة السورية. وقانون قيصر الذي وقعه الرئيس الأمريكي في ديسمبر/كانون الأول، يدخل حيّز التنفيذ في منتصف الشهر الحالي، وهذا ما يراهن عليه أردوغان في صراعه مع روسيا في سوريا، ما يسهل مهمته الاستعمارية في ليبيا أيضاً.

يذكر أن أنقرة جندت قرابة عشرة آلاف مرتزق من جماعات تابعة لها شمالي سوريا، ومن شبان سوريين مقيمين في تركيا، إضافة إلى عناصر إرهابية من فلول «داعش» والنصرة وغيرهما، إضافة إلى عدد غير محدد من المستشارين والجنود الأتراك ودفعت بهم إلى ليبيا.

يبدو أن الأزمة الليبية ستشعل مياه البحر المتوسط مجدداً، بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين اليونان وإيطاليا، ما يمنح الجزر اليونانية مياهاً اقتصادية، وهو ما يتقاطع مع ترسيم الحدود البحرية التركية مع حكومة السراج. فالصيف الملتهب سيهب على شرق المتوسط إذا لم يتوافق الجميع على المبادرة المصرية للحوار والمفاوضات، وهي رسالة واضحة لتركيا بأن تكف عن تدخلها في الشأن الليبي، وتترك الليبيين يتوافقون على إيجاد حل. فهل يستمر الصبر المصري على الاستفزاز التركي؟