نتنياهو: تأجيل الضم أم ضم جزئي؟

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

اليوم هو الأول من تموز الموعد المقرر إسرائيلياً للبدء في عملية ضم مناطق فلسطينية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها حسب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والخيارات المطروحة في الواقع تنحصر بين القيام بضم جزئي يشمل بعض المستوطنات والكتل الاستيطانية الكبيرة مثل «معاليه أدوميم» و «غوش عتصيون» على اعتبار أنه جرى الحديث عن ضمها لإسرائيل في إطار تبادل الأراضي بين فلسطين وإسرائيل في التسوية السياسية المنشودة، وبين تأجيل الضم لعدة شهور لاستكمال التشاور مع الإدارة الأميركية، ولاستكشاف ردود الفعل العملية المترتبة على الإقدام على الضم الآن وبشكل أحادي الجانب.
لقد أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه ملتزم بموعد الأول من تموز، وكرر ذلك في مناسبات عديدة، ولكن شركاءه في الحكومة وعلى رأسهم رئيس الحكومة البديل بيني غانتس قالوا إن هذا الموعد غير مقدس، أي أنه ليس بالضرورة أن يتم البدء بالضم مع حلوله. ومن الواضح أن هناك تغيراً ما في موقف نتنياهو بعد زيارة مبعوث الإدارة الأميركية آفي بيركوفيتش لإسرائيل ولقائه كلاً من رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل. فقد نقلت محطة «كان» الرسمية مساء الإثنين الماضي عن نتنياهو تلميحاً بألا يجري الضم في الأول من تموز، حيث تحدث لأعضاء «الليكود» عن محادثاته الجيدة مع الأميركان وأنه لا يوجد لديه جديد وفي حال جد جديد سيبلغهم، وهذا ما فهم منه أن الضم لن يبدأ اليوم.
كما نشر على موقع جريدة «الشروق» المصرية الإثنين الماضي نقلاً عن «مصادر أميركية مطلعة» أن الإدارة الأميركية لا تعارض خطط إسرائيل بضم 30% من أراضي الضفة الغربية وإن كانت ترى ضرورة إرجاء تنفيذ هذه الخطوة، لأنها تضر بمسيرة التطبيع مع دول خليجية. وأن من المرجح أن تقوم إسرائيل بضم جزئي لبعض المستوطنات في الضفة الغربية في منتصف تموز. وقالت نفس المصادر «لا نعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيصم أذنيه عن التحذيرات التي أطلقتها واشنطن، وسيغامر بضم 30% من أراضي الضفة الغربية بدون مباركة البيت الأبيض».
ويبدو أن الخلاف في الطاقم الأميركي المعني بخطة ترامب هو الذي يشكل معيقاً لاندفاع نتنياهو لتطبيق الضم. ويبرز الخلاف بشكل جلي بين السفير الأميركي في إسرائيل الذي هو في الأساس مستوطن وابنته مستوطنة وتعيش في «أريئيل» والذي يدفع باتجاه تنفيذ الضم الآن وبين جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب والمسؤول الأول عن الخطة، حيث يؤيد الأخير التريث حتى لا يفسد الضم مسيرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية وحتى لا تنتهي خطة رئيسه إلى الأبد بعد الضم. بالإضافة لاعتبارات السياسة الداخلية في الولايات المتحدة والمشاكل التي يواجهها ترامب وتضاؤل فرص فوزه بولاية جديدة. وكان إرسال المبعوث بيركوفيتش بعد فشل الطاقم في التوافق على موقف موحد من مسألة الضم وكما يظهر فقد جاء لإسرائيل لإقناع نتنياهو بالتأجيل.
والآن أصبح نتنياهو بين نارين: نار وعوده لناخبيه ولقطاعات اليمين بأن يلتزم بموعد الأول من تموز، ونار عدم وجود ضوء أخضر أميركي واحتمال تدهور الأمور على الجبهة الفلسطينية وعلى جبهة التطبيع مع دول الخليج التي على ما يبدو أبلغت واشنطن بصعوبة الاستمرار في العملية التطبيعية إذا ما أقدمت إسرائيل على الضم بشكل أحادي. فكيف يمكن له أن يوفق بين هذين التناقضين؟
الصيغة التي تحاول إسرائيل تسويقها الآن هي أن الضم الجزئي الذي يمكن أن تقوم به لا يمس بالمفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، وهو قد يكون جزءاً من عملية التبادل بحيث يعلن نتنياهو عن ضم بعض المستوطنات، فيرضي بذلك اليمين واليمين المتطرف الذي لا يوافق على خطة ترامب ولكنه لا يعارض مبدأ الضم بدون ربطه بتنفيذ الخطة، وفي نفس الوقت لا يغضب الإدارة الأميركية، وهذا على ما يبدو لن يحدث اليوم، وبحاجة لإقناع الفلسطينيين. وعليه يبدو أن القيادة الفلسطينية تعرضت وتتعرض لضغوط كبيرة من أجل بلع هذا السم، وهي حتى الآن ترفض القبول بأي شكل من أشكال الضم.
وهنا تحاول أوروبا لعب دور الوسيط. والموقف الأوروبي يشجع المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليس فقط على قاعدة خطة ترامب، بل على كل المرجعيات السابقة للتوصل إلى حل بشأن الحدود وتبادل الأراضي وحتى يحصل الضم في إطار اتفاق فلسطيني- إسرائيلي. وهذا في الواقع يتوافق مع الموقف الفلسطيني الذي قيل إنه نقل للرباعية الدولية ونشرته وكالة الأنباء الفرنسية ويتحدث عن خطة فلسطينية بديلة لخطة ترامب.
قد يمر اليوم بدون إعلان إسرائيلي بضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية، ولكن ستكون هناك شكوك في تفويت نتنياهو لشهر تموز الحالي بدون اتخاذ خطوة ما، حتى لو أدى ذلك لتفاقم حدة المشاكل مع شركائه في الحكومة الذين يحاول تقليص نفوذهم ويحاول التملص من الاتفاقات الائتلافية معهم، والمهم بالنسبة له عدم وجود معارضة أميركية لأي قرار يتخذه. وسيتعين عليه أن يختار بين أن يوصف بالكاذب والمخل بوعوده وبين قرار قد يؤدي إلى تبعات مكلفة لإسرائيل، وهذا منوط برد الفعل الفلسطيني المقرر بالدرجة الأولى في ردود الأفعال الأخرى العربية والدولية التي ستتأثر به.