نأسف على “كلمان وسيغل”، لكن ماذا بشأن خطة اليسار

حجم الخط

هآرتس – بقلم جدعون ليفي –

لا توجد خطة لليسار الاسرائيلي. تنقلوا بين القنوات واصغوا الى كل ما يبث وشاهدوا جميع البرامج، ولن تجدوا أي برنامج يساري واحد. مقدمو البرامج اليمينيين يتنافسون فيما بينهم على شكاواهم بشأن الاضطهاد والقمع. ولكن هذه هي وسيلة الابتزاز التي تم فحصها والقديمة لليمين، للبكاء والسيطرة في وسائل الاعلام مثلما في المستوطنات. برامج اليمين واليسار هي نقاشات داخلية لليمين، يميني غير مقنع يتجادل مع يميني مقنع، يرسمان معا حدود المنطقة. بين حين وآخر يحضران ايضا صوت آخر كنوع من الفضول وكشيء حيوي، لكن في كل الفضاء الاعلامي، لا يشمل المواقع المتخصصة، لا يوجد برنامج يساري واحد؛ مكان يتحدثون فيه بصورة ثابتة وبجدية عن جرائم الاحتلال وعن حقوق الانسان وعن خرق القانون الدولي وعن صيد طالبي اللجوء واضطهاد عرب اسرائيل وحلول سياسية حقيقية. لا يوجد لليسار برنامج واحد، والتخريب لا يوجد له صوت.

​أنا أحترم جدا اريئيل سيغل وكلمان لبسكين. الغاء برنامج في “كان 11” هو حدث مؤسف وحتى أنه يثير الغضب. “كلمان وسيغل” كان مكان مفتوح لجميع الآراء، المقدمان النزيهان للبرنامج، الذكيين والحكيمين، عرفا كيف يسألا كل الاسئلة والاصغاء لكل الاجابات، حتى التي أثارت غضبهما. لقد كانا اكثر ليبرالية من كل مقدمي منتصف الطريق، اليساريون كما يبدو، في القنوات التجارية. امام كل برامج الجهل والسخرية والهراء وصرف الانتباه، فان “كلمان وسيغل” تألق بضوء نادر في التلفزيون الاسرائيلي الذي يشوه ويتسبب بالجهل والغباء بشكل مؤلم. ونحن سنفتقدهما في المشهد، لكن مواقفهما لن تختفي وصوتهما لم يتم اسكاته.

​وسائل الاعلام الاسرائيلية ليست يمينية أو يسارية، بل هي وسائل اعلام متجندة. عبد مسخر للتيار المركزي والدعاية الصهيونية وموقف المؤسسة وروح الفترة، لما لا يغضب اكثر من اللزوم. صوت الرعد الصهيوني يغرق الادمغة الى جانب اخبار التسلية والاستهلاك. هي العميلة الكبرى للاحتلال، والدور الذي لعبته في اخفائه وتخليده وتبييضه سيسجل لها الى الأبد. يوجد فيها الكثير من المراسلين اليساريين والليبراليين، حتى الآونة الاخيرة كانوا يشكلون الاغلبية، لكن يوجد فيها الكثير من المراسلين الجبناء، لهذا لا يوجد أي اهمية لمواقفهم المحبوسة عميقا في قلوبهم، مواقفهم أو البطاقة التي وضعوها في صندوق الاقتراع، معظمهم يلائمون انفسهم مع رغبة سيدهم، المستهلك، المحرر والناشر.

​القول بأن وسائل الاعلام هي يسارية، يشكل نكتة القرن. انظروا كيف أن وسائل الاعلام تغطي الاحتلال والمستوطنات، كيف يتبنون كل رواية رسمية، وكيف يرددون ما يمليه عليهم جهاز الامن، وكيف يستخدمون اللغة المبيضة القومية التي تغطي على جميع الجرائم. انظروا كيف أنهم لا يزالون يسجدون للجيش وضباطه وسلاحه رغم كل السنين والحروب والاخفاقات.

​اليسار الاسرائيلي لا يوجد له برنامج يصدر عنه صوت آخر. لبسكين يتنافس مع سيغل على من هو الاكثر يمينية. وآريه الداد يتنافس مع بن كسبيت الذي يتنافس مع يانون ميغل، الذي بدوره يتنافس مع شمعون ريكلين؛ ويعقوب بردوغو يتنافس مع نفسه. طيف من المواقف يمتد من يورام شفتل وحتى رازي بركائي وهناك يتوقف. هذا خط الشرعية. باركائي الصهيوني والامني وكسبيت اليميني الصريح هما علامات اليسار. هذا الامر مضحك الى درجة محزنة.

​الحديث لا يدور عن تمثيل. وسائل الاعلام ليست بيت للمشرعين، هي لا يجب أن تمثل أي شيء غير الحقيقة، هي يجب عليها أن تلعب دورها وأن تكتب التقارير وتروي القصة وأن تنتقد وتثير التفكير. وهذا الدور هي تقوم بخيانته. عندما يتركز النقاش الوحيد حول نتنياهو وعندما يثير الضم التثاؤب وعندما يثير الحصار على غزة الحازوقة، فانه يوجد لوسائل الاعلام في هذا الامر دور حاسم. فهي بطلة ضد نتنياهو، لكنها تنحني بخضوع مخجل امام استبداد مستهلكيها، الذين هناك الكثير من الامور التي لا يريدون معرفتها. هذا هو اختبار الصحف، وقد فشلت فيه. صوت لبسكين وسيغل سيسمع فيما بعد، وفقط صوت اليسار المخرب تم اسكاته منذ زمن.