هل نقف هذه الأيام على عتبة إعادة فتح كامل لملف القضية الفلسطينية ؟

حجم الخط

عماد شقور يكتب

هل ستقدم إسرائيل على ضم أراض من الضفة الغربية، (والقدس العربية جزء منها)، الى خريطة إسرائيل، وتفرض سيادتها عليها واخضاعها للقانون الإسرائيلي، بعد اسبوع من اليوم، في الاول من تموز/يوليو المقبل، كما جاء في تصريحات رسمية عديدة لرئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، فور وبعد اعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وإدارته، لـ«صفقة القرن» في اواخر كانون الثاني/يناير الماضي؟.

لا أحد يعرف الجواب الصحيح على هذا السؤال/التساؤل. ليس للفلسطيني ان يشعر بالحرج وهو يعترف بعدم معرفته، على وجه اليقين، ماذا ستكون الخطوة الإسرائيلية المقبلة بخصوص مسألة الضم من عدمها، عندما نعرف ان اعضاء الحكومة الإسرائيلية ذاتها لا يعرفون بالدقة، (حتى الآن على الأقل)، ماذا سيكون القرار، بل وصل الأمر حد قول عديد من الكتاب والصحافيين الإسرائيليين، ان نتنياهو نفسه لا يعرف ماذا سيكون قراره في ذلك اليوم، جراء كثرة وتعدد المجاهيل في المعادلة التي ستحسم النتيجة وتعطي القرار. وقد يكون من المفيد، في هذا السياق، تسجيل طرفة كثيرا ما يتداولها اليهود في إسرائيل، (بشيء من السخرية المشبعة بالتفاخر)، ملخصها هو أنه عندما يناقش أي شخصين موضوعا ما، فقد ينتج عن ذلك رأيين اثنين، وجهتي نظر، ولكن عندما يكون الشخصان المعنيان يهوديين إسرائيليين، ففي غالبية الحالات تكون نتيجة النقاش صدور ثلاثة آراء على الأقل!!.

هذا، باختصار، ما يسمعه هذه الايام، كل من يتابع الجدل والنقاشات المتواصلة في أروقة السلطة في إسرائيل، من الحكومة والكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، حتى وسائل الإعلام بأشكالها، والمجتمع اليهودي في إسرائيل بشكل عام.

لكن كل هذه البلبلة، حول هذه القضية، لا يجوز لنا، كفلسطينيين وعرب، ان نسمح لها بحرف انتباهنا وتركيزنا على الجوهر. والجوهر هنا يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط :

1ـ ان الكارثة الفلسطينية الكبرى، (أُم الكوارث)، هي نكبة 1948، بإقامة دولة إسرائيل، على 78٪ من ارض فلسطين، وتكسير وحدة وتماسك الشعب الفلسطيني، بتحويل نصفه الى لاجئين في ما بقي من ارض فلسطين خارج خطوط هدنة 1948 بين إسرائيل و«دول الطوق»: مصر والأردن وسوريا ولبنان، وفي دول الجوار العربي ودول الشتات؛ وتقطيع النصف الآخر من الشعب الفلسطيني بين ثلاثة كيانات سياسية: إسرائيل، (ممن فرضت عليهم بطاقة الهوية الإسرائيلية، وقامت السلطات الإسرائيلية بتهجير ثلثهم تقريبا، أي نحو 45 الفا منهم، من بيوتهم وقراهم، واصبحوا، وما زالوا لغاية الآن، لاجئين في وطنهم)؛ والأردن، (التي ضمت الضفة الغربية)؛ ومصر، (التي وضع قطاع غزة، باهله واللاجئين اليه، تحت الادارة المصرية). ما يعني أن كل ما شهده ويشهده الشعب الفلسطيني، من مصاعب ومعاناة وكوارث، (واقساها كارثة حرب حزيران/يونيو 1967)، يعود الى نقطة البداية هذه، وان الحل الحقيقي مرهون، (بالضرورة وبالمطلق)، بمعالجة هذا الموضوع بالذات، وبالتفاصيل.

2ـ ان جوهر السياسة الصهيونية، كحركة وتنظيم استعماري استيطاني توسعي، اساساً، (وجوهر السياسة الإسرائيلية لاحقاً)، هو اعتماد مبدأ المراحل: مرحلة هجرة يهودية الى فلسطين والاستيطان فيها، تلتها مرحلة تهجير الفلسطينيين من ارض فلسطين وتشتيتهم، وانكار وجودهم كشعب، ثم مرحلة التوسع خارج حدود/خطوط الهدنة، ومرحلة بناء وإقامة المستعمرات/المستوطنات على ما تم احتلاله في تلك الحرب/المعركة، من ارض فلسطين والجولان وشبه جزيرة سيناء، وصولا الى المرحلة الحالية الراهنة، التي تسعى وتعمل خلالها على ضم اجزاء من ارض دولة فلسطين. اما الثابت الوحيد طوال كل هذه المراحل، فهو اصرار الحركة الصهيونية وإسرائيل على مواصلة الامتناع عن الكشف علنا عن الحدود النهائية التي تسعى لإقرارها والتوقف عندها. ولعل أكثر ما يؤكد ذلك حقيقتان:

“على الأرض الفلسطينية حاليا نحو سبعة ملايين فلسطيني، وسبعة ملايين يهودي. كل المعارك الممتدة في هذه الحرب الطويلة التي فرضها عليها الاستعمار الغربي، على مدى ما يزيد عن قرن كامل من الزمن، حتى الآن، لم تنجح في اقتلاع جذور شعبنا من أرض وطنه “.

اولاهما اصرار اول رئيس لحكومة إسرائيلية، دافيد بن غوريون، في جلستين رسميتين لحكومته سنة 1949، على عدم وضع حدود لإسرائيل كدولة، وتكريره، (في محاضر رسمية مسجلة)، ان «حدود دولة إسرائيل هي عند آخر نقطة تصلها جنازير دبابات الجيش الإسرائيلي، وآخر نقطة لمدى طلقة البندقية الإسرائيلية»، كما ثبّت ذلك المؤرخ الإسرائيلي، توم سيغف، في كتابه المرجعي «1949 ـ الإسرائيليون الأوائل»، حيث اقتبس سيغف، في كتابه المذكور، (صفحة 21)، من نص مداخلة بن غوريون قوله: ».. لقد انتهينا من مرحلة القتال بشكل دفاعي، ونحن نقاتل الآن بهدف الاحتلال وليس للدفاع، واما في ما يخص الحدود، فانه ليس لهذا الأمر نهاية، ففي التوراة تعريفات عديدة لحدود الدولة، وكذلك في تاريخنا، الحقيقة هي انه ليس للأمر نهاية. ليس هناك أي حدود مطلقة، فاذا كانت الحدود هي الصحراء، فانه يمكن للحدود ان تكون عند الطرف الآخر من الصحراء، وإذا كانت الحدود هي البحر، فانه يمكن لها ان تكون عند الشاطئ الآخر من البحر. هكذا سار العالم منذ الأزل، والشيء الوحيد الذي تغير هو المفاهيم/التعابير فقط. وإذا تم، في المستقبل، اكتشاف طرق الوصول الى كواكب اخرى، فقد لا تكون كل الكرة الارضية كافية». ويقتبس سيغف هذا النص المريع من محضر جلسة تحت عنوان «مشاورات سياسية» عقدت يوم 12.4.1949، وحفظ المحضر في «ارشيف الدولة»، في وزارة الخارجية، في الملف رقم 3/2447. وثانيتهما، هي ان ملف قبول هيئة الأمم المتحدة لإسرائيل كعضو فيها، (قرار الجمعية العامة رقم 273، يوم 11.5.1949)، هو الملف الوحيد من نوعه الذي لا يتضمن خريطة ذات حدود رسمية.

3ـ في ضوء ذلك، فان السياسة الفلسطينية الحكيمة، التي يتوجب اعتمادها، هي سياسة المراحل. نخوض المعارك التي تفرض علينا بوعي وإدراك عميق أنها مجرد معارك صغيرة وجزئية، في مسلسل حرب واحدة طويلة ومستمرة ومتواصلة، هدفها النهائي والحقيقي، والذي يتوجب علينا، كفلسطينيين، أن نعرفه ونعلنه ولا نحيد عنه ابدا، هو استعادة كامل حقوق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره، على كامل ارض فلسطين، من نهر الأردن حتى شاطئ المتوسط، دون التنازل عن أي شبر منها، وليشكل ذلك واحدة من القواعد الصلبة لاعادة بناء الوحدة العربية الممتدة من المحيط الاطلسي حتى الخليج العربي/الفارسي. لكن، كما سُلبت واستبيحت الحقوق الوطنية الطبيعية الشرعية الفلسطينية، مرحلة إثر مرحلة، غطت قرنا كاملا من الزمن، فان استعادتها مرهونة باعتماد سياسة المراحل ايضا.

على هذه الأرض الفلسطينية حاليا نحو سبعة ملايين فلسطيني، وسبعة ملايين يهودي. كل المعارك الممتدة في هذه الحرب الطويلة التي فرضها عليها الاستعمار الغربي، بمسمياته المختلفة، على مدى ما يزيد عن قرن كامل من الزمن، حتى الآن، لم تنجح في اقتلاع جذور شعبنا من ارض وطنه. لقد ألحقت تلك المعارك خسائر فادحة لا تحصى، في أغصان وفروع شجرتنا الفلسطينية: قطعت نصفها، وظلمت وقهرت ومارست كافة أنواع التمييز ضد نصفها الثاني، ولكنها فشلت في خلع جذورها من أرض وطنها، أرض فلسطين.

في هذا السياق، يجدر بنا أن نعرف، وأن نعترف ايضا، وأن تعرف الحركة الصهيونية، وأن تعترف ايضا، أن مجمل معاركنا العسكرية والسياسية في حرب المئة سنة حتى الآن، اوصلتنا الى تواجد اربعة عشر مليون عربي فلسطيني ويهودي إسرائيلي على هذه الارض. لن يتبخر ولن يختفي سبعة ملايين فلسطيني، ولن يتبخر ولن يختفي سبعة ملايين يهودي، ولا بد أن يتم التوصل الى حل منطقي وعادل.

يجدر بالإسرائيليين أن يعرفوا، أن قبول الحركة الوطنية الفلسطينية باتفاقيات اوسلو، كان قبولا باعتبار «غزة اريحا اولاً» هي مرحلة من مراحل صراع الشعب الفلسطيني لاستعادة كامل حقوقه في الحياة والسيادة وتقرير مصيره، مع وعي كامل أن على أرض فلسطين، اضافة الى اهل فلسطين الأصليين، نحو سبعة ملايين يهودي، هاجروا وهجّروا اليها، نتيجة ظروف معاناة أقليات يهودية في الغرب اساسا، ونتيجة مطامع استعمارية وحبك مؤامرات غربية، (حتى وان كان عدد كبير جدا منهم يحملون جنسيات دول غربية)، يملكون الحق في العيش بأمان واستقرار، في دولة ديموقراطية عصرية دون أي تمييز.

قد يكون للفلسطينيين مصلحة في تحويل التهويشات والخطوات التي يرسمها ويتخذها نتنياهو وحكومته العنصرية هذه الايام، إلى مناسبة لإعادة فتح كامل ملف القضية الفلسطينية بكل ابعادها.

* كاتب فلسطيني .