وحدة 8200، القاعدة المشبعة بالهرمونات ، وأحد رجال احمد جبريل

حجم الخط

هآرتس – بقلم يوسي ملمان

في الثمانينيات الاجواء في القاعدة الشمالية لوحدة 8200 كانت مشبعة بالهرمونات. الطواقم عملت على مدار 24 ساعة – تصنفوا، سجلوا، حللوا وحلوا رسائل ومحادثات. بعيدا عن منازلهم أكلوا في نفس غرفة الطعام وبعد ساعات العمل ايضا قضوا وقتهم معا في الغابات التي تقع قرب قبور الصديقين.

​“يرون في الظلام” (كتاب من اصدار برديس)، هو كتاب جديد لحاجي دغان، وهو رواية بوليسية متعددة الطبقات، تصف بمهارة كبيرة المزاج السائد في وحدة جمع المعلومات وتحليل الشيفرات في قسم الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي. هذه رواية خيالية، لكن عدد غير قليل من فصولها تصف الواقع كما هو. هذا ليس كتاب يمكن من المقارنة بين الابطال والشخصيات الحقيقية. ومع ذلك، يمكننا أن نعرف منه عن الوحدة 8200، مهماتها، عملياتها، طرق عملها والعلاقة بينها وبين الاذرع والاقسام الاخرى في جهاز الاستخبارات – وحدة 5400 في الاستخبارات العسكرية والموساد والشباك.

​وحدة 8200 تعتبر وحدة جمع المعلومات الرئيسية للاستخبارات العسكرية، وهي فعليا العمود الفقري والجهاز العصبي لجهاز الاستخبارات كله. وقد تأسست مع حرب الاستقلال وتشكيل الجيش في العام 1948، واسمها الاول كان “ش.م 2” (جهاز المخابرات رقم 2). ومنذ البداية كان مخطط أن تكون وحدة التنصت والتسجيل وعمليات البث المختلفة مثل خطوط الهاتف والبرقيات. مهمة الوحدة حددت كالتالي: الحصول على معلومات عن العدو في كل مناطقه عن طريق التنصت على بثه ومحادثاته وحلها.

​اثناء حرب الاستقلال وصلت الوحدة بقيادة القائد الاول مردخاي الموغ الى انجازات. في 2005 كتب في “هآرتس”، اوري درومي بأنه “في الهدنة الثانية في معارك 1948 نجح شاؤول شماي، من اصل عراقي ومن اعضاء الوحدة، الى حل شيفرة الجيش المصري… واعلمنا بأن الجيش المصري في النقب تلقى أمر بالانسحاب المؤقت، الامر الذي غير جميع خطط الجيش الاسرائيلي”. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن نجح مركز الشيفرات في الوحدة 8200 في حل شيفرات كثيرة لجيوش ودول معادية، وايضا شيفرات دول اخرى. في العقد والنصف الاخيرين تتركز جهود الجمع في الوحدة 8200 على الحصول على معلومات استخبارية وحل الشيفرات المتعلقة بايران. انجاز آخر للوحدة في ذلك الوقت كان حول المحادثات على اتفاقات الهدنة في رودوس (1949)، عندما نجح ابراهام ايلوني، نائب الموغ، في التنصت على محادثات المبعوثين المصريين، الامر الذي منح اسرائيل افضلية في المفاوضات. طريقة التنصت على مكالمات مبعوثي دول العدو، مثل ايران، الذين يحضرون لاجراء محادثات وحضور منتديات دولية، ساعدت جدا اسرائيل ايضا على مر السنين.

​منذ بدايتها وحتى الآن تشغل الوحدة شرقيين ورجال حواسيب واخصائيين بالرياضيات وخبراء في نظرية الالعاب والخوارزميات. من الكتاب يمكن الاستنتاج عن التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية للوحدة، التي رغم التغييرات التي مر بها المجتمع الاسرائيلي، تميزها حتى الآن. في بدايتها خدم في الاساس مهاجرون من دول عربية اتقنوا اللغة العربية باللهجات المختلفة وسياقاتها الثقافية. وفي الخمسينيات سميت الوحدة 515، وكانت نكتة تقول إنه يوجد فيها 500 من المهاجرين الشرقيين من مصر وسوريا والعراق (عدد غير قليل منهم من رجال اللاسلكي في شركة القطارات العراقية) و15 اشكنازي.

​كجزء من طريقة العمل فان رجل اللاسلكي (المتنصت) يلتقط محادثات في شبكات الاتصال، واذا وجد في احدها أمر هام، كتب عنه ملخص وحوله الى مسؤول الشبكة، ومن هناك الى ضابط تحليل الشبكة من اجل استخلاص العبر. واذا كان الملخص غير كاف فان المسؤول يطلب الحصول على التسجيل بالكامل وينقله من اجل تحليله. أي التنصت والنص الكامل للمحادثة. التقدير لجزء من التسجيلات الميثيولوجية للوحدة كان عال جدا، الى درجة أنه قيل بأن لها أذن بمساعدتها تمكنوا من فهم اللهجة التي سعلت بها الشخصية التي يتم التنصت عليها.

​عندما وصل الى الوحدة، الابناء والبنات من الاعضاء الاوائل، كانت لغتهم العربية أقل ثراء. ولكنها ما زالت مفضلة على العربية التي تم تعلمها في معهد اللغة العربية. البنية و”السلسلة الغذائية” في الوحدة كانت واضحة: في اسفل السلم كان يوجد رجال ونساء اللاسلكي (في احدها كان يوجد بطل الرواية)، بشكل عام جيل ثان من المهاجرين من الدول العربية، في حين أن المسؤولين كانوا في معظمهم من اصل اشكنازي.

​حالة فوضى في لبنان

​حاجي دغان ولد في العام 1964 في كيبوتس عين همفراتس، التابع لهشومير هتسعير. ودرس في المؤسسة التعليمية نعمان. والده، من اعضاء مبام،آمن بالتعايش والسلام بين اليهود والعرب، كان في شبابه مرشد في حركة شبيبة عربية. ايضا حاجي انجذب للغة وتعلم في معهد جفعات حبيبا، الذي اقيم من قبل هشومير هتسعير كأداة تعليمية وقيمية. ولكن لهذا المعهد خرجت سمعة كدفيئة ابداعية للشباب والفتيات. وليس عبثا سمي الاسم بالانجليزية فاني هيل على اسم الرواية التي كتبها جون كلايلاند في القرن الثامن عشر. وفي رواية “يرون في الظلام” يعقد البطل، المحاضر في الفكر اليهودي في كلية في الجنوب، دورة للأدب الاباحي. وسواء بالصدفة أم لا، دغان هو اليوم باحث في اليهودية والفكر الاسرائيلي في كلية تسفير، واحدى الدورات التي عقدها كانت حول الأدب الشهواني.

​وعلى كل الاحوال، بعد أن تعلم في جفعات حبيبا تجند دغان للوحدة 8200 ودرس ثمانية اشهر في معهد للغة العربية ودورة للمخابرات، ومن هناك واصل الى المرحلة المهنية، الذكاء الشبكي والتشفير. وبعد خمس سنوات، في 1989، تم تسريحه وهو في رتبة نقيب. والمؤسسة ارادت تجنيده لكنه فضل التوجه الى مسار اكاديمي. وكمختص في الذكاء الشبكي تم ارسال دغان لمتابعة التنظيمات الفلسطينية التي عملت في لبنان، منها الجبهة الشعبية – القيادة العامة، بقيادة احمد جبريل، التي حصل اعضاءها من الجيش السوري على وسائل اتصال اساسية، بواسطتها تحدثوا فيما بينهم.

​ورغم أن رجال احمد جبريل لم يكونوا يدركون تقريبا أمن الميدان، إلا أنهم لم يكونوا فريسة سهلة لاعضاء 8200. “هم تحدثوا عبر الاتصال عن كل شيء، خطط وعمليات وعن امور شخصية”، قال دغان، “لكن لأنه لم يكن لديهم تعليمات داخلية (اجراءات منظمة للحديث عبر اجهزة الاتصال)، كان من الصعب تحليل اقوالهم”. من جهة اخرى، ربما أن هذه الحقيقة ساعدت في تنفيذ عدد من مؤامراتهم على مر السنين. وفي العام 1985 مثلا، أسرت الجبهة الشعبية ستة جنود من الجيش الاسرائيلي من لواء الناحل، في لبنان واجبرت اسرائيل على الموافقة على احدى صفقات تبادل الاسرى الكبرى التي تمت. وبعد سنتين اخترق اعضاء هذه المنظمة بصورة جريئة اسرائيل بواسطة طائرتين شراعيتين (“ليلة الطائرات الشراعية”). احدى الطائرات هبطت قرب كريات شمونة وقتلت ستة جنود. الحادثة حظيت بتغطية غير مباشرة في الكتاب. ورغم التفاخر بالايديولوجية الماركسية، إلا أن احمد جبريل كان في المقام الاول عبد مطيع للنظام السوري. “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” كانت ايضا من التنظيمات الاولى التي تعاونت مع حرس الثورة الايراني.

​“في خدمتي في 8200 ركزت على الساحة اللبنانية التي كانت تسودها الفوضى والانحراف”، قال دغان، “عندما وصلت الى القاعدة في 1985، كان لبنان بالفعل غرب متوحش مع كل انواع المجانين الذين كانوا يركبون في كل ليلة في سيارات التندر التي تحمل مدفع أو قاذفات كاتيوشا متحركة من صنع كوريا، ويحملون اجهزة اتصال تكتيكية فيها كانوا يتحدثون طوال الليل. كان يجب أن نقوم بترتيب في هذه الفوضى. كمتنصت شاب القيت علي مسؤولية جدية جدا وهي أن أتولى لوحدي مناوبات طويلة كان يجب فيها اتخاذ قرارات حاسمة كان لها تأثير مباشر على حياة البشر. كنت في بؤرة الاحداث عندما حدث عدد غير قليل من العمليات والهجمات على مواقع في القطاع الامني وفي اراضي اسرائيل ايضا، بما في ذلك اختطاف رون اراد. جزء بارز من هذه المحاولات منع وجزء لم يتم منعه”.

​“العمل الاستخباري كان احيانا ممتع واحيانا كان تقني وممل جدا”، قال واضاف “ليس صدفة أن التأهيل الاستخباري وصف في الكتاب مع هالة رومانسية تقريبا وكأن الامر يتعلق بترتيب ديني لخادمي الله، الذين يشعلون النار بشكل دائم. ولكن كلما تقدمت الرواية فان الرومانسية تتصدع والواقع الاستخباري المتآكل يحتل اكثر فأكثر مكانا له. في نهاية المطاف، الاستخبارات هي مزيج بين التكنولوجيا وبين الاشخاص الذين يستخدمونها، والذين يجب عليهم فهم ما الذي يخرج منها. يوجد عدد غير قليل من الاشخاص الجيدين، لكن ايضا هناك غير قليل من الضعف البشري، الأنا، السخرية، العاب القوة والحسابات المهنية. هذا ما اطلق عليه نيتشا انساني، انساني جدا. بهذا المعنى يدور الحديث هنا ايضا عن رواية نضج”.

​“الكتاب يأخذ التجسس بجدية كبيرة جدا. القليل جدا من كتب التجسس تفعل ذلك. الحديث يدور عن “الاشخاص الرماديين” الذين يجلسون في الخنادق ولا يحملون اشارات تدل عليهم، ويحطمون رؤوسهم من اجل تحليل اجزاء من محادثات مشفرة لعاملين في المخازن. ولكن بالتحديد هذه المعلومات الرمادية تلعب في القصة دور الرافعة للخيال والسحر. البطل هو حقا مدفون في الخندق، لكن هذا الحصن مربوط بأنتينات تتجسس على ارجاء الفضاء هناك، وهو يتمكن من العثور على أميرته المجنحة وهي تركب على لوح تزلج مع محرك”.

​لماذا يوجد في الكتاب قدر كبير من الجنس؟

​“الجنس هو أمر ايجابي ومفرح، وهو جزء لا ينفصل عن الحياة. في الحقيقة يجب أن نشكك بالكتب التي لا يوجد فيها جنس. وباستثناء ذلك، عندما يكون هناك شيء ما شهواني جدا في كل نوايا البطل تجاه الشخصية دلال (المعروضة في الكتاب كمقاتلة في منظمة جبريل، والتي يعشقها البطل). بهذا المعنى فان الشهوانية تحرك القصة. لذلك، السيرة الذاتية الشهوانية للبطل هي وثيقة الصلة بالقصة، ويجدر الحديث عنها.