السلطة الفلسطينية لا يمكنها أن تبتلع الضم، ولكن حلها أيضا ليس واردا

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

علي الجرباوي، وزير سابق في السلطة الفلسطينية ومحاضر في جامعة بير زيت، ينظر بتمعن الى الشرك الذي وجدت السلطة الفلسطينية نفسها فيه ازاء خطط الضم. حسب رأيه، السلطة توجد الآن في وضع لا تستطيع فيه أن تبتلع هذا القرار، ولكنها ايضا لا تستطيع لفظه. “الخطر الاساسي كان عندما واصلنا الاتصالات مع اسرائيل بعد 1999، وهي السنة التي كان من شأن اتفاقات اوسلو أن تنتهي فيها وكان يجب أن تقوم الدولة الفلسطينية”، قال مؤخرا في مقابلة مع الموقع الفلسطيني “عرب 48”. الجرباوي ينتقد أن السلطة الفلسطينية لم تربط الاتصالات بجدول زمني حازم وتجميد جميع البناء في المناطق، الى جانب معارضة تقسيم الضفة الى مناطق أ وب وج. ولكن في حينه، حسب قوله، “على الاقل كان هناك أمل بدولة فلسطينية وبحل الدولتين”. الآن عندما تمنع اسرائيل هذين الاحتمالين فهو يعتقد بأنه لم يبق أي خيار للسلطة. “لا يمكن حل السلطة ولا يمكن الانفكاك من الاتفاقات مع اسرائيل”.

​حل السلطة الفلسطينية تحول في نظر الجرباوي ومتحدثون فلسطينيون كثيرون الى شعار فارغ، تطبيقه سيقضي على الانجاز الاكبر للفلسطينيين من اتفاقات اوسلو. من قيادة حركية قائمة على فصائل فان السلطة قدمت لاسرائيل والعالم كيان معترف به ومتفق عليه – التي رغم الشرخ مع حماس كانت تشكل حكومة مع صلاحيات ومثلت الفلسطينيين في ارجاء العالم، بما في ذلك في الامم المتحدة. بالنسبة للفلسطينيين هي الجسم الاعلى المسؤول عن الادارة اليومية لشؤونهم رغم اتفاقاتها الكثيرة.

​عندما يفكر محمود عباس بصوت عال بالاستقالة ووضع مفاتيح السلطة على طاولة اسرائيل، فهو بذلك يهدد بأن اسرائيل ستضطر الى ادارة الضفة مباشرة ومعالجة مشكلات الصحة والتعليم وجودة البيئة ودفع رواتب نحو 150 ألف من موظفي السلطة في الضفة، اضافة الى تحويل الاموال لقطاع غزة. وفي نفس الوقت يدرك بأن حل السلطة يعني اقالة عشرات آلاف الموظفين ومس شديد باقتصاد الضفة، وبالاساس فقدان السلطة لأهلية التمثيل، هذا في الوقت الذي فيه معظم الدول العربية، لا سيما الدول التي يمكنها التأثير على الخطوات السياسية، مثل السعودية والامارات ومصر، تظهر عدم المبالاة بالضم وتكتفي بتحذيرات مثل تحذير سفير دولة الامارات في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، في مقال نشره في “يديعوت احرونوت” قبل اسبوع.

​ملك الاردن، الملك عبد الله، الزعيم الاكثر قلقا من الضم، حذر اسرائيل والولايات المتحدة، لكن لا يبدو أن لديهما الوقت للاصغاء اليه. وقد كان هناك من ارادوا عرض تحذيراته وكأنها موجهة ايضا للسلطة: “صرخة الملك عبد الله هي غضب على اسرائيل وبينة ضد القيادة الفلسطينية التي لم تتخذ أي خطوة عملية لمواجهة الضم”، كتب المحلل السياسي فايز أبو شمالة في موقع “الرأي اليوم”. “الفلسطينيون لا يقفون امام امتحان، بل يقفون امام نكبة. هذه لا يتوقع ان تكون نكبة فلسطينية ونتائجها لن تقتصر على ارض فلسطيني”. وحسب قوله فان نتائج هذه الخطوة يمكن أن تضر بالاردن. ولكن بدلا من تحذيره كان يجب على الفلسطينيين الخروج بدعوة احتجاجية تقول “من أكل ثمار السلطة خلال عشرات السنين يجب عليه أن يسمد الارض الفلسطينية بالمكاسب والانجازات.

​السلطة من ناحيتها تدير نضال مزدوج – ضد الضم وضد المكاسب السياسية التي تريد حماس اقتطاعها. في الرسالة التي ارسلها رئيس المكتب السياسي لحماس، اسماعيل هنية، الى الامين العام للجامعة العربية، احمد أبو الغيط، طلب عقد اجتماع عاجل للقمة العربية لمناقشة الضم – وتم الرد عليه باستخفاف وانتقاد من جانب السلطة ومن جانب فتح بدعوى أنه غير مخول بتقديم طلب كهذا. عباس من ناحيته اكتفى بمراسلات مع رؤساء الرباعية لشؤون الشرق الاوسط (باستثناء الولايات المتحدة)، طلب فيها استخدام الضغط على اسرائيل لوقف الضم. تصريحه الذي صدر في الشهر الماضي والذي قال فيه بأنه يوقف التنسيق الامني ويرى نفسه في حل من الاتفاقات، حصل على ردود متشككة. وزير الشؤون المدنية في السلطة، حسين الشيخ، قال لصحيفة “نيويورك تايمز”: “نحن لا نريد الوصول الىنقطة اللاعودة. ولكن الضم هو نقطة كهذه في العلاقات مع اسرائيل”. وفي نفس الوقت اوضح “اذا علمنا أن شخص ما يخطط لتنفيذ عملية في اسرائيل، فنحن سننقل اليها هذه المعلومة. واذا نفذ هذا الشخص عملية في المناطق فسنقوم باعتقاله ومحاكمته لدينا”. ورغم أن الشيخ لم يقل بأن المعلومة ستنقل الى اسرائيل مباشرة إلا أن اقواله اثارت انتقادا لاذعا، حيث أنها تبرهن على أنه ليس فقط التنسيق الامني ما زال قائما، بل السلطة ايضا لا تشجع على انتفاضة.

​خلاف في كل الساحات

​علامة الاستفهام حول احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة تشغل الجيش الاسرائيلي والاستخبارات الاسرائيلية. في الاسابيع الاخيرة نشرت تحذيرات حول ذلك وعن الاستعدادات العسكرية الى جانب تكلفة المواجهة على حساب الجبهة الشمالية. وفي نفس الوقت نشرت تحفظات لشخصيات رفيعة في الجيش من أن الحكومة لا تكشف جميع خططها وتصعب عليهم الاستعدادات. “نحن لا نستطيع في هذه المرحلة العثور على استعدادات على الارض من اجل اندلاع انتفاضة”، قال للصحيفة ضابط رفيع في الجيش يعمل في الساحة الفلسطينية. “السلطة تعمل الكثير في المجال السياسي، تطور العلاقات مع روسيا وفرنسا، مدعومة من قبل المانيا التي تعارض بشدة الضم. ولكن لا يوجد حتى الآن استعداد من جانبها تمهيدا لحل أو نضال عنيف ومنظم”.

​ولكن المشكلة هي أن السلطة لا تسيطر على مبادرات حماس والجهاد الاسلامي و”مبادرين افراد” يمكن أن يشعلوا مواجهات عنيفة تتطور الى عصيان مدني. الصحافي الاردني، زيد فهيم العطاري، يعتقد أن احتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة ضعيفة لأن الجمهور الفلسطيني منشغل بمسائل وجود فورية والحفاظ على انجازاته، لا سيما في مجال الاقتصاد. اضافة الى ذلك، لا توجد استراتيجية وطنية يمكنها أن تجند حولها جمهور كبير في الشارع وايضا الخوف من الكورونا يمكن أن يمس بعمل جماهيري واسع.

​يوجد لحماس موقف رسمي مختلف: نائب هنية، صلاح العاروري، قال في يوم الاثنين لقناة “الاقصى” التابعة لحماس بأن اعضاء الحركة “يؤيدون جهود السلطة، ولكنهم يعتمدون على حركة الجمهور التي ستتحول الى ثورة شعبية ضد الاحتلال اكثر مما يعتمدون على السياسة والدبلوماسية”. ويبدو أن موقفه يظهر نية التنسيق مع السلطة و”تقسيم العمل” بين الجهود السياسية والتجند العسكري. ولكن ليس من الواضح أن هذا هو ايضا موقف القيادة في غزة. مؤخرا اوضح هنية “نحن لا نشاهد تعاون جدي مع اللقاءات التي جرت في السابق (بين حماس وفتح). لذلك، أي دعوة للقاء غير جدي ولا تتبنى استراتيجية وطنية، هي دعوة غير مجدية في الوقت الحالي”. اقواله هذه غير موجهة فقط لقيادة فتح، بل هي تشير ايضا الى خلافات داخل حماس.

​حرج وعجز الفلسطينيين يظهر ايضا في السلوك اليومي. السلطة تواجه احدى الازمات الاقتصادية الاصعب في حياتها، بعد أن اعلن عباس عن رفض تسلم اموال الضرائب التي تعود للسلطة في اطار وقف التنسيق مع اسرائيل. وبسبب ذلك توقفت السلطة في الشهر الماضي عن دفع الرواتب والموظفين لا يعرفون متى سيتسلمون راتب شهر حزيران. وقد قال أول أمس المندوب الفلسطيني في الجامعة العربية، ذياب اللوح، بأن طلب السلطة من الجامعة للمصادقة على قرض شهري بمبلغ 100 مليون دولار لم تتم الاستجابة له حتى الآن. الطلب تم تقديمه بعد عدم وفاء الدول العربية التي تعهدت بمنح الفلسطينيين هذا المبلغ بتعهداتها وعجز السلطة قفز الى 1.4 مليار دولار.

​من يخاف من انتفاضة على خلفية الضم يجب عليه الخوف اكثر من انتفاضة مصدرها الصعوبات الاقتصادية، مثل النوع الذي اندفع في لبنان والعراق أو في غزة قبل فتح الصراف الآلي القطري امامها. “السلطة تشبه دولة فرضت على نفسها عقوبات دون فحص التداعيات أو أنها بنت لنفسها خطة خروج وانقاذ، والآن هي تجلس على الجدار وتنتظر شفقة العالم”، قال للصحيفة مراسل فلسطيني فضل عدم ذكر اسمه. “لأنهم لدينا يزورون في الليل من ينتقد السلطة”. ويبدو أن هذا وضع يبعث على اليأس الذي يستدعي انتفاضة أو عمل شعبي آخر ضد الضم. ولكن حسب اقوال المراسل فان “فلسطينيين كثيرين تعلموا التأقلم مع الوضع القائم. وهم حتى الآن غير جوعى”، قال وأضاف “ايضا اذا كان هناك من يريد القيام بنشاط كهذا فمن سيقوده؟ السلطة؟ قوات الامن التابعة لها؟ انتفاضة كهذه كان يجب أن تندلع قبل سنين، ليس ضد اسرائيل، بل ضد الفاسدين لدينا. ولكن الآن الضم يجبرنا على اظهار التضامن مع السلطة. أولا وقبل كل شيء الوطنية وبعد ذلك تنظيف الاسطبلات”.