أزمة الفلسطينيين الاستراتيجية ، وخطوة أبو مازن التالية

حجم الخط

معاريف– بقلم آفي يسسخروف

ضم أجزاء من الضفة ليس هنا بعد. لم يتخذ أي قرار حتى الان، ولم يجد أي فلسطيني أو مستوطنة أنفسهم مضمومين لدولة  اسرائيل.  غير أن شيئا ما مع ذلك يحصل على الارض، مثابة بقبقة طفيفة، هيجان إن شئتم، تنجح الاحاديث عن الضم في خلقهما.  

​أولا، بالطبع التنسيق الامني الذي اوقف رسميا بين إسرائيل والسلطة. صحيح أنه لا  تزال  تجرى مكالمات هاتفية بين الطرفين ولكن هذه ايضا تقل. الانباء الطيبة  في  هذا السياق  هي أن السلطة تواصل العمل على احباط العمليات بل وتسمح ايضا باعمال مثل زيارة المصلين الى قبر يوسيف (قرب مخيم عسكر للاجئين، نابلس). ثانيا،  القطيعة بين اسرائيل والسلطة أدت الى تغيير دراماتيكي في كل ما يتعلق  بالعلاقات التي بين  السكان الفلسطينيين وبين اسرائيل والسلطة. في هذا الاسبوع فقط بُشر الفلسطينيون في الضفة بانه في كل مرة يطلبون فيها تصريحا، سيتعين عليهم أن يفعلوا ذلك مباشرة مع موقع الانترنيت لمكتب منسق الاعمال في المناطق وليس عبر السلطة. تقاليد طويلة الزمن بدأت في 1994، تقضي بان يمر كل تصريح للعمال، الطلاب، رجال الاعمال، المرضى وما شابه، يمر عبر مكتب  الشؤون المدنية في  السلطة، وصلت الى منتهاها هذا الاسبوع. من الان فصاعدا سيتوجه الفلسطينيون مباشرة الى اسرائيل، من فوق رأس السلطة، فيحصلون (أو لا يحصلون) على التصريح المطلوب.

​ظاهرا تعد هذه خطوة بيروقراطية فقط. غير أنه توجد لذلك تداعيات رمزية دراماتيكية. المقيم  الفلسطيني في الضفة يدير شؤونه مرة اخرى مباشرة مع الاحتلال الاسرائيلي وليس مع السلطة.

​هذه أنباء سيئة لوزير الشؤون المدنية في السلطة، حسين الشيخ، الذي درجت وزارته التي عالجت حتى الان كل هذه التصاريح، على اقتطاع مكاسب سمينة عن كل تصريح وتصريح صدر لكل فلسطيني كائنا من كان. والان تتبخر كل مداخيلها. كما كانت وزارة الشيخ ايضا احد السبل الفضلى لتصفية الحسابات مع المعسكرات الخصم في فتح او مع حماس. فمثلا، في كل مرة كان يحتاج فيها أحد ما في معسكر دحلان تصريحا من هذا النوع او ذاك، كانت الوزارة تعرف كيف تؤخره أو تمنعه من تلقي التصريح.

​هذه أنباء غير طيبة ايضا لقيادة السلطة الفلسطينية ولابو مازن، ولا سيما في ضوء ما يبدو كتجاهل أو عدم مبالاة من الجمهور الفلسطيني من المسألة التي تسمى الضم. د. ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز دايان يقول ان “القيادة الفلسطينية في أزمة استراتيجية. لقد بدأ عباس باجراءات كان يفترض بها أن تحرك شيئا ما.  غير أن الجمهور لم يرتبط بذلك وكذا الاسرة الدولية ليست هناك بعد. تهديد وضع المفاتيح وحل السلطة هو تهديد بمسدس فارغ من الرصاص.  

​ترى السلطة وتسمع الاصوات وتحذر بانه منذ الان بدأت اسرائيل تستعد على الارض للضم، ولكنك ترى الاعداد – يوم الجمعة الماضي كان في المظاهرة في الغور في الزبيدات ضد الضم نحو 5 الاف شخص فقط. عندما ينظر ابو مازن الى الجمهور يفهم انه فشل. ما يهم الجمهور في هذه اللحظة هو حقيقة أن نحو 200 الف موظف في  السلطة لم يتلقوا بعد الرواتب التي كان يفترض أن تدخل في الاول من حزيران، بسبب قرار السلطة عدم أخذ اموال الضرائب. وجاء هذه الخطوة لردع اسرائيل ولخلق هياج ضدها، غير أن من شأنها أن تتبين كسهم مرتد وتشجع الغضب تجاه السلطة”.

​غير أن عدم مبالاة الجمهور لن تؤدي بالضرورة الى الهدوء، لا في اوساط نشطاء فتح الميدايين (التنظيم) ولا من جانب السلطة. ينبغي القول انه لا يزال لا يوجد اغراق للشوارع بالمسلحين وبالاسلحة. ومع ذلك يخيل أن الوحش القديم الذي حرك الانتفاضة الثانية في بداية طريقها، التنظيم، يبدأ باظهار الوجود. فقد ظهروا في قلقيليا وفي الخليل  ويتواجدون جدا في “غلاف القدس”. وحسب سكان في شرقي القدس، في كل مساء تقريبا تسجل حوادث اطلاق النار في مخيم شعفاط للاجئين، الذي يعصف حتى في الايام العادية. “وأيضا في العيزرية، كفر عقب، قلنديا، يوجد غير قليل من اطلاق النار والمسلحين”، كما يروي احدهم. واضح أيضا انه في الاماكن التي يكون فيها التنظيم منظما ومنضبطا اكثر، فان التنظيم ليس مثابة “مثير للمشاكل”.

​لشدة المفارقة، فان ما ايقظ هذا الوحش  من سباته كان موضوع الكورونا.  فقد بعثت فتح بنشطائها الميدانيين، احيانا المسلحين،  الى مناطق القرى،  لفرض  انضباط الكورونا، ومنذئذ  بات من  الصعب اعادتهم. في الاماكن التي تعد فيها فروع التنظيم اضعف، يسمح النشطاء  المسلحون  لانفسهم  بحرية  عمل  اكبر.  واحيانا تكون هذه عناصر اجرامية، يمكنها بسهولة أن تصبح هما حقيقيا للسكان ولقوات الامن الاسرائيلية.

***

​ولكن كما اسلفنا، لا تعتزم  السلطة التسليم بلامبالاة الجمهور. في رام الله يفهمون  بان  الشارع لا يريد انتفاضة قريبا، وأزمة حقيقية  عسيرة على الانتاج، ولهذا فانهم  يسعون الان للوصول الى انجازات رمزية.  معنى هذا الامر من ناحية السلطة وم.ت.ف هو التوجه مرة اخرى الى مجلس الامن في محاولة للوصول الى اعتراف دولي بدولة فلسطينية تحت الاحتلال. في  المجلس من المتوقع أن يستخدم الامريكيون الفيتو فيوقفوا كل مبادرة من هذا النوع. ويقول مصدر فلسطيني انه لا توجد أي نية للتوقف بسبب هذا. فالميل السائد هو للعمل مع مؤسسات الامم المتحدة لتحقيق مثل هذا الاعتراف حى لو استخدم الفيتو المرة تلو الاخرى. توجد دول كثيرة تؤيد هذه الخطوة، ولهذا فان القيادة تؤيدها. في حالة الضم – سنطلب اعترافا بمكانة دولة تحت الاحتلال.  توجد منذ الان 12 – 13 دولة في اوروبا مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية تحت الاحتلال في حالة ضم اسرائيل. وهذا في واقع الامرر الثمن الذي يمكن جبايته من اسرائيل”.

​وحسب هذا المصدر، فان احدا لا يريد تصعيدا حقيقيا،  انتفاضة او فوضى. “قد يرغبون في مظاهرات مثل مظاهرات أزمة البوابات  الالكترونية في الحرم، ولكن ليس  شيئا يخرج عن السيطرة. من جهة اخرى، لن يكون ممكنا التسليم بالضم دون أن تدفع اسرائيل ثمنا ما عليه. ويتحدث المصدر عن أنه حقق تفهم دولي للموقف الفلسطيني. “والدليل هو ان الدول العربية تقف منذ الان ضد الضم بشكل صريح. وحتى في البيت الابيض توجد خلافات في هذا الموضوع، هكذا بحيث انه لا توجد نية من جانب السلطة لوقف الاعمال ضد الضم قريبا، بل العكس”.