الاحتلال يجعل إسرائيل «غير محصّنة» عالمياً

20150210212249
حجم الخط

قبل ثلاث سنوات فقط كان رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، على سطح العالم. كان في مركز الاهتمام في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وطلب من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. الجمعية العمومية، رغم معارضة إسرائيل واحتجاج وغضب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وافقت على منح فلسطين في الضفة الغربية والقدس وغزة مكانة دولة مراقب.
عندما ألقى أبو مازن خطابه، الأربعاء الماضي، أمام الجمعية العمومية حظي بالتصفيق المؤدب والكثير من التأييد، وشارك أيضا في مراسيم رفع العلم الفلسطيني الى جانب أعلام الدول الأخرى على مدخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك. لكن اهتمام المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية، موجه لازمات أخرى في العالم: ظاهرة "داعش"، هجرة اللاجئين الى أوروبا، الحرب في سورية، الاحتلال المفاجئ لمدينة كوندوز في شمال أفغانستان، الذي له تأثيرات إقليمية بعيدة المدى. لم يذكر رئيس الولايات المتحدة في خطابه المشكلة الفلسطينية.
لقد تراجعت المشكلة الفلسطينية في برنامج العالم اليومي. الفلسطينيون، قيادة وشعبا، على شفا اليأس. أمل أبو مازن في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود 1967 عبر المفاوضات المباشرة مع اسرائيل وبدعم العالم، تأخر. ليس صدفة أن اغلبية الفلسطينيين يعتقدون، حسب استطلاع الرأي العام الاخير، أن أبو مازن فشل وأن عليه الاستقالة من منصبه وحل السلطة. اليأس عميق لدى الفلسطينيين الى درجة أن الكثيرين منهم لم يعودوا يؤمنوا بحل الدولتين للشعبين.
لم يبق لأبو مازن سوى التهديد بأن السلطة الفلسطينية تفحص امكانية عدم الالتزام باتفاقات اوسلو، أو وقف التنسيق الامني مع اسرائيل المتواصل رغم أحداث الحرم وتصاعد اعمال "الارهاب" في الضفة.
من يؤمن بأن الصراع يمكن أن يتمخض عن نصر أو هزيمة، فان الفشل الفلسطيني سيكون في نظره انتصارا لرئيس الحكومة نتنياهو وحكومة اليمين. نتنياهو (ووزير الدفاع موشيه يعلون الذي لا يؤمن ايضا بفرص المفاوضات مع القيادة الفلسطينية) يستطيع المشي باعتزاز والقول: هل ترون؟ إن سياستي تحقق النتائج. هذه سياسة تدمج بين الاستمرار في دفع الضريبة الكلامية لفكرة الدولتين دون وجود نية حقيقية لتطبيقها. نظرته هي أنه يمكن الاستمرار في الحديث عن الاستعداد لاستئناف المفاوضات بل السفر الى رام الله للقاء أبو مازن. لكن رئيس الحكومة يقول ذلك وهو يدرك أن أبو مازن لن يلتقي معه ولن يوافق على استئناف المفاوضات دون الحصول على ضمانات من المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة. هذه الضمانات يجب أن تشمل تعهدا بأن الهدف النهائي هو اقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية واخلاء أغلبية المستوطنات، مقابل اتفاق سلام يكون مقرونا بترتيبات امنية. إن فرص تحقيق الاتفاق حسب هذه الصيغة، ضعيفة جدا.
يستطيع نتنياهو الهمس بأن الكلاب تنبح والقافلة تسير. الفلسطينيون يصرخون. العالم يستنكر الاحتلال لكنه يتعايش معه، في الوقت الذي يستمر فيه بناء مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة. صحيح أن حركة "بي.دي.اس" تستمر في إزعاجنا واعاقة التصدير من "المناطق" ومن اسرائيل، ويفرضون مقاطعة هنا وهناك على اسرائيل، لكن في نهاية المطاف وضعنا ليس سيئا.
علاقات اسرائيل الخارجية لا تتضرر. العلاقات الاستخبارية لـ"الموساد" والاستخبارات العسكرية و"الشاباك" مع نظرائهم في العالم الغربي جيدة جدا والتصدير الأمني يتسع.
لكن هذه النظرة ضيقة لثلاثة اعتبارات: الاعتبار الاول هو أن هناك تدفقا عميقا وهادئا، لكنه سيثير العاصفة في نهاية المطاف. فالعالم لن يسكت على الاحتلال وسياسة اسرائيل نحو الفلسطينيين في "المناطق". إن الاشارة الى منتوجات المستوطنات تحظى بالاتساع في دول الاتحاد الاوروبي، سواء بمبادرة من ممثلية الاتحاد أو من شركات ومنظمات واشخاص.
الدول الاكثر صداقة مع اسرائيل بدأت تُظهر عدم الرضا. بولندا مثلا، التي هي الصديقة الثانية لاسرائيل بعد التشيك في الاتحاد الاوروبي، حدثت فيها مؤخرا أحداث في وارسو (أحدها كان خلال ماراثون وارسو حيث شارك عشرات الاسرائيليين) للاحتفال بمرور 25 سنة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. "بولندا تؤيد دائما قرارات الاتحاد الاوروبي، وداخل الاتحاد الاوروبي نحن الاكثر تأييدا لاسرائيل"، قالت د. باتريتسيا سسنل، مديرة مشروع الشرق الاوسط في المعهد البولندي للدراسات الدولية. "لكن لدينا ايضا علاقات جيدة مع الفلسطينيين. وكدولة احتُلت مدة 123 سنة، في القرن الثامن عشر وحتى بداية القرن العشرين، نحن حساسون تجاه الأمم التي تطالب بالاستقلال".
وأضافت سسنل في لقاء مع صحافيين اسرائيليين في وارسو: "الحقيقة هي أن الحكومات في بولندا والجمهور مستاؤون من تأييدنا المطلق لكم، دون حصولنا على مقابل. أنتم في اسرائيل تتعاملون معنا كشيء مفروغ منه، وهذا قد يتغير في يوم من الايام".
وماذا عن مصر؟ هنا ايضا تعاني القيادة الاسرائيلية من تصور خاطئ؛ أن لها حصانة. صحيح أن التعاون بين الدولتين أفضل من أي وقت مضى، ومصدر ذلك المصالح المشتركة للدولتين: الصراع المشترك ضد الارهاب في سيناء وعداء مصر لـ"حماس". لكن يجب علينا عدم الخطأ فيما يتعلق بالصديق الجديد، رئيس مصر الجنرال عبد الفتاح السيسي.
إن ثقته بنفسه تزداد. وقد عزز سلطته في القاهرة حيث هزم "الاخوان المسلمين". وهو ينعش الاقتصاد المصري حيث اكتشفت آبار ضخمة للغاز. وخلال سنة قام بتوسيع قناة السويس. هذه الثقة بالنفس ستترجم الى خطوات ومبادرات جديدة في السياسة الخارجية. إنه يقف الى جانب روسيا، ويؤيد الرئيس السوري بشار الاسد. صحيح أن السيسي دعا دولا عربية اخرى لاقامة علاقات مع اسرائيل – وحظي فورا بمباركة نتنياهو – لكنه ذكر في خطابه في الامم المتحدة أن على اسرائيل استئناف المفاوضات من اجل حل الصراع مع الفلسطينيين، وحذر من أن غيابها سيجعل "داعش" يستغل هذا الصراع ايضا.
بكلمات اخرى، حتى لو تجاهلنا تأثير أحداث الحرم، وأنها ستتوقف بعد الاعياد، فان بعض الدول العربية، مصر والسعودية، لا تُسلم علنا باستمرار السياسة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
الاعتبار الثاني هو أن سياسة نتنياهو قد تظهر كرؤية ضيقة. بقيادة أبو مازن أو من سيخلفه، يستطيع الفلسطينيون تطبيق السيناريو الاصعب كما يهددون، حل السلطة الفلسطينية والغاء اتفاقات "اوسلو". وسواء فعلوا ذلك أم لا فانهم لن يُسلموا باستمرار الوضع الراهن الى الأبد. وعندها ستندلع انتفاضة جديدة.
وهناك اعتبار ثالث، في ظل غياب اتفاق يؤدي الى اقامة دولة فلسطينية، تسير اسرائيل ببطء باتجاه الدولة الواحدة ثنائية القومية بين البحر والاردن. إن تقدم المفاوضات والمحاولة الصادقة للتوصل الى اتفاق معين – مؤقت، مرحلي، بعيد المدى ودائم – ليست كماليات تستطيع اسرائيل العيش بدونها. هذه مصلحة قومية وحيوية ووجودية.

مخاوف "الشاباك"
تعيين روني ألشيخ، نائب رئيس "الشباك"، في منصب المفتش العام للشرطة قد يعمل على تعقيد الوضع في قيادة "الشاباك". لكن في البداية اليكم تعديلا بسيطا: قبل بضعة ايام كتبت بأن ألشيخ بدأ طريقه في الجهاز في الوظيفة الاقل مستوى وهي مُركز (ضابط استخبارات – ومُشغل عملاء). هذا ليس صحيحا. فبعد أن أنهى الدورة الاساسية – المعهد المشترك لدراسة اللغة العربية – انضم الى "الشاباك" في وظيفة محقق، وهناك ترفع في سلم الجهاز الوظيفي.
عند عودته من الامم المتحدة، سيرسل رئيس الحكومة كتابا رسميا يعين فيه "ن" لمهمة نائب رئيس "الشاباك" يورام كوهين. "ن" شغل هذا المنصب الى ما قبل العام. وعندها تم تعيين ألشيخ مكانه.
منذ عقدين، منذ فترة عامي ايلون، وضع نظام في "الشاباك" يقول إن رئيس الجهاز يُهيئ نائبين كي يستطيع رئيس الحكومة اختيار أحدهما ليرثه. هذا ما حصل مع آفي ديختر واسرائيل حسون، ويوفال ديسكن وعوفر ديكل، ويورام كوهين وايلان اسحق، وهكذا ايضا مع ألشيخ و"ن".
لكن الآن، بسبب الظروف، سيكون ليورام كوهين نائب واحد فقط. هذا على فرض أن ولايته ستنتهي بعد نصف عام ولن تمدد لسنة اخرى كما يسمح قانون "الشاباك". حتى الآن ليست هناك بوادر على ذلك، وأوضح كوهين لمقربيه أنه لا ينوي الاستمرار. على هذه الخلفية يتسرب الخوف في اوساط رفيعي المستوى في "الشاباك" من أن هذا الوضع قد يؤدي الى الضغط لتعيين رئيس "الشاباك" من الخارج. مثلا جنرال في الجيش. لكن خلافا للوضع الذي ساد في "الشاباك" بعد قتل رابين، أو السائد في شرطة اسرائيل اليوم، فان الجهاز لا يحتاج الى شخص من الخارج.
هناك ثلاثة اشخاص على الاقل داخل الجهاز يعتبرون أنفسهم جاهزين لاستبدال يورام كوهين. المرشح الابرز هو النائب القديم – الجديد "ن". الذي كان في الماضي البعيد في وحدة هيئة الاركان الخاصة. وما ينقصه أنه لم يأت من قسم تتركز فيه اعمال الجهاز – الذي هو الوسط الفلسطيني، الذي نشأ منه جميع رؤساء "الشاباك" منذ أيلون (ديختر، ديسكن وكوهين).
من جهة، حصل في "الشاباك" في العقد الاخير تغيير بنيوي بعيد المدى. ما زال جهازا مبنيا على المعلومات الشخصية وعلى الملاحظة وتجنيد العملاء، لكنه ايضا مليء بالتكنولوجيا في مجال محاربة السايبر (الاستخبارات التي تتم عن طريق التنصت على الهواتف والفاكسات والحواسيب)، هذه الوسائل التي يستخدمها قسم العمليات، تخدم جميع عمليات جمع المعلومات وتشغيل العملاء والتحقيق، حيث يحصل "الشاباك" بواسطتها على المعلومات.
مرشحان آخران هنا "ر" الذي هو اليوم رئيس قسم الجهاز، وكان قبل ذلك رئيس المنطقة الجنوبية في عملية الجرف الصامد. و "أ" الذي كان رئيس منطقة القدس والضفة، واليوم يعمل في "الموساد" في وظيفة مستشار ومسؤول عن المشاريع المتعلقة بمكافحة "الارهاب".

الكاهن الأكبر للأسرار الكبيرة
يستمر وزير الدفاع، موشيه يعلون، في التردد حول تعيين مسؤول عن الامن في جهاز الامن بدلا من امير كين الذي ينهي خدمته بعد 8 سنوات.
عوفر هريئيل، المستشار الاعلامي لوزير الدفاع، قال ردا على سؤال "معاريف": "القرار سيتخذ قريبا".
يدور الحديث هنا عن وظيفة مهمة وحساسة وهي تشبه الكاهن الكبير لمملكة الاسرار الكبيرة في اسرائيل. هو المسؤول عن امن المعلومات والامن الفيزيائي للمواقع والمؤسسات التابعة للاجهزة الامنية بما في ذلك المفاعل النووي في ديمونة، ولجنة الطاقة النووية، والمعهد البيولوجي في نس تسيونا وجميع الصناعات العسكرية.
كما نشر في هذه الصفحة لاول مرة؛ فقد تنافس اربعة اشخاص على المنصب: شلومي معيان وهو ضابط أمن وزارة الدفاع؛ شالوم شرعابي الذي كان في السابق رئيس قسم التحقيق في "الشاباك" وبفضله تم الكشف عن تحقيقات معقدة منها احدى القضايا الاكثر اهمية والتي لم تنشر بعد؛ ونير بن موشيه الذي هو اليوم مستشار مدير عام وزارة الدفاع.
قبل ثلاثة اشهر انشئت لجنة برئاسة مدير عام وزارة الدفاع دان هرئيل وبمشاركة نائب سكرتيرة خدمات الدولة اييلا اوشري غونين؛ ومساعدة المستشار القانوني للحكومة، دينا زلبر؛ رئيس "رفائيل" ايلان ديران ومدير عام بنك اسرائيل حيزي كالو الذي كان عند قتل رابين رئيس قسم منع التدخل الخارجي والتجسس المعاكس.
اوصت اللجنة على اثنين من المرشحين: ايلان اسحق ونير بن موشيه. الوزير ما زال مترددا. توجد مشكلة في الخلفية. بن موشيه هو مساعد هرئيل الذي هو رئيس اللجنة. لا يوجد هنا تعارض في المصالح لأن المدير العام هرئيل حصل على موافقة شخصية من سكرتيرة خدمات الدولة بأن يكون جزءا من اللجنة. عملية التعيين هي أمر مرتب ومشدد وتتم حسب الاجراءات القانونية وبمرافقة قضائية متواصلة.

عن "معاريف"