بالمقاومة وتوفير مقومات الصمود على طريق العصيان الوطني نسقط مشروع الضم ونطرد الاحتلال

حجم الخط

بقلم تيسير خالد

 

 بدأت في واشنطن لقاءات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ، ومستشار الرئيس جاريد كوشنر ، ومبعوث الادارة الى الشرق الأوسط آفي بيركوفيتش ، بالسفير الإمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان . أما مادة البحث في هذه اللقاءات فتدور حول أمرين : الأول هل من الأفضل تطبيق ما يسمونه " السيادة الاسرائيلية " بداية على المستوطنات القريبة من القدس بدلاً من تطبيقها على نحو 30٪ من الضفة الغربية ، والثاني ، هل يساعد الضم على جلب الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات . وبصراحة كاملة فإن هذا عمل عبثي وعدواني لا سابقة له في تاريخ العلاقات الدولية سوى اتفاق أدولف هتلر مع رئيس الوزراء البريطاني تشامبرلين عام 1938 على ضم أجزاء من بلاد التشيك الى المانيا النازية في محاولة لإرضاء زعيم الوحش النازي وكبح جماح نزعاته العدوانية .

نتنياهو لم يكن ليحلم بأن ما كان يسعى لفرضه على الشعب الفلسطيني ، سيأتي رئيس أميركي ويقدمه له في هدايا مجانية في معاركه الانتخابية ، فقد كانت طموحات نتنياهو وفق اعترافاته أن توفر الادارة الاميركية لحكومته الغطاء في إجراء أحادي الجانب لضم معاليه أدوميم الى القدس الكبرى أو تسمح له بالتمدد في المنطقة المسماة ( E 1 ) ، فإذا به يجد نفسه أمام إدارة أميركية تتبنى الرواية الصهيونية بالكامل بمفعول رجعي توراتي وتغرقه بهدايا لم يكن يتوقعها بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل ونقل السفارة الاميركية الى المدينة المحتلة وانتهاء بضم 30 بالمئة من اراضي الضفة الغربية فضلا عن القدس ومحيطها الى دولة الاحتلال بكل ما يترتب على ذلك من محاصرة الفلسطينيين في معازل وفرض نظام من الفصل العنصري عليهم أين منه نظام الفصل العنصري ، الذي كان قائما في جنوب افريقيا في عهد بائد .

لم يكن نتنياهو ليحلم بأن دولته التي تحتل اراضي دول عربية ثلاث هي فلسطين وسوريا ولبنان يمكن ان تقيم علاقات في السر والعلن مع دول عربية كانت حتى وقت قريب تعلن التزامها بما بسمى مبادرة السلام ، التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 كشرط لأية علاقة مع اسرائيل ، فإذا به يجد نفسه ضيفا في مؤتمر يروج لحل اقتصادي للصراع في عاصمة دولة عربية وفي محور سياسي وأمني مع دول في المنطقة اختارت أن تجد في دولة طارئة على تاريخ وجغرافيا المنطقة حليفا يمكن ان يرفع لها الكستناء من النار في صراع تغذيه مصالح امبريالية ضد عدو وهمي.

وفوق هذا كله فإن نتنياهو يعتقد أنه إذا ركب موجة عالية من المزاعم والأكاذيب حول ما يسميه "يهودا والسامرة"، "قلب وروح" شعب يجري اختراعه واستحضار صلة له في هذه البلاد ، فإنه يصنع تاريخا لدولة اسرائيل عجز عنه دافيد بن غوريون الذي نسي عام 1948 "يهودا والسامرة" ، فجاء نتنياهو ليختم حياته السياسية باستكمال مشروع صهيوني بقي مفتوحا منذ ذلك الحين . وعندما يركب نتنياهو مثل هذه الموجة العالية فلا بد من تذكيره بأنه ومستوطنيه جاء الى هذه البلاد غازيا محمولا على ظهر دبابة بريطانية وأن أبناء الشعب الفلسطيني ، أهل هذه البلاد الأصليين منذ الأزل والى الأبد لا يمكن ان يشتروا منه بضاعته الفاسدة المستوحاة من الاساطير وأقوال العرافين .

هذا الرجل يعيش في الوهم ويراهن على يمين شعبوي عنصري متطرف يحكم في البيت الابيض وعلى وهن وضعف بعض العرب ، الذين فقدوا مناعتهم الوطنية والقومية . وقد حان الوقت لأن يصحو من أحلام اليقظة ، فالشعب الفلسطيني لن ينتظر حتى تظهر أضراس العقل عنده وعند أمثالة ويكف عن أطماعه العدوانية التوسعية في المزيد من الأرض الفلسطينية ولن يرفع راية الاستسلام "والسلام الاقتصادي" ابدا ولن يستسلم لأطماعه العدوانية التوسعية وهو محصن وعصي على سياسة كي الوعي وسوف يقاوم ويدافع عن مشروعه الوطني بكل عزم وحسم ، وقد ارسل رسالته واضحة في التاسع عشر من أيار الماضي . المرحلة الانتقالية اصبحت خلف ظهرنا والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها مع الجانب الاسرائيلي وصلت نهايتها والجانب الفلسطيني في حل من جميع التزاماتها والتنسيق على مختلف مستوياته المدنية والعسكرية والأمنية توقف ولن يعود الى سابق عهده أبدا والمقاومة في ظل الصمود وتوفير متطلباته هي النهج على طريق العصيان الوطني ، الذي بات يلوح في الأفق . إن الطريق صعب وكل صعب يبدأ بخطوة واحدة .

أمس ومن اريحا وبحضور دولي واسع ارسل الشعب الفلسطيني رسالة واضحة لبنيامين نتنياهو وحكام تل أبيب وقطعان المستوطنين بأن العالم بأسره باستثناء إدارة مارقة في البيت الأبيض تعارض مخططات الضم وأطماع اسرائيل العدوانية التوسعية . معارضة مخططات الضم أمر جوهري نرحب به ، غير ان الرد على حكومة نتنياهو يجب ان يتجاوز ذلك في اتجاه الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وفرض عقوبات على دولة العدوان والاحتلال ، فضلا عن رفع الحصانة عن مجرمي الحرب الاسرائيليين ومساءلتهم وعدم تمكينهم من الافلات من العقاب على مسلسل جرائمهم .

بدورنا والجفتلك نرسل نفس الرسالة ونحذر نتنياهو من الاستمرار في أكاذيبه وألاعيبه الخطيرة . فنتنياهو يروج بأن للأغوار الفلسطينية أهمية استراتيجية للأمن القومي الاسرائيلي . صف واسع من جنرالات اسرائيل يكذبون مزاعم نتنياهو والرأي العام في اسرائيل لا يصدقه في مزاعمه ، فالحدود الشرقية ما بعد النهر آمنة ، ونحن هنا لا نشك في أن نتنياهو قد تفوق في لعبة الأكاذيب على وزير دعاية الحكم النازي جوزيف غوبلز ، فما هي قصة الاغوار الحقيقية البديلة عن رواية نتنياهو الكاذبة . وفقا لتقديرات مجلس المستوطنات في الاغوار فإن عوائد استغلال المستوطنين للأغوار تصل سنويا الى 650 – 750 مليون دولار وهذا الرقم اعلى من مجمل الصادرات الفلسطينية الى الاسواق الاسرائيلية سنويا . وفي المقابل فإن الفلسطينيين يخسرون جراء سيطرة الجيش والمستوطنين على الأغوار مبالغ خيالية ، حيث تبلغ خسائرهم السنوية وفق تقديرات متطابقة بما فيها تقديرات البنك الدولي نحو 3.4 مليارد دولار نتيجة سيطرة الاحتلال على مصادر الثروة في الاغوار بما فيها المياه السطحية والجوفية ومصادر الثروة في البحر الميت ومنع الفلسطينيين من الوصول الى هذه المصادر . ومهما قست الظروف على ما نحن فيه ، فإن الاغوار الفلسطينية عزيزة على قلب كل فلسطيني وتسكن وجدانه ويجب أن تكون على رأس سلم جدول أعمالنا واهتماماتنا وهو ما نطمح أن يكون على جدول أعمال الحكومة.

بضع كلمات أوجهها الى المواطنين في قطاع غزة الحبيب . قطاع غزة كان دوما نبع الوطنية الفلسطينية ، وإذا فكر أحد من داخل القطاع او من خارجه بأن قطاع غزة يمكن أن يكون في منآى عن المشاركة في حماية المشروع الوطني الفلسطيني فهو واهم ، فالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وحدة جغرافية اقليمية واحدة لا سيادة عليها سوى للشعب الفلسطيني ، يجمعهما النضال تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية من أجل حماية المشروع الوطني وصولا الى بناء دولة وطنية مستقلة حرة سيدة على جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 ، فلا دولة ولا دويلة في غزة ولا دولة بدون قطاع غزة ، وفي معركة النضال ضد مشاريع الضم سنكون بالتأكيد على موعد مع فجر عظيم هنا في الضفة الغربية وهناك في قطاع غزة .