عــن رجـــم ثريـــا

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد الغني سلامة

ثريا، سيدة إيرانية ثلاثينية مفعمة بالحياة والجمال، في العام 1986 تم رجمها حتى الموت بتهمة الزنا.. وهذه قصتها:
بينما كان فريدون، وهو صحافي إيراني يحمل الجنسية الفرنسية، متجها نحو الحدود الأفغانية تعطلت سيارته، فلجأ إلى أقرب مكان لإصلاحها، فكانت قرية «كوباي».
هناك التقى بسيدة تدعى «زهرة» فقالت له: لن ينجُ أهل القرية من جريمتهم، وقبل أن يفهم منها أو يرد عليها جاء رجال من القرية ومنهم شيخها الملا «حسن»، وقالوا له: إنها سيدة مجنونة، فلا تصدقها.
عندما علمت «زهرة» أن الرجل الغريب صحافي، تبعته، وتمكنت من دعوته إلى بيتها، لتقص عليه الحكاية كلها، حكاية ابنة أختها «ثريا» وظروف مقتلها الدموية والفظيعة، قائلة له: أنشرها، أريدك أن تأخذ صوتي معك، ليعرف العالم مقدار الظلم الذين تتعرض له النساء هنا.
وبالفعل، يشغّل الصحافي آلة التسجيل، بينما تبدأ «زهرة» بسرد تفاصيل القصة:
يلتقي «علي»، وهو أربعيني، ومعروف بعلاقاته النسائية غير الشرعية، بشيخ القرية الملا «حسن»، ويطلب منه الحديث مع زوجته «ثريا»، لإقناعها بالموافقة على الطلاق، ولكن دون مؤخر صداق ولا نفقة.
ترفض «ثريا» عرض الطلاق، ليس حبا بزوجها الذي يخونها ويعنفها، ويريد الزواج من فتاة عمرها 14 عاما؛ بل خشية من الفقر، لأن أطفالها الأربعة سيجوعون حتما.
الفتاة التي كان «علي» ينوي الزواج منها ابنة طبيبٍ ثري محكوم بالإعدام، كان في نفس السجن الذي يعمل فيه «علي» حارسا، فيقايضه بابنته مقابل إخفاء ملفه من السجلات، وبذلك ينجو من حبل المشنقة.
وأمام رفض «ثريا» التنازل عن حقها في النفقة، عندئذٍ يبدأ «علي» والملا «حسن» بحبك مؤامرة للتخلص من «ثريا»؛ «علي» يريد التخلص منها ليتمكن من الزواج بأخرى دون أن يخسر فلسا، والملا «حسن» يريد الانتقام منها لأنها رفضت عرضه بأن تتزوجه «زواج متعة» بعد طلاقها.
في هذه الأثناء تموت زوجة رجل من القرية يدعى «هاشم»، فيطلب وجهاء القرية من «ثريا» أن تعمل في خدمته ورعايته، خاصة أن لديه ولدا ذا إعاقة.
تقتضي المؤامرة تلفيق تهمة الزنا لثريا، وبالتالي سيتم رجمها حتى الموت، الملا «حسن» يرفض في البداية مساعدة «علي»، فيهدّدهُ الأخير بفضح حقيقته أمام أهل القرية إن لم يساعده. حيث إنّ الملا «حسن»، وقبل مجيئه إلى القرية، كان سجينا جنائيا في نفس السجن الذي كان يعمل به «علي».
يبدأ تنفيذ الخطة بنشر إشاعة في القرية بأن «ثريا» تقيم علاقة مع «هاشم»، ثم يطلب «علي» والملا «حسن» من «هاشم» تقديم شهادة أمام الناس بأن «ثريا» كانت تتحرش بابنه، وأنها غير محتشمة.. وإن لم يشهد على سوء مسلكها سيلقى الموت، وسينتهي مصير ابنه في مصحة عقلية.
وخلال ساعات، كان شيخ القرية قد أعلن أنّ ثريّا مذنبة بإقامتها علاقة غير شرعيّة مع هاشم، والدّليل أنّها ابتسمت له في الشّارع، وشهد على ذلك أربعة رجال.
فيقرر الشيخ وعمدة القرية رجمها حتى الموت، ويتم نشر عشرات المسلحين حول بيتها لمنعها من الهرب.
تخرج «ثريا» من منزلها، لتجد أهالي القرية متجمعين في انتظارها، وفي عيونهم نظرات الاتهام والغضب، تمشي ومن خلفها المسلحون، وعلى يمينها ويسارها رجال يلعنونها، وبعض النسوة اللواتي فرحن بهذه النهاية الحزينة لأجمل فتاة في القرية، وعندما وصلت حفرة الرجم، سألها عمدة القرية إذا كانت تريد قول شيء أخير؛ فوقفت ثريا شاخصة النظر، حائرة، دون أن تذرف دمعة واحدة، وقالت: كيف أمكنكم فعل هذا بي؟ وأنتم تعرفوني جيدا، وتعرفون زوجي ومسلكه؟
أنزل جنديان ثريّا في الحفرة، ونزعا عنها عباءتها وغطاء رأسها، ثم أهالا التراب عليها حتى وسطها، وكان شبان القرية قد جمعوا حجارة الرجم، وقد اختاروها صغيرة الحجم كي تموت ببطء، وبطريقة مؤلمة. تقدّم صفوف الرّاجمين الأب الذي أعلن براءته من ابنته، وكان أول من ألقى حجرا عليها، تبعه زوجها، ثم ولداها، ثم الملا «حسن»، ثم الرجال المتحمسون لاسترجاع كرامتهم التي تمّ إعلان ضياعها على يد ثريّا قبل ساعة، وبعض النسوة المتشوّقات للتخلص من جميلة القرية، التي اشتهاها شباب القرية وكهولها.
وسط هتافات التكبير، وعلى مدى أزيد من ساعة ظلت الحجارة تنهال على ثريا، ولم تعد يداها قادرتين على حماية وجهها، فاستسلمت للحجارة ولصرخات الغاضبين، حتى صبغت ملابسها والأرض بدمها الأحمر القاني.
بعد انفضاض القوم، يأتي زوجها ليتأكد من موتها، فيحس بها بقايا روح، فيحمل حجرا ضخما وينهال على رأسها منهيا حياتها للأبد.
تنتهي «زهرة» من سرد القصة، ويخرج الصحافي من بيتها، ليجد رجال القرية بانتظاره، فيفتشوه، ويحطمون آلة التسجيل والشرائط ويصادرون أوراقه.. فيهرب بسيارته لينجو بنفسه، وعند آخر القرية، يجد «زهرة» بانتظاره وفي يدها الشريط.. الذي سيتحول إلى رواية عنوانها «رجم ثريا»، ستكون الأكثر مبيعاً، وستترجم إلى ثلاثين لغة، ثم تتحول إلى فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم.
يبدأ الفيلم بعبارة: «لا تتصرف كالمنافق، وأنت تجهر بالقرآن»، وهي مقولة لشاعر إيراني عاش في القرن الرابع عشر، اسمه «حفيظ». ثم بمشهد للخالة «زهرة» وهي في مكان إلقاء جثمان القتيلة ثريّا، تلملم بقايا عظامها بعد أن نهشتها الكلاب، حيث إنّ الأهالي رفضوا دفنها باعتبارها نجسة، فحتّى حدّ الرجم لم يخلّصها من ذنبها المزعوم. تغسل الخالة عظامها في النهر وتعيد دفنها من جديد، لتظهر صورة الخميني مباشرة في المشهد التالي.
تم تطبيق 150 عملية رجم في إيران بين العامين 1980 - 2010. وفي العام 2016 قضت محكمة إيرانية بسجن الناشطة في مجال حقوق الإنسان «جولروخ إبرهيمي» ست سنوات، لكتابتها رواية عن عقوبة الرجم، وبتهمة «ازدراء مقدسات إسلامية».
وفي العام 2014، أُعدمت المهندسة الإيرانية «ريحانة جباري»، بتهمة قتل مسؤول في الاستخبارات اسمه «مرتضى سربندي»، حاول اغتصابها فقتلته دفاعا عن نفسها، لكن المحكمة الإيرانية لم تأخذ بكلامها ونفذت الإعدام، وفي وصية تسلمتها أمها قالت: «ستُرمى جثتي في زاوية ما في المدينة، وستطلبكِ الشرطة لتتعرفي على جثتي، وحينها ستعرفين أنني تعرضتُ للاغتصاب أثناء المحاكمة أيضا، ولن يُعرف القاتل أبدا، لأننا لا نملك ثروتهم وسلطتهم».