تحليل خاص

في ظل الحصار المالي.. هل أصبحت المواجهة الشاملة في غزّة قاب قوسين أو أدنى؟

التصعيد
حجم الخط

غزة - خاص وكالة خبر - مي أبو حسنين

تلوح احتمالات التصعيد العسكري في قطاع غزّة في الأفق مُجدداً، بعد حالة هدوء نسبية رافقت ما تُسمى بـ"التسهيلات" التي تبعت تفاهمات التهدئة الغير مباشرة بين حركة حماس من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهةٍ أخرى، برعايةٍ مصرية وأممية.

وقف إدخال المنحة القطرية في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تُعاني منها السلطة الفلسطينية وعدم مقدرتها على تسديد رواتب موظفيها، عقب حصار مالي فرضته عليها "إسرائيل" بسبب إعلان وقف الاتفاقات مع الحكومتين الأمريكية و"الإسرائيلية" بما فيها الأمنية، ألقى بظلالٍ كبيرة على الأوضاع الاقتصادية في القطاع المحاصر منذ 13 عاماً وما يزيد.

مُجدداً بدأت وحدات الفصائل الفلسطينية الشبابية في قطاع غزّة بإطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة صوب مستوطنات غلاف القطاع، وفق ما اصطلح تسميته بـ"الأدوات الخشنة" لمسيرات العودة وكسر الحصار، الأمر الذي يفتح التساؤلات عن إمكانية اندلاع تصعيدٍ عسكريٍ جديد، خاصةً مع قرب تطبيق "إسرائيل" مشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن والبحر الميت.

إشارات التصعيد

بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي هاني حبيب، أنّ احتمالات التصعيد باتت واضحة، بعد استئناف إطلاق البالونات الحارقة بين حدود قطاع غزّة ومستوطنات الغلاف.

وبيّن حبيب في حديثٍ خاص بوكالة "خبر" أنّ استئناف الأدوات الخشنة عبارة عن رسالة واضحة من قبل قوى قطاع غزة، مفادها أنّ عدم التزام "إسرائيل" بتعهداتها للتهدئة وما تُسمى "التسهيلات" التي التزمت بها وفقًا لتفاهمات سابقة فإنّ عملية التصعيد أصبحت مرجحة.

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، حسن عبدو: "إنّه يجب الانتباه إلى أنّ منشأ التصعيد إسرائيلي وليس فلسطيني، وأنّ دولة الاحتلال تعمل على محورين، الأول هو مشروع الضم الذي يُلغي الهوية الوطنية الفلسطينية، وبمثابة إعدام سياسي لكافة فئات شعبنا، وبالتالي هذا أحد أهم عوامل التفجير سواء في الضفة أو غزّة". 

وتابع عبدو خلال حديثه لـ"خبر": "المحور الثاني هو تجديد الحصار المفروض على قطاع غزّة، وحرمانه من المساعدات الخارجية كالمنحة القطرية وغيرها، وبالتالي احتمالية التصعيد واردة"، مُردفاً: "إذا استمر الاحتلال في تصعيده فمن المتوقع أنّ يؤدي ذلك لردود فعل مختلفة سواء في الضفة أو غزّة".

أما المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأمة، حسام الدجاني، بيّن أنّ المنحة القطرية ليست مرتبطة بالتصعيد، وإنّما بالأدوات الخشنة لمسيرات العودة؛ بمعنى أنّه في حال أوقفت أو أخلت "إسرائيل" ببند من بنود التفاهمات، فمن حق الفصائل والشعب الفلسطيني ممارسة المقاومة السلمية ومنها البالونات الحارقة.

واستدرك الدجني خلال حديثه لـ"خبر": "لكنّ هناك متغيرات أخرى ربما تجر المنطقة إلى التصعيد، وهو قرار الضم الذي يُعد بمثابة مؤشر لانفجار الأمور"، مُضيفاً: "في حال كانت السلطة جادة في التحلل من الاتفاقات، فإنّ ذلك سيؤدي لتوحيد الشعب الفلسطيني".

وشهد عام 2012 بداية الدور القطري في تقديم المنح المالية الكبيرة إلى قطاع غزّة، بعدما زار الأمير السابق لقطر، حمد بن خليفة، القطاع، وأعلن صرف مبلغ 407 ملايين دولار للإنشاءات والبنى التحتية فيه، قبل أنّ يرفع المبلغ إلى مليار في "مؤتمر إعمار غزة" الذي عُقد في العاصمة المصرية القاهرة بعد حرب عام 2014.

عودة المسيرات بشكلٍ محدود

وبشأن احتمالية عودة مسيرات العودة، قال الدجني: "إنّ مسيرات العودة حق وشكل من أشكال المقاومة لها ما لها وعليها ما عليها، ومن حق الشعب دراسة خياراته المطروحة"، داعياً إلى عودتها على قاعدة تقليل الخسائر البشرية وتعزيز المكاسب الإعلامية والسياسية.

فيما أوضح عبدو أنّ "إسرائيل" تُحاول تضخيم البالونات وتسميها بـ"بالونات حارقة ومتفجرة"، لأغراض دعائية وهي رسائل شعبية أكثر من كونها وسائل قتالية، مُشيراً إلى أنّها رسائل شعبية أيضاً، تُفيد بعدم مقدرة الشعب الصبر على ممارسات الاحتلال في تشديد الحصار ومنع المساعدات.

كما رجّحَ حبيب أنّ تعود المسيرات في إطار محدود من أجل السيطرة عليها وعدم التصعيد الذي قد يؤدي إلى ما هو أوسع من ذلك، مُعتقداً أنّ كافة الأطراف ستحافظ على عدم التصعيد والانتقال إلى مواجهة شاملة.

وأضاف حبيب: "الحفاظ على حالة الهدوء، سببه هو التساؤل إنّ كان التصعيد سيستخدم من أجل الحصول على تسهيلات في إطار ما يُسمى بالحل الاقتصادي كبديل عن السياسي أم لا؟"، مُردفاً: "هذا السؤال يجب أنّ يتم طرحه على ضوء هذه الإشارات".

وكانت الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار التي تشرف عليها الفصائل الفلسطينيّة، قد قررت في 26 ديسمبر 2019، خلال مؤتمر صحفي بمدينة غزة، تحويل مسيرات العودة التي تنظّمها بشكلٍ أسبوعيّ على الحدود الشرقيّة مع إسرائيل لمدّة 3 أشهر، إلى مسيرة شهريّة بدءًا من آذار/مارس المقبل.

المعركة الأساسية

وفيما يتعلق بعودة موجات التصعيد للقطاع عبر استئناف فصائل المقاومة إطلاق الصواريخ، رأى حبيب أنّه في ظل نظام القوى القائمة والتدخلات المحتملة، باتت احتمالات التصعيد كبيرة في الضفة، وذلك على ضوء مخططات ضم الغور ومستوطنات البحر الميت.

وأكّد حبيب على أنّ المعركة الأساسية هي "معركة الأرض والإنسان في الضفة الغربية"؛ لأنّ العملية تُعطى تأثيرًا مباشرًا على كل مواطن فلسطيني، لافتاً إلى أنّ أنّ الضفة الغربية تُقود استحقاقات المواجهة وعلى الكل الفلسطيني في قطاع غزة ومناطق الـ48 والشتات دعم عملية مواجهة المخططات والانخراط بها.

من جهته، أوضح الدجني أنّ سيناريو المواجهة في الضفة يحكمه جدية نتنياهو في الضم، ورفض الرئيس عباس لمخطط الضم من خلال اتخاذ خطوات مؤثرة.

أما عبدو فرأى أنّه إذا ما استمر الاحتلال في تصعيده سواء في الضفة أو غزّة بهذه الطريقة، فإنّ ذلك سيقود لردود فعل على المستوى الشعبي، ما قد يؤدي لتدخل الفصائل الفلسطينية على خط المواجهة.