قابلية العلامة التجارية للبيع والشراء..!!

حسن خضر.jpg
حجم الخط

بقلم: حسن خضر

توقفنا عند مُحدث نعمة، ومريض بنفسه، لم ينل اعتراف نخبة أبناء العائلات وكبار الرأسماليين العريقة، التي رأت فيه مجرّد شخص مُبتذل (Vulgar)، فحمل عليها.
وكيف حوّل تاجر العقارات هذا نفسه إلى شخصية تلفزيونية، واسمه إلى علامة تجارية تقبل البيع والشراء والتأجير.
وكيف أن كل شيء في الاسم والرسم، معاً، يبدو مُلفقاً، ومُفتعلاً، وفارغاً من المعنى، وقابلاً للبيع والشراء.
وبما أننا نعالج مسألة تتفاعل، ولم تكتمل أبعادها النهائية، بعد، فإن الواقع نفسه لا يكف عن تزويدنا بالشواهد.
وآخرها، في الأيام القليلة الماضية، كتاب جون بولتون، مستشار ترامب السابق لشؤون الأمن القومي، "في الغرفة التي شهدت الأحداث".
ومن حسن الحظ أنني تمكنت من الحصول على نسخة من الكتاب، قبل يومين.
وهي فترة كافية للاطلاع على شهادة تضفي مزيداً من الصدقية في الكلام عن كينونة تتسم بالخواء، والجهل، والأنانية، والتلفيق، والفوضى، والبيع والشراء، بلا ضابط من أخلاق، ولا التزام بقوانين. وقد جاءت هذه المرّة من شاهد على يمينه.
ولنقل إن ثمة مساحة ضيّقة بين اسم أصبح علامة تجارية وحامله. فما يصدق على الأوّل من قوانين العرض والطلب في السوق يصدق، بالمنطق، على الثاني، أيضاً، إلى حد يبرر الكلام عن إلغاء الحد الفاصل بين الاثنين، وتماهي هذا بذاك.
مع كل ما ينفتح، في أمر كهذا، من احتمالات. يعني "على بلاطة": هل فكّرت قوّة خارجية ما، بالتواطؤ الضمني أو الصريح مع قوى أميركية داخلية، بالرهان على دونالد ترامب، والاستثمار فيه، والاستفادة من قابليته للبيع والشراء، لتحقيق مكاسب معيّنة مقابل رفعه إلى سدة الحكم؟
ولا ندعي، هنا، اختراع البارود. فقد نشأت فكرة تحقيق موللر من رحم تساؤلات، وعلامات استفهام، أثارها هذا السؤال، بعدما أشارت وكالات الأمن الأميركية إلى تدخّل الروس في انتخابات العام 2016.
وبالقدر نفسه، سارع الديمقراطيون إلى إجراءات العزل، استناداً إلى شواهد تدل على انتهاك المذكور لضوابط دستورية، وأخلاقية (فضيحة مساومة الرئيس الأوكراني على رزمة مساعدات مالية مقابل التحقيق، بما يؤدي إلى فضيحة، في أنشطة تجارية للمنافس الديمقراطي بادين وابنه) وفي كتابه، أضاف بولتون المزيد، في العلاقة مع الصين، هذه المرّة.
وما بين تحقيق موللر وإجراءات العزل، تكاد مكتبة الأدب السياسي الأميركي تفيض بما يتكدّس فيها من كتابات ومقابلات.
ومن الشائع، هذه الأيام، صدور كتب تزيّنها صورة دونالد ترامب بعناوين من نوع "الرجل الذي باع أميركا"، و"المؤامرة لخيانة أميركا"، ناهيك عن شهادات ومذكرات أشخاص شغلوا وظائف عسكرية وسياسية وأمنية رفيعة في إدارته، وانقلبوا عليه.
و"على البيعة" عناوين تثير تساؤلات جدية من جانب خبراء في الطب النفسي عن حالته العقلية، ومدى صلاحيته لمنصب الرئاسة. وهنا، لا نملك ما يكفي من الوقت والمساحة لاستعراض هذا كله.
والمهم، كنّا قد أشرنا في ختام معالجة الأسبوع الماضي إلى خرافة شائعة عن نفوذ هائل لليهود في العالم.
وغالباً ما يعتنق المعادون للسامية أنفسهم تلفيقات أيديولوجية بالية كهذه. ويلجأ عدد من هؤلاء إلى ردة فعل تقليدية، في تاريخ العداء للسامية، فيسعى لاسترضاء اليهود بدلاً من إشهار العداء لهم.
تختزل هذا الكلام عبارة بالإنكليزية: التحق بهم إذا لم تستطع مجابهتهم (If you can't beat them, join them).
ومن المُضحكات المُبكيات إمكانية العثور على ميول كهذه في سلوك بعض العرب في أيامنا السود هذه.
وهذا لا يقتصر على الحكّام، بل يشمل طائفة من العاملين في البزنس وعالم النفط والمال والسلاح، وكذلك صناعة الدعاية والإعلام (هناك من يُنتج مسلسلات تلفزيونية، ويبني كُنساً خدمة للسائحين في بلاد لا تعترف حتى بحرية العبادة، والرأي، والضمير).
على أي حال، ثمة من الشواهد، بقدر ما يتعلّق الأمر بموضوعنا، ما يكفي للتدليل على ميول عنصرية لدى ترامب أكسبته شعبيه لدى قطاع واسع من ناخبيه.
وأعتقد أن في كل محاولة لرسم السياق الموضوعي لتحوّلات العلامة التجارية، اسماً ورسماً، ما يبرر التوقّف عند مصاهرة آل كوشنر، وهم أصحاب إمبراطورية عقارية، دخل كبيرهم السجن (كوشنر الأب) بتهمة تضليل العدالة (سجّل أشرطة جنسية للإيقاع بزوج شقيقته).
للتقليل من الآثار الكارثية لفضيحة السجن، وبناء على اقتراح خبراء في الدعاية والعلاقات العامة والتسويق، أرسلت العائلة كوشنر الابن إلى نيويورك، كجزء من استراتيجية بعيدة المدى لتحسين السمعة، واشترت له جريدة محلية في العام 2005.
ولم يُعرف عن الشاحب، النحيل، الذي سيصبح زوجاً لابنة مُحدث نعمة من الفصيلة نفسها، ثقافة في موضوع غير البزنس، ولم يهتم بشيء غير إسرائيل.
وتصادف أن آل كوشنر كانوا من أنصار اليمين الإسرائيلي، وشبكاته السياسية، والمالية، والأيديولوجية، في أميركا.
وقد تبرّع كوشنر الأب بالمال لدعم بنيامين نتنياهو، النجم الصاعد في سماء السياسة واليمين الإسرائيليين.
ونظم محاضرات، وجولات، وحملات للمذكور في أوساط اليهود الأميركيين.
وفي المرّة الوحيدة، التي استضافته فيها عائلة كوشنر، في بيتها، تنازل الابن عن غرفته وسريره لصالح الضيف الإسرائيلي العزيز.
يُزوّدنا كل ما تقدّم بما يكفي من الخيوط لنسج سرديات مختلفة. ولكن يكفينا ما سبق وذكره نعوم تشومسكي في معرض التعليق على التحقيق في احتمال تدخّل الروس في انتخابات 2016، التي جاءت بترامب إلى سدة الحكم. وفي هذا الصدد تساءل تشومسكي عن أسباب حصر التحقيق في الروس، وعدم التوسّع فيه، والتفكير في غيرهم. ولنا عودة.