هل حقاً ليس بمقدور حركتي فتح وحماس تطوير إستراتيجية مشتركة لمواجهة إسرائيل؟

حجم الخط

بقلم العميد  أحمد عيسى 

 

صنفت النخبة في إسرائيل لقاء الثاني من تموز بين حركتي فتح وحماس بالخطير جداً، وفي مكان آخر أعربت عن خشيتها وخوفها وقلقها من تداعياته على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن مركز اللواء مئير عاميت لرصد أعمال المقاومة الفلسطينية (الإرهاب) على حد وصفه، في تقريره الأسبوعي للفترة 1-7 تموز/ 2020، يرى أن حركتي فتح وحماس لا زالتا بعيدتين عن المصالحة الحقيقية، ولا زالتا غير قادرتين على تطوير إستراتيجية مشتركة لمواجهة إسرائيل.

وعلى الرغم من إختلاف وربما تضاد المقاصد، وفرت تصريحات الصف الأول من قيادة الحركتين في الأسبوع الجاري أي بعد مرور عشرة أيام على انعقاد اللقاء فرصة للمركز المذكور للتدليل على صحة تقديراته، حيث دعى السيد محمود العالول نائب رئيس حركة فتح في كلمته أمام الملتقى العربي الإفتراضي الذي انعقد في بيروت يوم السبت الموافق 11/7/2020، تحت عنوان “متحدون ضد صفقة القرن وخطة الضم” لإستراتيجية وطنية لمواجهة الإحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين وليس فقط لمواجهة صفقة القرن وخطة الضم، كما دعي السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في نفس اللقاء لبناء إستراتيجية وخطة شاملة لإسقاط صفقة القرن وخطة الضم على طريق تحرير كل التراب الوطني الفلسطيني.

وكان السيد موسى أبو مرزوق قد سبق كل من العالول وهنية في لقاء له مع قناة الفالوجة التلفزيونية يوم الخميس الموافق 9/7/2020، بالإفصاح عن تدني توقعاته من لقاء الثاني من تموز، إذ حمل حركة فتح والسلطة الفلسطينية، لا سيما المؤسسة الأمنية مسؤولية عدم التقدم نحو تطوير استراتيجية مواجهة مشتركة بقوله أن حركة فتح تسعى لمصالحة مع حركة حماس تفكك فيها الأخيرة برنامجها وتنتقل طوعاً لمربع فتح.

من جهتها تجادل هذه المقالة ضد تقدير مركز عاميت بالتساؤل، إذا فقدت حقاً الحركتين القدرة على تطوير إستراتيجية مشتركة لمواجهة إسرائيل، فأين تكمن خطورة اللقاء؟ ثم لماذا خوف وخشية وقلق النخبة الإسرائيلية من تداعياته على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

صحيح أن النخبة السياسية والإعلامية والبرلمانية والعسكرية في إسرائيل كانت قد صنفت اللقاء بالخطير جداً، وأعربت في نفس الوقت عن خشيتها وخوفها وقلقها من تداعياته على مسارات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنها سكتت عن توضيح الأسباب، الأمر الذي دفع البعض إلى محاولة إستكناه هذه الأسباب، حيث حاولت في مقالة سابقة حملت عنوان (لماذا إستقبلت إسرائيل لقاء الثاني من تموز بالخوف والقلق؟) ونشرت بتاريخ 10/7/2020، إستجلاء هذه الأسباب.

وفي محاولتها، أوردت المقالة سبعة أسباب (تحيل إليها هذه المقالة)، ربما تكون هي الباعث والمحرك للنخبة في الإعراب عن خوفها وخشيتها وقلقها، حيث جرى تطوير هذه الأسباب تأسيساً على فهم طريقة تفكير محترفي الأمن والإستراتيجية في إسرائيل، هذا التفكير الذي يقوم من بين اشياء أخرى على إفتراض الأسوء عندما يتعلق الأمر في البحث عن أنجع التدخلات لمواجهة التهديدات، ويقوم على قوة الخيال لا خيال القوة عندما يتعلق الأمر بتحديد التهديدات والمخاطر الجارية والمتوقعة.

وتجدر الإشارة هنا أن منهج التفكير هذا، قد مكن دولة صغيرة المساحة وقليلة السكان ومحدودة الموارد الطبيعية مثل إسرائيل، من تحدي الدول العربية المحيطة بها التي تكبرها مساحة وسكاناً وتفوقها موارد، بل والإنتصار على جيوشها أحياناً، إذ سمحت قوة الخيال وإفتراض الأسوأ عند التخطيط للمستقبل أن التهديد الأكبر الذي يمكن أن يواجه إسرائيل ولا يمكنها حينئذ مواجهته، يكمن في توحد الدول العربية في قوة واحدة، ثم شن هجوم منسق عليها دفعة واحدة، أو المبادرة إلى حرب إستنزاف على كل حدودها، الأمر الذي جعل من تفريق العرب بكل الطرق والوسائل وضمان عدم توحدهم أبداً أحد متطلبات بقاء الدولة.

لا تجافي هذه المقالة الصواب بالجزم، أن العقل الذي نجح في منع وحدة العرب طوال العقود السبعة الماضية، هو ذاته العقل الذي افترض الأسوأ في لقاء الثاني من تموز الجاري وسارع للتعبير عن خشيته وخوفه وقلقه من تداعياته.

إذ يفترض هذا العقل طبقاً لديناميكية قوة الخيال أن المآل النهائي للقاء الثاني من تموز إذا ما ترك يتطور طبيعياً دون تدخلات خارجية، هو الوحدة والإتفاق، الأمر الذي يعني أن تصنيف اللقاء بالخطير جداً والإعراب عن الخوف والقلق من تداعياته على مسارات الصراع، إنما تأتي في سياق دور النخبة في دق ناقوس الخطر ودعوة الجهات المختصة في الدولة للتدخل ومعالجة التهديد مبكراً.

صحيح أن الفجوة بين الحركتين لا زالت واسعة، ولا زالت الثقة في مقاصدهما من بعضهما البعض ضعيفة، كما لا زالت الحركتين بعيدتين كل البعد عن معالجة الأسباب المنشأة للفرقة والإنقسام، إذ يدورون حول الأسباب الكاشفة له، إلا أن صيرورة الأمور ومآلاتها الطبيعية تسير نحو الوحدة لا الفرقة، لا سيما وأن تحقيق أدنى الحقوق الفلسطينية تحتاج إلى أقصى درجات الوحدة والإتفاق.

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .