"شعارات" نتنياهو أمام اختبار الضمّ الممكن

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


ليست للمرة الأولى، هناك فجوة بين التصريحات التي ينثرها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبين العملية التي يمكن أن يطبقها بالفعل. نتنياهو يراكم منذ أشهر توقعات في اليمين بخصوص ضم في غور الأردن والمستوطنات في الضفة. ولكن كلما اقترب الموعد الأصلي الذي تم تحديده للبدء في النقاشات في الضم الذي هو 1 تموز، فإن خطته تواجه بمعارضات وصعوبات. وهي حتى لا تلبي توقعات جزء كبير من قيادة المستوطنين، الجمهور الذي أراد أن يرضيه من البداية. في هذه الأثناء يبدو أن فرض السيادة يمكن أن يتحقق، حتى لو كان ذلك بصورة متأخرة وبتقليص مقارنة مع التصريحات الأصلية.
إن رهان نتنياهو يستند إلى تحليل نافذة الفرص. أشهر الصيف التي فيها كان يأمل أن يشرك معه إدارة ترامب بذريعة أن الضم هو نتيجة طبيعية لرفض الفلسطينيين الكاسح لخطة السلام للرئيس الأميركي. الخطوة كان يمكن كما يبدو أن تفيد سياسياً حتى دونالد ترامب، في إذكاء حماس مصوتيه الإفنغلستيين والذين يؤيدون نتنياهو أيضاً قبل الانتخابات للرئاسة في تشرين الثاني. ولكن ترامب الآن يواجه عدداً غير مسبوق من الأزمات، الاقتصادية والصحية، حول فيروس كورونا، واحتجاجاً واسعاً يشمل جميع الولايات بسبب عنف رجال الشرطة تجاه مواطنين سود. ويمكن الافتراض أن خطة الضم لنتنياهو لا تقف على رأس اهتماماته.
في هذه الأثناء عبر المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن، عن معارضة شديدة للضم. وموقف مماثل اتخذه أيضاً الاتحاد الأوروبي الذي يمكن أن يفرض عقوبات على إسرائيل، خلافاً لبالونات التهدئة الكاذبة التي تطلقها صحيفة المقر في بلفور. وهناك أيضاً أزرق أبيض، فرئيساه بني غانتس وغابي أشكنازي يجريان اتصالات متواصلة مع طاقم السلام في البيت الأبيض بهدف مزدوج: إطالة الجدول الزمني من أجل تطبيق عملية الضم وتقليص نطاقه – ربما ليصل حتى إلى خطوة رمزية في الكتل الاستيطانية وعلى رأسها غوش عصيون. في هذا الأسبوع ورد من الأردن أن غانتس، رئيس الحكومة البديل، يمكن أن يزور المملكة كجزء من جهود التهدئة الإقليمية.
يقف أيضاً من وراء خطوة نتنياهو خلفية أيديولوجية أيضاً: رئيس الحكومة، صاحب فترة الولاية الأطول في تاريخ الدولة، يبحث عن خطوات تخلد إرثه التاريخي. ولكن مثل أي شيء آخر يفعله في هذه الأيام، يصعب فصل خطة الضم عن البند رقم 1 في جدول أعمال نتنياهو – جهوده للنجاة من الإدانة والسجن. «نتنياهو يوجد بالفعل على الحزام الناقل في طريقه لمواصلة محاكمته»، قال شخص عمل معه لسنوات كثيرة. «أي خطوة يتخذها الآن تتأثر بذلك».
بهذا المعنى، فإن الضم هو مناورة أخرى من أجل البقاء، مثل جميع الخطوات الأخرى التي يتم فحصها في محيط نتنياهو: الإعلان عن انتخابات رابعة مع استغلال ثغرة في الاتفاق الائتلافي تمس بالمصادقة على ميزانية الدولة، الترشح لرئاسة الدولة، أو في سيناريو متطرف، تأييد ترشيح إسحق هرتسوغ للرئاسة على أمل الحصول على صفقة عفو مقابل الاستقالة.
عندما تكون حرية نتنياهو الشخصية على كفة الميزان، فإن جميع الوسائل مشروعة. هذا صحيح بشأن الانقضاض العنيف لليكود على المراسل رفيف دروكر في أعقاب تقرير «المصدر»، أول من أمس، في القناة 13 عن «واللاه» («في دولة سليمة كان يجب أن يكون في السجن»). هذا صحيح أيضاً بخصوص الجبهة الأمنية التي فيها تصرف نتنياهو بشكل عام بحذر ومسؤولية خلال سنوات. علامات الضعف ظهرت هناك أحياناً في سياق الجولات الانتخابية الثلاثة المتواصلة.
ورغم التهديدات العلنية لقيادة السلطة الفلسطينية، فإن التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة مستمر، حتى لو كان في نطاق ضيق ومن دون الكشف عنه. في جهاز الأمن يقلقون من احتمالية أنه في حالة التصعيد سيدخل أيضاً آلاف نشطاء المنظمة المسلحين إلى دائرة العنف للمرة الأولى منذ 15 سنة تقريبا. وفي قطاع غزة الذي تستمر فيه فترة هدوء استثنائية، يتابعون بتوتر ما يجري في الضفة الغربية. فإذا اندلعت أعمال العنف فمن المشكوك فيه إذا كانت سلطة «حماس» ستستطيع الجلوس بهدوء.
قبل أسبوعين ونصف الأسبوع على الموعد المحدد، فإن نتنياهو يشرك أزرق أبيض فقط بصورة محدودة في أفكاره. المستوى الأمني الرفيع مبعد تماما، ويكتفي بالنقاشات مع الوزير المعين غانتس. وطوال الخمس سنوات الأخيرة حافظت الاستخبارات العسكرية على تحذير إستراتيجي لم يتحقق، حول إمكانية اندلاع مواجهة كبيرة في الساحة الفلسطينية. والشاباك حذر من تصعيد أكثر تحديداً في أزمة البوابات الإلكترونية في الحرم في صيف 2017. وحتى الآن، فإن صوت رئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الشاباك نداف أرغمان لم يسمع بعد. ويصعب تصديق أن هذا الصمت سيستمر في شهر تموز إذا تم تقدم جهود الضم.
هذه لن تكون المواجهة الأولى. فعندما تم طرح مبادرة كلينتون في نهاية العام 2000 اهتم رئيس الأركان في حينه، شاؤول موفاز، بإصدار وثيقة صاغها العميد مايك هرتسوغ. هذه الوثيقة عرضت بالتفصيل عدد من التداعيات الأمنية الإشكالية التي لاحظها الجيش في هذا المسار. أيهود باراك، رئيس الحكومة ووزير الدفاع في حينه، غضب ولكنه ضبط نفسه. أيضاً لنتنياهو لن يكون مناص من الإصغاء إلى هذه الأقوال.

الخطة متعددة السنوات ذابت
قبل بضعة أشهر من ذلك عندما عمل باراك على عقد قمة كامب ديفيد مع بيل كلينتون وياسر عرفات، التقى بشكل خاطف مع موفاز في قاعة متسادا في مطار بن غوريون، قبل لحظة من سفره. رئيس الأركان اكتشف في حينه أن باراك يريد تقليص مليار شيكل في ميزانية الدفاع. وبعد فترة قصيرة على فشل كامب ديفيد اندلعت الانتفاضة الثانية – موفاز الذي أراد إجراء المزيد من الثورات في الجيش وجد نفسه عالقاً مع الجنود في مخيمات اللاجئين وفي قصبات المدن في المناطق.
أمر مشابه يمكن أن يحدث في القريب مع مرؤوسه من سلاح المظلات، كوخافي. منذ سنة ونصف السنة يراكم رئيس الأركان الحالي خطط طموحة لتطوير الجيش الإسرائيلي، فقط من أجل أن يكتشف أن الواقع يحطم أي احتمالية حقيقية لتحقيقها. في البداية حدث التورط السياسي بخصوص الجولات الانتخابية الثلاثة التي منعت الحكومة من مناقشة الخطة متعددة السنوات «تنوفا» والمصادقة عليها. في الشتاء اندلعت أزمة «كورونا»، التي غيرت بالكامل جدول الأعمال. مع عجز بلغ أكثر من 80 مليار شيكل والذي يتوقع أن يزداد، فإن القدرة على إقناع المستوى السياسي بالموافقة على طلبات الجيش الإسرائيلي آخذة في التقلص. احتياجات أخرى مثل تحسين جهاز الصحة ومساعدة أصحاب المصالح التجارية والعاطلين عن العمل الذين تضرروا، أصبحت على رأس سلم الأولويات.
المراقبون يلاحظون أن الجيش غارق في مناورة تفكير إيجابية: رغم ذلك الخطة ستتحرك. وفي هيئة الأركان يقدمون إيجازات للإعلام عن تغييرات بنيوية وعن تحويل موارد داخلية لغاية تحريك أجزاء من الخطة متعددة السنوات. ولكن الحقيقة المحزنة هي أنه من دون مصدر تمويل منظم، لن يكون لكوخافي خطة متعددة السنوات، بل فقط خطط صغيرة غير ملازمة.
في خطاب في احتفال عسكري جرى هذا الأسبوع، حذر رئيس الأركان من أن تقليص ميزانية وزارة الدفاع «سيكون خطأ كبيراً، الذي جيوش ودول على مدى التاريخ، بما في ذلك دولة إسرائيل، دفعوا مقابله ثمناً باهظاً جداً». ولكن خلافاً لصراعات سابقة على الميزانية يبدو أنه في هذه المرة يأتي الجيش إلى المواجهة مع وزارة المالية في ظروف متدنية إزاء الوضع الاقتصادي. غانتس مر بتجربة صعبة مثل رئيس الأركان عندما تم تجميد ما لا يقل عن ثلاث خطط متعددة السنوات قدمها للحكومة. هو يريد تقديم الدعم لكوخافي، لكن كما يبدو فقط حتى حدود معينة. ويجب عليه أن يأخذ في الحسبان أيضاً المصالح الوطنية، ووزراء حزبه الذين كل واحد منهم يخاف على ميزانية وزارته. ومن أجل تطبيق جزء من طموحاته، سيضطر رئيس الأركان إلى التنازل.
أحد الحلول التي تظهر هو نشر خطة التسلح على فترة عقد تقريبا. ولكن سيكون من المطلوب تقديم تنازلات أخرى. حتى الآن كوخافي عارض بشدة تقليص آخر بشهرين، في فترة خدمة الشباب في الجيش، لتصبح سنتين ونصف السنة (سلفه، غادي آيزنكوت، كان يميل للموافقة على ذلك)، وهو يؤجل نقل قواعد قسم الاستخبارات إلى النقب بسبب الخلاف على إقامة سكة حديد تخدم الجنود في هذه القواعد، وفي عهده قفزت نسبة رجال الخدمة النظامية إلى ما يقرب 42 ألف شخص مقابل 38500 في نهاية ولاية آيزنكوت. ووفقاً لذلك ازدادت أيضاً نفقات الرواتب في الجيش الإسرائيلي بحوالى 250 مليون شيكل في السنة. جميع هذه الأمور ستشكل ذخراً لوزارة المالية في مطالبتها بزيادة نجاعة الجيش مقابل تخصيص جزء من الميزانية.

صفقة القرن الأخرى
إلى جانب الاستعدادات للضم، القيادة السياسية عادت إلى الانشغال بصورة أكبر أيضاً بإيران. في الأسبوع الماضي أطلقت إيران سراح سجين أميركي تم احتجازه مدة سنتين، على الفور بعد إطلاق سراح أميركا لسجين إيراني كان محتجز لديها. إيران أعلنت أنها مستعدة لصفقة تبادل أسرى أخرى. ترامب غرد في «تويتر» بأقوال ثناء حماسية للإيرانيين وطلب منهم بشكل مباشر: «لا تنتظروا إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية من أجل عقد الصفقة الكبرى. أنا سأفوز. يمكنكم عقد صفقة أفضل الآن».
ترامب قصد الذرة. فقبل سنتين انسحب من الاتفاق النووي مع إيران بتأثير مباشر من صديقه نتنياهو الذي وصف الاتفاق بكارثة إستراتيجية وحذر من نتائجه على إسرائيل. وفي شهر كانون الثاني أمر ترامب بخطوة فاجأت حتى جنرالاته وأيضاً شخصيات رفيعة في إسرائيل، باغتيال شخصية رفيعة في حرس الثورة، الجنرال قاسم سليماني. ولكن إلى جانب الخط المتشدد لعقوبات اقتصادية واستخدام القوة، فإن الرئيس الأميركي يعطي تلميحات طوال الوقت بشأن رغبته في استئناف المفاوضات المباشرة بهدف التوصل إلى اتفاق نووي جديد.
إيران لا تظهر أي علامات متحمسة. جزء من أجهزة المخابرات الغربية تقدر بأن قيادتها تفضل الانتظار إلى شهر تشرين الثاني على أمل أن يهزم ترامب ويصبح بايدن شريك أسهل في المفاوضات. نتنياهو، على أي حال، قلق كما يبدو من احتمالية أن الرئيس ستغريه المحادثات بهدف أن يعرض إنجاز في السياسة الخارجية قبل الانتخابات. ويمكن الافتراض بأنه يخصص وقت غير قليل لجهود إقناعه للبيت الأبيض.
أول من أمس، في لقاء مع وزير الخارجية الألماني، دعا رئيس الحكومة إلى زيادة الضغط على إيران وذكر بالتقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة النووية الذي ورد فيه أن إيران تواصل خرق التزاماتها وإخفاء المواقع المشبوهة للنشاطات النووية العسكرية.

عن «هآرتس»