النساء العربيات يكسرن الصمت

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

“أنا لن أقوم ببيع اكرام”، صرح والد الطفلة إبنة الست سنوات التي اغتصبت هذا الشهر في قريتها الفقيرة في محافظة طاطا التي تقع في جنوب شرق المغرب. القضية المخيفة اثارت عاصفة جماهيرية في الدولة بعد أن تبين بأن المحكمة قررت اطلاق سراح المغتصب إبن الاربعين من السجن لأن عائلة الطفلة حصلت كما يبدو على فدية من عائلة المغتصب من اجل الصمت، والغت الشكوى. في الشبكات الاجتماعية فتحت حسابات في فيس بوك وتويتر تحت عناوين “كلنا اكرام”، “لا لاغتصاب الاطفال”، “العدالة لاكرام”. وقد انضم آلاف المتصفحين الذين طالبوا الحكومة باعادة المغتصب الى السجن وتقديمه للمحاكمة وسن قوانين قاسية لردع المغتصبين بشكل عام، ومغتصبي الاطفال بشكل خاص. ومؤخرا تم الابلاغ بأن المغتصب أعيد حقا الى السجن الى حين محاكمته.​

اغتصاب القاصرين ليس ظاهرة جديدة أو غير معروفة في الشرق الاوسط. المشكلة هي أن الآباء يمتنعون عن تقديم دعاوى ضد المغتصبين بسبب الخجل أو من اجل عدم المس بعائلات المجرمين، الذين في حالات كثيرة يكونون من اقارب العائلة أو الجيران. ويوافقون على الحصول منهم على تعويض مالي واغلاق القضية. وبهذا يتم اغلاق القضايا التي تبقي في آلاف القاصرين ندوب طوال حياتهم. يبدو ايضا أن جهاز القضاء يفضل هذه “التسويات الخاصة” على تطبيق القانون، وهو يوافق على التنازل عن الدعاوى وكأن الامر يتعلق بمخالفة لم يتم تنفيذها.

​منذ ثورة الربيع العربي قبل عقد تقريبا تغير الخطاب العام بالنسبة للتحرش الجنسي، الاغتصاب والعنف ضد القاصرين والنساء. التشريع في معظم الدول العربية مر بتعديلات وتم تشديد العقوبات. ولكن المسافة بين هذه وبين المعايير المقبولة ما زالت كبيرة. البشرى هي أنه الآن يمكن اختراق حاجز الخوف من التبليغ وتقديم شكوى رسمية بواسطة الشبكات الاجتماعية. وهذه في الحقيقة ليست البديل عن المحاكمة والعقوبة، لكنها على الاقل تنفس عن الاحباط والغضب وتخلق مجتمعات مشتركة لمن لا تسمح لهم الحياة بالافصاح عن اسرارهم.

​قصص اعتداءات تنشر في الشبكات، وحتى احيانا مع ذكر اسماء المتضررين، وأفلام الفيديو القصيرة التي تشرح للنساء كيف يجب عليهن النشر ورواية قصصهن، اصبحت جزء من حملة الاصلاح الاجتماعي التي تبادر اليها نساء ومنظمات حقوق النساء. هذه لم تعد راضية عن الجمعيات الخيرية الحكومية أو نشاطات منظمات عامة لحقوق الانسان. هم ينشئون منظمات متخصصة ويعالجون حالات خاصة، وليس فقط الدفع قدما بحقوق سياسية واقتصادية، أو في اطار عربي عام.

​منظمة من هذه المنظمات هي منظمة “نساء ليبيا” التي دير صفحة في الفيس بوك تنشر فيها شهادات لنساء وفتيات تضررن من التحرش والاغتصاب من قبل ابناء العائلة. احدى الفتيات تحدثت فيها عن حادثة حدثت معها وهي في جيل ست سنوات. حيث دعاها عمها الى غرفته ولمس اعضاءها الجنسية. هذا الهجوم تكرر عدة مرات الى أن تجرأت وابلغت بذلك شقيقها وشقيقاتها. حينها “قاموا بضربي بشدة الى أن نزف الدم من أنفي. ماذا كان يمكنني أن أفعل. فقد كنت طفلة”، كتبت. “فتيات ليبيا يكسرن الصمت ويتحدثن عن التحرش الجنسي الذي تم وراء الاسوار”، قالت مديرات المنظمة اللواتي يرين رسالتهن في نشر الشهادات من اجل وضع حد لهذه الظاهرة.

​حساب مغربي مشابه في الفيس بوك باسم “اسمعوني ايضا”، مخصص لاعضاء مسجلين. الدخول اليه يكون فقط بعد مصادقة المديرات السبعة للموقع، وقد اصبح مسجل فيه الآن 35.792 عضو. ايضا فيه تنشر شهادات قاسية لنساء عن الاساءات التي مررن بها من قبل ابناء العائلة ومشغلين وزملاء وعابري سبيل. في كل يوم يضاف المزيد من الشهادات الفظيعة عن معاناة النساء اللواتي لا يجدن الدعم من الاقارب أو سلطات القانون الذين تحولوا الى جزء من المشكلة.

​القانون في المغرب يمنع في الحقيقة المغتصب من الزواج بضحيته مدة سنة على الاقل – خطوة كانت مقبولة لمنع تقديم شكوى في الشرطة. ولكن من اجل تطبيق القانون يجب تقديم شكوى في الشرطة. من الشهادات يتبين أنه ايضا عندما تتجرأ امرأة على تقديم شكوى في الشرطة فهي تواجه بمعاملة مهينة وعدم ثقة، وحتى احيانا بتحرش من قبل الشرطة.

​توجه آخر لتوجيه النساء تتبعه المجلة الالكترونية الجديدة نسبيا “خطيرة”، التي بوسائل درامية وهزلية تحاول كسر المسلمات. آراء مسبقة، بالاساس تصحيح معلومات خاطئة بالنسبة للنساء وحقوقهن. وشعار المجلة هو “خطيرة هي كل امرأة لا ترضيها القواعد القديمة بحكمتها. كل امرأة تشذ عن النماذج والخطوات التي أمليت عليها وتخلق التغيير في الفضاء الخاص الضيق أو في الفضاء العام”. في كل عدد هناك موضوع مختلف خاص بالنساء مثل اختفاء النساء من عالم البرمجة، المس بالنساء السود في تونس، اصابة النساء بالكورونا والعزوبية كخيار. ودرة التاج هي سلسلة افلام الفيديو العشرة (مترجمة بالانجليزية) التي تصف المقدمة فيها بسخرية المعرفة الخاطئة للرجال عن النساء، وتتساءل لماذا معظم الادوية مخصصة للرجال ولماذا يتعلمون عن جسم الانسان بواسطة دمى ذكورية فقط؟.

​هذا فضاء جديد للخطاب بطبيعته، اكثر جرأة وصراحة – الذي ربما لن يحدث الثورة  المطلوبة، لكنه يحدد بالفعل طبيعة النضال النسوي العربي الجديد.