الأول مـن تـمــوز: اســم الـمــولـــود أبــارتـهــايــد

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع



يوم الأربعاء الماضي، أجرى جهاز الأمن نقاشاً شاملاً، لعدة ساعات حول الآثار المحتملة للضم في الضفة. القيادة السياسية، رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع غانتس لم تدع إليه. دعيت فقط القيادة المهنية. شارك رئيس الأركان أفيف كوخافي، رئيس جهاز الأمن الشاباك نداف أرغمان ومسؤولون من الجهازين. في الصورة الاستخبارية التي عرضت كان ينقص العنصر الحاسم: نوايا رئيس وزراء إسرائيل. يمكن لرؤساء جهاز الأمن أن يشبهوا أنفسهم بدوروتي، بطلة «الساحر من بلاد عوتس»: فهم ينطلقون إلى مغامرة ليس لديهم أي فكرة ما الذي سيحصل فيها وراء القوس.      
فالمفاوضات عن حجم الضم وموعده يديرها نتنياهو مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب والمسؤول في البيت الأبيض عن السياسة في الشرق الأوسط. كل شيء سري: نتنياهو يمتنع عن تبليغ رئيس الوزراء البديل، الكابينيت، الحكومة، الكنيست، جهاز الأمن، الجمهور. لا توجد دراسة تفصيلية، لا توجد خارطة للاطلاع عليها، باستثناء خارطة غير ملزمة نشرت في إطار «خطة القرن» لترامب.
لم يذكر نتنياهو إلا الموعد – الأول من تموز. يرى غانتس بهذا الموعد نقطة بداية لقصة طويلة، نهايتها لا يعلم بها إلا الله. مؤيدون ومعارضون في اليمين يرون فيه موعد نهاية، اليوم الذي يتضح فيه دور نتنياهو التاريخي، هل هو منشئ الدولة الفلسطينية أم ضحيتها.
حسب التقديرات التي طرحت في النقاش، فإنه بانتظار ضباط الأركان في الجيش الإسرائيلي وفي المخابرات عمل جم. ففي شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» سيتعين عليهم أن يفحصوا آثار الضم على اتفاق السلام مع الأردن وعلى استقرار المملكة، كيف سيؤثر الضم على خطوات إيران في سورية، في لبنان وغزة؟ كيف سترد السعودية ودول الخليج؟ ماذا ستفعل السلطة الفلسطينية؟ ماذا ستفعل «حماس» و»الجهاد» في غزة. الضفة وغزة هما جبهتان: حتى اليوم لم تتصد إسرائيل لكليهما في نفس الوقت. يحتمل أن يكون هذا ما سيحصل كنتيجة للضم. والأساس: كيف سيرد الجمهور الفلسطيني؟ هل سيستأنف الإرهاب؟ وإذا كان نعم، فبأي حجم؟     
ستعمل قيادة المنطقة الوسطى والمنطقة الجنوبية على تقديراتها الخاصة، كل قيادة ومنطقتها. الضفة وغزة ستكونان في بؤرة تقدير جهاز الأمن العام – الشاباك. منسق الأعمال في المناطق سيقول هو أيضاً كلمته. وبالطبع، الموساد. في شعبة التخطيط سيعملون على عناصر الأمن، من الجدار والأسيجة حتى الطرق الالتفافية. خطط قديمة ستمتشق من الجوارير. ما الذي ينبغي عمله حتى بناء الجدار؟ وما العمل بعد ذلك؟
شعبة العمليات ستعرض سيناريوهات وطرق عمل، أثماناً بالقوى البشرية وأثماناً بالميزانيات. توجد دائرتان زمنيتان تحتاجان إلى العناية. الأولى تبدأ بعد البيان الرسمي، والثانية موجودة هنا منذ الآن. في اللحظة التي ذكر فيها نتنياهو الموعد، تغيرت قواعد اللعب. السلطة الفلسطينية أعلنت عن وقف التنسيق الأمني. وكان رد الفعل الأولي استخفافياً: فهم يزيفون. تبين أنهم لا يقصدون ما يقولون. فقد أوقفوا التنسيق ورفضوا تلقي المال لدفع الرواتب. هذه مؤشرات مقلقة.
ومع ذلك، علامة استفهام تحوم فوق الآثار على الأرض. قبل بضعة أيام أدخل الجيش الإسرائيلي مجموعة من الزوار إلى قبر يوسف في نابلس، وفقاً للاتفاق. كانت هذه تجربة، أدخلت كل المنظومة في حالة توتر. مرت الزيارة بسلام. هذا لا يعني الكثير بالنسبة لما سيحصل في المستقبل: العلاقات على الأرض تفحص كل يوم من جديد.
عند حلول اليوم سيدعى رئيس الأركان ورئيس المخابرات لعرض تقديراتهما على الكابينيت. وسيعرضان سلسلة طويلة من التوصيات. من السهل التخمين: التقديرات والتوصيات لن تعجب الوزراء الذين يؤيدون الضم. ستعرض سيناريوهات قاسية، متشائمة، سيناريوهات متطرفة. المطالب المالية ستكون كبيرة. وسيتهم الوزراء جهاز الأمن بالجبن واليسروية. والأسوأ من هذا: بمحاولة إرضاء نوايا غانتس الخفية.
هذا سجل من مواجهة معروفة مسبقاً. حتى قبل أن يصدر عن هيئة الأركان تقدير واحد، يدعو وزراء في الليكود إلى تجاهله. جهاز الأمن، مثل جهاز القضاء، مثل الشرطة، مثل الإعلام، يعتبر كجهة مزعجة، هدامة للاحتفالات. ونتنياهو لا يحب النذر السيئة، باستثناء «كورونا».

رئيس بلدية سماريا
«ذات مرة جلست في مكتب في القدس، ليس مهماً مكتب من»، يقول يوسي داغان، رئيس المجلس الإقليمي- السامرة. «قالوا لي: الرئيس أوباما هو عدو إسرائيل، وعليه فمحظور الصدام به. بعد سنين جلست مرة
أخرى في المكتب ذاته. قالوا لي: الرئيس ترامب هو محب إسرائيل، وعليه فمحظور الصدام به».
داغان لم يعد منذ الآن يدعى إلى المكتب إياه: فهو مقاطع. والمقاطعة تسهل عليه إدارة كفاحه ضد خطة الضم. توجد نقطة في الكفاح الذي يخوضه الآن في داخل اليمين، لا يكثرون الحديث عنها: تأثير داغان على المستوطنين في السامرة لا يقلق نتنياهو. ما يقلقه هو تأثير داغان وآخرين على مزاج الإفنجيليين في أميركا. أحيانا يلتقي المحلي بالعالمي. يبدو هذا مهزوزا، ولكن هكذا يسمع أيضاً رفيف أجنحة الفراشة التي تحدث الأعاصير.
من أجل الانتصار في الانتخابات في تشرين الثاني، يحتاج ترامب لدعم الإفنجيليين. تصويتهم حيوي في الولايات المترددة، لا سيما في الجنوب. في 2016 صوتوا له بجموعهم – ليس مؤكدا أنهم سيفعلون ذلك هذه المرة. في يوم الخميس الماضي أمطرت الشرطة والجيش الغاز المسيل للدموع على الجماهير التي تظاهرت قانونياً أمام البيت الأبيض. وقد شقت هذه القوات الطريق لترامب الذي اجتاز سيراً على الأقدام الميدان إلى الجانب الآخر ووقف لتلتقط له صورة أمام الكنيسة، في محيط الميدان. امتشقت ابنته إيفانكا إنجيلاً من حقيبتها، فرفعه هو فوق رأسه ودعا، باسم القانون والنظام، لصد المتظاهرين في المدن الرئيسة في أميركا بالقوة. وكان الهدف هو التوجه إلى المخاوف والآراء المسبقة للمؤمنين على أنواعهم، وعلى رأسهم الإفنجيليون. أما النتيجة فكانت معاكسة: الكنائس الإفنجيلية هي التي نظمت التظاهرة الكبرى ضد ترامب، بعد ثلاثة أيام من ذلك.
باختصار، لم يعد بوسع ترامب أن يعتمد على تصويت الإفنجيليين، بمن فيهم أولئك الذين يعشقون بلاد إسرائيل ويستمعون للمستوطنين. وضع حساس. وعليه فعندما انتقد رئيس مجلس «يشع» دافيد الحياني خطة ترامب، أرسل يريف لفين على الفور لمهاجمته بفظاظة. لقد سبق لترامب أن اتهم نتنياهو ذات مرة بالكذب. من يدري ما الذي سيغرد به هذه المرة؟
يفهم داغان قوته. وهو يقول: إن «الإفنجيليين يسمونني «رئيس بلدية سماريا»، بالنسبة لهم هذا أمر هائل». وهو يطلب من نتنياهو أن يقفز عن ترامب وكوشنر ويقول: «لقد ضم أشكول شرق القدس رغم الأميركيين، وبيغن ضم الجولان رغم الأميركيين. أما أن نقول: إن كل خطوة نفعلها متعلقة بموافقة الأميركيين.. فهذا ليس صحيحاً وليس نزيهاً تجاههم في نفس الوقت».
وهو مقتنع بأن ثمن التوافق مع ترامب عالٍ جدا. «الثمن هو إقامة دولة إرهاب، 30 ألف نسمة سيتعفنون في بلدات منعزلة، وفي تجميد البناء».
يوجد لدي تقدير آخر بالنسبة لما سيحصل على الأرض إذا ما تحققت خطة نتنياهو: في المرحلة الأولى لن يحصل الكثير، في المرحلة الثانية سيقوم في الضفة نظام أبارتهايد، في المرحلة الثالثة، النظام سينهار. ولكن داغان يرى على نحو سليم ضعف نتنياهو تجاه الاعتراف الأميركي. إسرائيل ازدهرت من دون اعتراف أميركي بغرب القدس. نتنياهو يعول على أميركا التي لم تكن، على أميركا التي لن تكون.
يقول داغان: إن «من يحاول أن يحْبك نزاعاً من مئة سنة بخيط واحد، يفشل. الشرق الأوسط يحتاج إلى طبخ بطيء. فهو ليس ماكدونالز».
كثيرون على قناعة بأن السعي إلى الضم يعبر عن رغبة نتنياهو في ترك أثر على التاريخ. أخيرا، يبحث الرجل عن إرث. ربما. المشكلة هي أنه لا يمكن لأي رئيس وزراء أن يقرر إرثه في حياته. بيغن اعتقد أن التنظيم السري كان إرثه. فخرج له السلام مع مصر. رابين اعتقد أن الانتصار في حرب الأيام الستة هو إرثه. فخرج له اتفاق أوسلو والاغتيال. ضم أم لا ضم، في النهاية سيتبين أن إرث نتنياهو هو ابنه.

عن «يديعوت أحرونوت»