البشرى الكبيرة لبيتر باينرت

حجم الخط

هآرتس – بقلم جدعون ليفي

عنوان على الصفحة الاولى من الطبعة الدولية ل” النيويوك تايمز” اول امس (وكذلك ايضاً في الطبعة الامريكية) يقول: ” أنا لم اعد أؤمن بدولة يهودية”. لا، ليس بالامكان المبالغة في اهمية الموضوع. بيتر باينريت، من المثقفين الليبراليين البارزين ليهود الولايات المتحدة وهو يهودي محافظ، يحرص على تطبيق الفرائض” هآرتس”، تخلى عن حل الدولتين، وفعلياً يطلّق الصهيونية طلاقا لا رجعة فيه، على الاقل ضمن اطارها الحالي. في مقال مؤثر كان له اصداء واسعة في الولايات المتحدة، كتب باينريت: ” لقد حان الوقت لتخيل بيت يهودي، ليس دولة يهودية”. باينريت ليس صوتا منعزلا في امريكا. الجالية اليهودية في الولايات المتحدة تستيقظ وان كان ذلك متاخرا جدا، وتلقي نظرة مباشرة الى حبيبتها اسرائيل. ايضا الحزب الديموقراطي يفعل ذلك على مهل. الان علينا ان نتامل بان مقال بايرنيت سيصل الى المزيد من المثقفين او غيرهم من اجل ان ينظروا باستقامة وشجاعة على الواقع مثله، وان يقولوا ما يعتبر حتى الان كفراً وخيانة لاسرائيل وليس امراً سويا من الناحية السياسية في امريكا.

باينريت تاب. لقد انتهت سنوات الايمان اللطيف والمسكر، والتي بموجبه يمكن ان تكون يهوديا ليبراليا وفي نفس الوقت مؤيداً لاسرائيل بفضل السحر الزائف لحل الدولتين، والذي اسرائيل والولايات المتحدة لم تنويان في يوم من الايام تنفيذه. الان ايضا باينريت فهم ان الامر يتعلق بتناقض مفاهيمي غير قابل للجسر. طالما ان الاحتلال مستمر، فان أي ليبرالي لا يستطيع تأييد اسرائيل ،يهودياً كان او غير يهودي, لقد فهم ان الامر قد انتهى: حل الدولتين مات،، بسبب العدد الذي لا  يمكن التراجع عنه للمستوطنين والذي اضيف له ايضاً خطة الضم.” هدف المساواة هو اكثر واقعية الان من هدف الفصل” لقد كان مدهشاً في صياغة الواقع، قبل لحظة من مهاجمته بذريعة ان حل الدولة الواحدة ليس واقعيا (انشل بيبر فعل ذلك اول امس في الطبعة الانجليزية لـ “هآرتس”) .

أجل، مؤيدو حل الدولتين هم ” الواقعيون” ومؤيدي حل الدولة الواحدة هم “المهلوسون”. يصعب التفكير بوجود وهم اكثر من هذا هلوسة. تتواجد هنا دولة واحدة منذ 53 عاما، نظام الابرتهايد فيها آخذ في التمركز بسرعة مدهشة والحديث عن تغيير النظام في الدولة الواحدة هذه هو حديث غير واقعي، حيث ان ما تبقى على جدول الاعمال هما فقط احتمالان: دولة واحدة ديموقراطية او دولة واحدة عنصرية “ابرتهايد”. اختيار الخيار الديموقراطي لا يطرح حتى للنقاش في اسرائيل، ويطرح بصعوبة في الولايات المتحدو وباقي العالم. بقايا هذا الاحتمال الموهوم بإنشاء دولة فلسطينية تم تمزيقها، ولكن يجب مواصلة تمني قيامها، والتشوق لها، والصلاة من أجل أن تقوم. هل هذا يسمى واقعية. دولة فلسطينية؟ أين؟ متى؟ كيف؟ ليس هنا. وليس الآن. بدلاً من خوض النضال الوحيد الذي يقترح حلماً عادلاً- مساواة؛ صوت واحد للشخص الواحد- يواصل الليبراليون غناء أغاني المديح للماضي الذي لن يعود ثانيةً. بدلاً من استخلاص العبر المتوجبة، يواصلون إغماض أعينهم وتوزيع الأوهام. هذا أكثر راحة للجميع، للاسرائيليين، للسلطة الفلسطينية وللعالم. سوف تقوم دولة فلسطينية، انتظروا وسترون.

الإدعاء الثابت للواقعيين هو التهديد بسفك الدماء الفظيع الذي سيكون في الدولة ثنائية القومية. 53 عاما من دولة الأبرتهايد تسببت في أسوأ سفك للدماء على الإطلاق. من هنا فإن هذا الوضع،فقط يمكنه أن يتحسن. باينريت، والذي هاجر والداه من جنوب إفريقيا، يعرف من التاريخ أنه عندما يتأسس نظام مساواتي في دولة ثنائية القومية، وكل سكانها يتمتعون بحرية وبالقدرة على تجسيد حقوقهم، فإن العنف يتقلص، بل وحتى يختفي. هكذا كان هو الحال في شمال ايرلندا، وكذلك في جنوب إفريقيا. ولكن الجوقة الصهيونية ستواصل زرع الخوف من الأمر غير المعروف، وستتمسك بالوضع القائم، وضع الأبرتهايد الثابت والممأسس، والذي هو الأكثر فظاعة.

باينريت يتشوق للأيام التي رأى فيها في اسرائيل مصدراً للفخر، مثل الكثير من اليهود، وكذلك أنا أيضاً. الآن باينريت يعتبر مصدراً للفخر: يهودي أمريكي يبشر بتغيير يبعث الأمل.