اتفاقات أوسلو زرعت «اللغم الأكبر» في طريق السلام

ee
حجم الخط

03 تشرين الأول 2015

بقلم: يوعز هندل
بعد ساعة من إنهاء نتنياهو خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة قتل أبوان بريئان أمام ناظر أطفالهما. لا توجد صورة اصعب كي نفهم قصة الحياة هنا، لا يوجد تجسيد أبرز للفجوة بين الكلمات المصممة في نيويورك وبين ما يجري بعيدا في الوطن. في هذا الواقع توجد اسرائيل في منتصف انتفاضة، في القدس الموحدة تبنى جدران الفصل. في هذا الواقع توقع ايران على صفقات شراء سلاح، والروس عادوا الى الشرق الاوسط. في هذا الواقع لم تقرر اسرائيل حقا ما ستفعله.
خطاب نتنياهو كان ممتازا. مثلما في كل سنة فان نتنياهو أيام الاعياد ليس نتنياهو بعد الاعياد. عندما يقف فوق منصة الامم المتحدة يكون رئيس الوزراء هو المحامي الاكبر لدولة اسرائيل، الاكثر تصميما. زعيم كبير يعرف كيف يصيغ الكلمات، يميز بين الاساسي والتافه. يرى على نحو سليم الواقع ويكشف أمام العالم ازدواجيته. عندما ينزل عن منصة الامم المتحدة – بعد التصفيق – يعود الى الواقع الذي لا يكون فيه للكلمات أي مفعول. فارق بين الجمعية العمومية وباقي ايام السنة.
محق من ادعى في انتقاده ان خطاب نتنياهو ينتمي الى الامس. فهو يعنى بالاتفاق مع ايران بعد أن وقع. بالمفاوضات مع الفلسطينيين حين يكون واضحا انه ليس هناك ما يمكن الحديث فيه. بأهمية الولايات المتحدة – في الايام التي يتبين فيها انها تتراجع في الشرق الاوسط. هذا خطاب كان يمكنه أن يقال قبل سنة وقبل سنتين، بل وربما قبل 31 سنة عندما كان نتنياهو سفيرنا في الامم المتحدة. هذا خطاب صحيح دوما، في كل وضع، في كل سنة.
الموضوع هو أنه لا يوجد خطاب آخر يمكن القاؤه. لا توجد كلمات اسرائيلية اخرى لهرتسوغ او لبيد يمكنها أن ترتب الفوضى في الشرق الاوسط، النجاح الايراني إزاء الغرب، لا توجد كلمات يمكنها أن تغير الطريق بلا مخرج إزاء الفلسطينيين.
في الماضي كان لهذه الخطابات جمهور مستهدف محدد. اقناع العالم ضد الاتفاق، اقناع الاسرائيليين بانهم لا يسمعون ما يكفي رئيس وزرائهم بشكل مباشر، استعراض القوة. في الواقع الحالي توجد في هذه الخطابات تقاليد فقط، وربت ذاتي على الكتف. من المحظور الاستخفاف بالامرين، فهما مهمان من أجل روح الشعب. من المحظور ايضا جعلهما انجازين. وكما قيلت في فراغ هكذا تبددت، والخطابات السابقة تثبت ذلك أكثر من أي شيء آخر.
الموازي لخطاب نتنياهو كان خطاب ابو مازن. كلمات قاسية وعديمة المعنى. عندما تحدث عن الغاء اتفاقات وضع رئيس السلطة الفلسطينية مسدسا بلا رصاص على الطاولة. هذا طقس دائم. ابو مازن يهدد بالمغادرة ويبقى، يستقيل ويعود، يحرض ضد اسرائيل، يخلق الحبكات، "الاكاذيب"، ريح اسناد لـ"الارهاب" وتنديدات بالانجليزية. 
لقد خلقت اتفاقات أوسلو فصلا جغرافيا وديمغرافيا بين معظم الفلسطينيين في منطقة "يهودا" و"السامرة" وبين معظم اليهود الذين يسكنون هناك. خلقت بحكم الامر الواقع دولة فلسطينية واحدة في "يهودا" و"السامرة" (تسمى لغرض الامر فتح لاند)، دولة مع علم، نشيد وقوة عسكرية، ودولة فلسطينية اخرى في قطاع غزة (حماستان). دولتان لشعب واحد.
ينبغي قول الحقيقة: هذه الاتفاقات خلقت ايضا الحل الاكثر راحة لمن يعارض اخلاء المستوطنات. بالضبط مثلما خلقت اللغم الاكبر لمن يعتقد انه يمكن تحقيق السلام فقط اذا ما تنازل وحلم.
هاتان الدولتان تجسدان لمعظم الاسرائيليين اين قيودنا. نظرة الى المستقبل. ماذا كان يمكن ان يحصل في دولة فلسطينية في حدود 67. انعدام قدرة الحكم، نار لا يسيطر عليها الحكم المركزي. دكتاتوريات فلسطينية ومقابلها منظمات رفض القاسم المشترك بينها هو الكراهية.
لم تقرر اسرائيل ماذا تريد من هاتين الدولتين: فتح لاند وحماستان. الرسالة التي تخرج من القدس مشوشة. كلما تحدثوا بقوة اكبر عن الحاق الهزيمة بـ"حماس" في دولة غزة هكذا يبتعدون عن الحسم. وكلما كان المتحدث اكثر حزما عن الحاجة الى انهيار السلطة الفلسطينية فانه يحرص على تعزيزها. العمليات "الاجرامية "كما رأينا، أول من امس، هي جزء من الفراغ. الكلمات القاطعة هي جزء من الطقوس.

عن "يديعوت"