جيل المفرقعات والرقص بالشوراع وجيل إنكار الكورونا وجهان لعملة واحدة

حجم الخط

بقلم: المحامي زياد أبو زياد

 

أجلس كمراسل حربي في قلب المعركة ، أكتب وصوت المفرقعات لا يتوقف وأحيانا يتخلله صوت الرصاص الحي ، وبعضه من أسلحة أوتوماتيكية ، ولا أجد تفسيرا أو تبريرا ً لما يحدث. وقبل لأن أستطرد أقول : مبروك لكل من نجح بجدارة مع دعائي لها أو له بالتوفيق وحظا ً أوفر لمن لم يحالفه الحظ.

خرجت لقضاء حاجة ضرورية في سوق البلدة فوجدت الشباب يقيمون حلقة رقص ، وليس دبكة ، في الشارع الرئيسي ، وعلى الأرصفة بسطات تبيع علب المفرقعات. وحين عدت الى البيت بعث إلي أحد الأصدقاء فيديو لحفلة رقص مختلطة في أحد شوارع رام الله.

وفي غضون ذلك بعث إلي ًصديق آخر فيديو لطالبة خرجت في حينه من امتحان الفيزياء تبكي بحرقة وانفعال وتقول أن الأسئلة صعبة جدا جدا وأنها جميعها من خارج الكتب المقررة وجميعها فيها لف ودوران ، وقال لي أن نفس هذه الطالبة نجحت بمعدل 84% فمن أين لها هذا إذا صدقنا دموعها وبكائها حين خرجت من الامتحان !!!

وبعد ربع ساعة قرأت في شريط الأخبار على شاشة تلفزيون فلسطين أن نسبة النجاح في التوجيهي لهذا العام تجاوزت ال 71%.

والذي تابع الضجة والإحتجاج ضد صعوبة الأسئلة والخطأ في صياغة بعض الأسئلة خرج بانطباع بأن نتائج الامتحان ستكون متدنية فجاءت أخبار اليوم لتقول بأنها عالية وأن الذين حصلوا على أعلى من 90% ربما تجاوز عددهم الألف.

وأستذكر سنوات كانت نسبة النجاح في التوجيهي في خانة الخمسين بالمئة رغم أن الامتحانات كانت تجري في ظروف عادية توفرت فيها للطلاب فرصة للدراسة وتحقيق نتيجة أفضل.

هل طلاب اليوم هم أفضل من طلاب الماضي القريب ؟ بالتأكيد لأ ! إذن من حقنا أن نتساءل حول ما يجري في العملية التعليمية وما جدوى امتحان التوجيهي إذا كنا سنعمل منه امتحانا ً صوريا ً يقذف الى الشارع شبابا ً يحملون الشهادات ولكنهم لم يتعلموا شيئا ً.

أمثال هؤلاء لن ألومهم إذا رقصوا في الشوراع وساروا في مواكب سيارات وهم يقفون على الشبابيك من الخارج يرقصون ويغنون ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها ، لأنهم لم يكونوا مؤهلين للنجاح ولأن نجاحهم ربما كان مفاجأة لهم.

أقول بحزن وأسف شديد أننا أصبحنا نتبنى استراتيجية تسعى لانتاج أجيال جاهلة أمية لا تحسن شيئا ً ، نكذب عليها ونعطيها شهادات لا تستحقها ثم ندفع بها الى الجامعات لتشكل عبئا على من نجح بالفعل ويريد أن يتعلم بالفعل فتزاحمه ، وتكون أيضا ً عبئا ً على الجامعات والقائمين عليها ، وربما يكون بعضهم قد انتمى لهذا الجهاز أو ذاك وبات يأتي للجامعة ليستعرض قوة وظيفته وليحصل على شهادة جامعية لا يستحقها بوسائل لا داعي للخوض فيها. وكلنا مر عليه بعض هؤلاء أو يعرف نماذج منهم.

نحن نقف على مفترق طرق لا بد أن نقرر عنده ماذا نريد. هل نريد أن نستمر في لعبة خداع .. ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ، أم أننا نريد أن نخرج من هذه الدوامة ونعود الى جادة الوعي والفهم والإدراك والتعلم والبناء.

هذه الأجيال الجاهلة التي ننتجها ونغشها بإعطائها الشهادات ونبوؤها المراتب والوظائف بالشهادات الفارغة هي نفس الأجيال التي تقف اليوم ببلاهة واستهزاء أمام جائحة الكورونا وتجادل بصفاقة بأن الكورونا كذبة لا أساس لها.

هذه الأجيال التي نصنعها بالكذب عليها هي نفسها التي تخرج الى الشوارع تصرخ بأن الحكومة لا توفر لها العلاج ضد الكورونا ولا توفر أماكن الحجر ، ولكنها ترفض في نفس الوقت التقيد بإجراءات الوقاية وتعرض أنفسها وغيرها لخطر انتشار الوباء. وقد شاهدت بعضهم اليوم على شاشة احد التلفزيونات المحلية يلقي اللوم كل اللوم على الحكومة وهو يضع الكمامة على عنقه ويدخ سيجارته حتى وهو يتحدث أمام كاميرا التلفزيون.

هذه الأجيال هي نفسها التي ما زلنا نراها تقيم الأعراس في قاعات الأفراح وحين يتفشى بينها الوباء لا تجد أحدا ً تلومه سوى الحكومة ! أما هي فلا شأن لها وليست مسؤولة عن استهتارها بكل تعليمات الوقاية.

المفرقعات والرقص سواء في الشوارع والرقص في قاعات الأفراح .." واللي بحب العريس يرفع الكمامة" ...كما نادى المطرب من خلال مكبر الصوت في أحد الأفراح بالرام أمس ، والإرتفاع اليومي المتزايد في نسبة من ينتقل إليهم فيروس الكورونا هما وجهان لعملة واحدة ، عملة الأجيال الجاهلة التي تتسم باللامبالاة والتي اعتادت على أخذ الأشياء بدون عناء والتي أصبحت وباء أشد خطرا ً على نفسها وعلى المجتمع من الكورونا.

علينا أن نعيد حساباتنا وأن نعيد تقييم سياستنا التعليمية وتبني منهج جدي مسؤول لا يجامل الطلاب على حساب مصلحتهم بعيدة المدى.

ومن أجل ذلك ليس من الضرورة أن تكون نسبة النجاح أكثر من 70% وأن يتوجه جميع هؤلاء من طلابنا الى التعليم الأكاديمي بل يجب غربلتهم وفتح آفاق التعليم المهني والزراعي والتجاري أمامهم من الصف التاسع إن لم يكن قبل ذلك؟ نحن بحاجة الى الحرفيين والمهنيين والزراعيين أكثر من الأكاديميين الذين يتخرجون كل عام باللآلاف ثم ينضمون الى سوق البطالة.

لا أحد يستطيع أن يقنعني مع النتائج التي رأيناها بالأمس أنه لم تكن هناك عملية رفع لنتائج الطلبة حتى جاءت هذه النتائج المبالغ فيها جدا. وآمل أن نبدأ من اليوم في إعادة تقييم تجارب السنوات الأخيرة فإما إلغاء التوجيهى وتوفير ثمن المفرقعات !!!...وإما تبني سياسة تعليمية حقيقية لا تغمط حق أحد من الطلبة الأذكياء المجتهدين ، ولا تُعطي أحدا ً أكثر مما يستحق. وعندها يكون لفرحة الناجح ما يبررها.