البيت الأبيض ومصير الضم

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

حسابات الجنرالين تتطابق مع حسابات الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» والمخابرات التي تحذر من انتفاضة عنيفة في الأراضي الفلسطينية.

يجري البيت الأبيض نقاشاً داخلياً، منذ أيام، حول مشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية الذي أعلن نتنياهو أنه بصدد تنفيذ الجزء الأول منه مطلع الشهر المقبل.

وجاء الموقف الأمريكي بعد تعثر المفاوضات بين أركان الحكومة «الإسرائيلية» حول الضم، وفشل السفير الأمريكي، ديفيد فريدمان، في الوساطة بين رأسي الحكومة الاحتلالية نتنياهو، والجنرال جانتس، لتقريب وجهات النظر بينهما حول حجم الضم، وموعده.

ويشارك في مباحثات البيت الأبيض السفير فريدمان، وهو أشد المؤيدين لموقف نتنياهو بشأن الضم، بينما يقابله في البيت الأبيض جاريد كوشنر، الذي يبدو أنه يعارض مشروع نتنياهو، ويفضل الالتزام بصفقة القرن التي تنص على أن أي ضم يجب أن يتم بعد التفاوض مع الفلسطينيين. وكان المبعوث الأمريكي، آفي بيركوفيتش، ألغى زيارة مقررة له إلى «تل أبيب»، واستعاض عنها البيت الأبيض بمحادثات داخلية، ما يشير إلى أن الإدارة لن تؤيد مشروع نتنياهو كما هو، حيث إن اليد الطولى في البيت الأبيض الآن لكوشنر الذي وثّق علاقاته مع الجنرالين جانتس، وأشكنازي، وهما يعارضان مفهوم نتنياهو للضم، ويتبنيان وجهة النظر الأمريكية، ويحرصان على عدم استفزاز العالم العربي، ويحسبان حسابات أمنية بشأن احتمال اندلاع أعمال مقاومة في غزة، والضفة، تتحول إلى انتفاضة ثالثة.

حسابات الجنرالين تتطابق مع حسابات الاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية»، والمخابرات التي تحذر من انتفاضة عنيفة في الأراضي الفلسطينية، ما يؤثر في الاستعداد العسكري لتحديات خارجية تواجهها دولة الاحتلال. لكن نتنياهو يحاول جاهداً تحقيق إنجاز شخصي لطالما روج له طوال السنوات الأخيرة، معتبراً أن الفرصة سانحة الآن مع وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض لضم ثلث الضفة، لأن غياب ترامب قد يضيع الفرصة، وأن أي رئيس ديمقراطي سيرفض هذه الخطوة.

ويأتي نقاش البيت الأبيض وسط سجال داخلي لدى الإدارة الأمريكية، بكل ما يتعلق بمنح الضوء الأخضر ل«إسرائيل» للشروع في تنفيذ خطة الضم بموجب الموعد الذي أعلنه نتنياهو، حيث يبدي السفير فريدمان دعمه للضم في هذا التوقيت، فيما يتحفظ العديد من المسؤولين على التوقيت. وقد برزت معارضة قوية في الكونجرس لمشروع الضم في أوساط نواب الحزبين الديمقراطي، والجمهوري.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، وعقب زيارته إلى «تل أبيب»، في الشهر الماضي، عاد إلى واشنطن مع مجموعة من التحفظات المتعلقة بالضم، خاصة ما يتعلق بتأثير ذلك في استقرار المنطقة، أو العلاقات مع الأردن، لكن مصادر «إسرائيلية» تتوقع أن ينحاز بومبيو الآن، إلى موقف فريدمان المؤيد للضم، إلا أن ترامب الذي يشارك في مداولات البيت الأبيض اشترط أيضاً إجماعاً «إسرائيلياً» سياسياً حول الضم، وهذا الإجماع غير متوفر حتى اللحظة. كما أن كوشنر يخشى من أن تأييد البيت الأبيض للضم سيضر بمستقبل «صفقة القرن»، طالما أن دولاً عربية أبدت معارضتها لمشروع نتنياهو. وقد تبنت المخابرات «الإسرائيلية»، (الشاباك) موقفاً يحذر من مغبة الإقدام على ضم واسع وفقاً لرؤية نتنياهو.

واستعرض «الشاباك» تقديراته بهذا الخصوص خلال مداولات أجراها مع الجيش «الإسرائيلي»، ومداولات أمنية داخلية، وشدد فيها على أن الضم بشكل أحادي الجانب لمناطق في الضفة الغربية «سيؤدي إلى موجة عنف، ستبدأ، على ما يبدو، في الجبهة الجنوبية»، أي قطاع غزة، «وقد ينتقل العنف إلى الضفة الغربية، وفي أسوأ الأحوال سيتحول إلى جولة عنف شامل بين «إسرائيل»، والفلسطينيين، وربما تصل الأمور إلى حد انتفاضة ثالثة».

وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن «أحد السيناريوهات يتحدث عن تفكك السلطة الفلسطينية»، علماً بأن «الشاباك»، وشعبة الاستخبارات العسكرية، (أمان)، متفقان على أن الرئيس أبو مازن يحذر «الشاباك» من موجة عنف تخرج عن السيطرة.

وتضيف «كذلك فإن تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية توقعت رد فعل عنيف من غزة، تنضم إليه كل الفصائل».

ويتوقع «الشاباك»، والجيش «الإسرائيلي»، أن الاحتجاجات الشعبية ستندلع في الضفة الغربية أيضاً، ويضعان «علامة استفهام كبيرة» حول كيفية تصرف تنظيم حركة فتح، أي «كتائب شهداء الأقصى»، الذي يشكل «ميليشيات تضم عشرات آلاف الناشطين المسلحين، وقادر على إشعال الضفة كلها خلال ليلة واحدة تقريباً».

يذكر أن الضفة حالياً، تعاني أزمة اقتصادية خانقة بسبب جائحة «كورونا»، أضيف إليها وقف الاتصالات مع الاحتلال الذي بادر إلى وقف أموال المقاصة للسلطة، مشترطاً استئناف الاتصالات، وهو ما ترفضه الحكومة الفلسطينية حتى الآن.

الوضع مهيأ للانفجار لأسباب سياسية، واقتصادية، خاصة أن السلطة لم تستطع صرف رواتب موظفي القطاع العام.