تبادل الحكم هو جزء لا يتجزأ من الديمقراطية – ليس كسلاسل على ايديها، بل كاعطاء امكانية للجمهور لتبديل قيادته بالانتخابات. بكلمات اخرى، فان الجمهور في النظام الديمقراطي هو صاحب السيادة الذي ان اراد تقصير المدة يقصرها وان اراد تمديدها يمددهها. في الولاياتالمتحدة مثلا قرر الجمهور تمديد ولاية فرنكل دلانو روزفيلت، بخلاف العادة، طالما استمرت الحرب العالمية الثانية. ثمة من يقترح تقييد ولاية رئيس الوزراء بولايتين، ولكن مثل هذا التقييد ليس موجودا بل وليس ممكنا، في اي نظام برلماني ينتخب فيه المرشح لرئاسة الوزراء بداية من حزبه وبعد ذلك من البرلمان – وليس بانتخابات شخصية مباشرة مثلما في الانظمة الرئاسية. توجد اسرائيل في حالة حرب شبه دائمة وبشكل عام (وان لم يكن دوما منذ البداية) عرفت حكوماتها كيف تتصدى للتهديدات عليها، وبالتأكيد الحكومات في السنوات الاخيرة التي تعمل بنجاعة تجاه التحديات السياسية والامنية، وبقوة اكبر في الاونة الاخيرة.
شهير قول دي غول ان “المقابر مليئة بزعماء لا بديل لهم”. هو محق، ولكن يجب أن يضاف: “وببعض بدائلهم ايضا”. موشيه شاريت الذي بدّل بن غوريون في المرة الاولى كان سياسيا فائقا، ولكن كما تبين في غضون وقت غير طويل، ليس زعيما. ليفي اشكول الذي بدل بن غوريون في المرة الثانية كان رئيس وزراء ناجح في مجالات عديدة – وذلك ايضا بفضل انسانيته ولطف معشره – ولكنه فقد عالمه في الاختبار الحرج في الفترة التي أدت الى حرب الايام الستة. غولدا مائير التي جاءت بعد اشكول كانت بالتأكيد زعيمة، وقد أثبتت كفاءاتها الزعامية في حرب يوم الغفران. مفاهيمها القديمة في شؤون المجتمع والاقتصاد (“الاشتراكية في عصرنا”، “هم ليسوا لطفاء”)ورفضها المميت لخطة موشيه دايان للانسحاب بضع عشرات الكيلو مترات عن قناة السويس، الخطة التي كانت ستمنع حرب يوم الغفران، تجعل من الصعب عليها دخول النادي الضيق للزعماء التاريخيين.
ولكن السؤال ذا الصلة ليس فقط تبادل الزعماء بل وايضا تبادل الزعامة. في النظام البرلماني دارج ان نرى في المعارضة مرشح محتمل، بما في ذلك بين الانتخابات، لتبديل الحكم. وحسب التقاليد البريطانية، فان المعارضة تسمى “معارضة موالية”، أي مخلصة بمعنى أنها يمكنها أن تعارض اعمال الحكومة، وهذه وظيفتها، ولكن عليها أن تكون مخلصة لمصدر صلاحياتها، اي ارادة صاحب السيادة للشعب في الانتخابات، وللمبادىء التي تقوم عليها الدولة. ثمة من يتساءلون اذا كانت المعارضة ا لحالية في اسرائيل تستجيب بالفعل للمعايير آنفة الذكر، عندما يدخل اعضاؤها العصي في دواليب مكافحة الكورونا او عندما يطرحون مواضيع امنية حساسة لتحصيل مكسب سياسي. ولكن كاتب هذه السطور يرفض التشكيك بولاء الكتل اليهودية في الكنيست ويفضل أن يرى سلوكها أساسا كتعبير عن فائض التسيس، كنقص التجربة البرلمانية وككسوف من ناحية رسمية. ولكن السبب الرئيس في أن المعارضة ليست اهلا للحكم (اضافة الى تنوعها وقلة اعضائها) هو ان ليس لديها المؤهلات والتجربة لتشكل منتخبا بديلا للحكومة الحالية وليس هناك من يفهم ذلك افضل من رؤساء المعارضة انفسهم. ولهذا فقد قرروا الانتقال الى الخطة الثانية: تحريض الجمهور، الخروج الى الشوارع وتنظيم مهرجانات الاحتجاج التي نتائجها الاساسية هي تعظيم الشقاق والفوضى في الشعب وتفش آخر لفيروس الكورونا.
في هذه الصحيفة نشر مؤخرا مقال هام للبروفيسور شمعون شطريت، رجل القانون الكبير والوزير السابق عن حزب العمل، بحث في جملة اقتراحات يمكن ايجازها بتعديل قدرة الحكم العليلة في دولة اسرائيل. يقترح شطريت طرقا مختلفة لاحداث التعديل للوضع – من زيادة عدد النواب، وطرق اخرى لانتخابهم – جزء حسب الطريقة الحالية وجزء في انتخابات شخصية لوائية. كما يتوقف ايضا عند التجارب الفاشلة في الماضي لدمج طريقة الانتخاب الرئاسية وطريقة الاغلبية ويقترح بدائل جديرة بالتأكيد بمراجعة جذرية. اما الوضع الحالي، فاضافة الى الضرر المتواصل اللاحق بمبدأ فصل الصلاحيات فلا يساهم في استقرار الحكم وتثبيت الديمقراطية.