في المنعطفات الخطرة التي تتعرض لها الشعوب وقضاياها وثوابتها الحساسة وعندما لا يجد مؤشر البوصلة مستقرا له ، وعندما يتم تغافل التاريخ وتسويق بعضا منه على انه حقيقة وانجاز ليصطدم هذا المنطق مع الواقع الذي يعبر نفسه بحالة التيه والعجز والفقر والجوع وتهاوي للحُلم الفلسطيني والى ان تصل الامور على ان يشطب اسم فلسطين على محركات البحث مثل جوجل ، وتهديدات عنتس بتنفيذ قرار الضم بدون استفزاز الفلسطينيين والدول الاقليمية والمجتمع الولي وبعكس اطروحة نتنياهو التصادمية ، وباعتبار ان المناطق المطلوب تهويدها تقع تحت سيطرة جيش اسرائيل ومستوطناتهم وبفرض خطة تنمية هادئة على تلك المناطق ، عندها يجب الابتعاد عن البانورامات الاعلامية والخطابات التي توثق العجز بين القوى المختلفة في الساحة وخاصة في رام الله وغزة والالتفاف على استحقاقات وطنية عاجلة واستبدالها بمؤتمرات صحفية عبر الفضائيات كوسيلة واستمرارية لعملية التنويم المغناطيسي للشعب الفلسطيني كما حدث في الايام الاخيرة بين جبريل رجوب امين سر حركة فتح المؤتمر السابع وكما حدث بين حلس وبدران من خطاب عاطفي يفتقر لداعئم سياسية وامنية ووطنية ، وبرغم هذا التوصيف اعلم القائد الوطني محمد دحلان دعمه لهذه اللقاءات وبداية ايجابية تستحق لبما بعدها كما كان من موقف لقيادات وكوادر التيار الاصلاحي من دعم لهذا التقارب الذي يجب تطويره ولكن ليس بتجميد النقاط الخلافية بل انهائها بالفعل الميداني والبرنامج المشترك والفاعل وتحريك كل الجبهات الفلسطينية شعبية ورسمية لمواجهة قرارات الضم سواء الهادئة او الصدامية وتفعيل وتنشيط وتجديد للمؤسسات بما يتوافق مع الاستحقاقات والمتغيرات العاجلة .
من المؤكد ان ازمة فتح الداخلية وان كانت مؤلمة بعمقها السياسي والتنظيمي والامني والسلوكي وقاعدة الفرز الذي انتهجها السيد عباس وفريقه من شلة الانس وهذا النهج المزمن التي لا تخلو من منظور فئوي باستهداف جزء اصيل جغرافيا مما تبقى من ارض الوطن في غزة ، وان كانت عملية الفرز والاقصاء هي تطبيق ومخرجات لتثبيت الانقسام بين شطري ما تبقى من ارض الوطن واستئصال جزء حيوي من فتح لاضعافها ولعملية تحول في ادائها الوطني المرتبط بشرعية واداء ونهج السيد عباس ، الا ان تلك الازمة في اعتقادي الشخصي اتاحت لدحلان ميكانيكية وحرية الطرح الوطني والحركي الخالي من الارتباط والترابط مع فشلة وبرنامج فاشل تقوده فئة سيطرت على القرار الحركي والسلطة ، ومن هنا برزت شخصية دحلان وبقوة بعمقها الوطني طرحا وموضوعا ومبادرة وان كان دحلان وفريقه من التيار الاصلاحي ما زالوا متمسكين بفتح ولكن ما يتم عرضه من مشروع وطني ومبادرات يتجاوز مربع الانتماء للفصيل الى مربع اوسع واشمل يخاطب الحالة الوطنية بعيدا عن الارتماء في زوايا منظور فصيل مختطف وحالة وطنية مختطفة بنرجسيات فصائلية متعددة اعطت انعكاسات من التفكك والازمات الثقافية والاجتماعية والسياسية والامنية وتهدد السلم الاهلي والوطني .
في الحسابات الوطنية قد لايكون الطرح مرتبط بقوانين وحتمية نتائج جدول الضرب ، ولا يمكن ان تسطع الشمش في ارض لاتطالب بحريتها ، فالازمات هي التي تنجب القادة ، وفي حسابات ليست اكلاسيكية ، بل هم القادة الذين يقفون قولا وفعلا مع احلام البسطاء من ابناء شعبهم وما اكثرهم واينما تواجد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات.
ولذلك من يتعمق في الارتكازات التي تقوم عليها اطروحات دحلان هي وضع المعالجات ميدانيا لازمات ملحة وخطيرة وهي القضايا التي تتصف بالمهم جدا للحالة الانسانية للشعب الفلسطيني والتي بدونها لن يكون هناك برنامج وطني وحالة وطنية صحية تستطيع الوقوف امام التحديات ومواجهتها مع الاحتلال واطروحاته السياسية والامنية المتعلقة بالصراع ، اذا تلك المعالجات لازمات الفقر والبطالة والحصار المتعدد 2 مليون فلسطيني في غزة ن وارض تنهب وعقارات تباع في القدس واهمال للشعب الفلسطيني المقدسي ومخيمات الضفة والشتات والدفع بتبني حالات دراسات عليا وجامعية ، تلك الارتكازات التي تشخص الخلل ودوافعه وسلوكياته وتعريه ولتحقيق العدل والسلامة والامن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعب الفلسطيني .
هنا البعض من الحمقى الذين ما زالوا لا يدركون العمق الوطني لاطروحات محمد دحلان وينجرون لمشوهات وادعاءات واتهامات بغرض الاغتيال الوطني لمحمد دحلان وليس الفصائلي فقط … وحقيقة اقف كثيرا متأملا قدرة هذا الرجل وصلابته وذكاءه وتحمله وصبره امام حملات قاسية مختلفة يتعرض لها ومن جهات متنوعة … ولعل الفطين قد يدرك مبكرا ان تلك الحملات تخرج عن السياق الموضوعي والسياق الوطني .
وطنية محمد دحلان التي تدفعه ان يقف متفائلا مسرورا من اي خطوة ايجابية في اتجاه لملمة التبعثر الفلسطيني وانقساماته الوطنية والاسلامية وهذا ما عبرت عنه اطروحاته والتي تجاوزت الثلاث مبادرات والتي وصفتها دوائر الاعلام وشخصيات وطنية بخارطة الطريق واخرها خارطة طريق لحل ازمة الكهرباء التي يعاني منها سكان غزة بشكل لا انساني محذرا من خطورة التمادي في اذلال هذا الشعب وتراكم ازماته من فقر وبطالة ومياه وصحة وتعليم وكهرباء وازمات جديدة قد تلوح في الافق .
فتح التي وعد محمد دحلان ان يعيد لها كرامتها وعمقها النضالي وايقونتها كطليعة للشعب الفلسطيني والمتمسك بعضويته فيها ليس حبا في الانزواء في مربع صغير اخذه العابرون الى مستقر اخر بل هو اصرارة على التمسك بالتجربة وشهدائها واسراها وجرحاحها وما تمثله فتح تاريخيا من رصيد اداة فعله الحاضنة الشعبية على امتداد تواجد الشعب الفلسطيني ، بل هو الالتزام الوطني لبوابة الفعل الوطني الشامل .
اذكر في عام 1986 سألت الاخ ابو عمار في عدن وقلت له : اين فتح ووجودها في مكون القوات امام الفصائل الاخرى ..؟؟ بالمناسبة كان نشاط حركة فتح محظور في القوات …!! فقال مستفزا : انا قائد لكل الشعب الفلسطيني ….. والجيش ده جيش الشعب الفلسطيني وليس لفتح … عايزني العب في مربع صغير وانا قدامي مربع اكبر واشمل ….!! حينها فضلت الصمت وعدم التورط اكثر فيبما يستفز الاخ ابو عمار .
اجملا قد تحدثنا عن دحلان كقائد وطني له رؤية وطنية تتجاوز الفصيل والتي ترتكز على :
· المساهمة بما هو مستطاع في حل الازمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية للشعب الفلسطيني اينما وجد
· الالتزام بمقررات المجلس الوطني ومنظمة التحرير وقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين
· ينادي باعلان الدولة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاق اوسلو
· العمل بكافة الوسائل لفك الحصار عن عزة
· يؤمن بان فتح لا تصح الابعودتها لعمقها الاقليمي والشعبي
· يدعو لاصلاحات في داخل الاطر التنظيمية لفتح على قاعدة العدالة واستنهاض المؤسسات الحركية
· يدعو للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام وتجاوز الماضي بالامه ولكن المرحلة تحتم اللقاء على قاعدة المصلحة العليا للشعب
· يؤمن بالقيادة الجماعية للاطر التمثيلية لفتح ومنظمة التحرير والسلطة
· يدعو لتجديد الشرعيات في فتح على اصول النظام الاساسي ومخرجات ومدخلات ما يسمى المؤتمر السابع ورئاسة فتح بالتصفيق خارج عن النظام ومؤتمر غير معترف به وليس ملزم ،يدعو لتجديد الشرعيات الرئاسية والبرلمانية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومؤتمر وطني يمثل كل الفلسطينيين
· يبارك اي حوارات وطنية ولقاءات ووحدة برنامج مع القوى الاسلامية
· يطالب بوقف التنسق الامني الذي اصبح مكلفا للشعب الفلسطيني بل يعيق وحدة البرنامج الوطني
· يدعو لوحدة فتح.
هذه هي اطروحات محمد دحلان كقائد وطني تجاوز النرجسيات الذاتية واللغة الثقافية لازمات الفصائل الداخلية والتي انعكست على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية للشعب الفلسطيني وما هو مهم ايضا ، خلق جاهزية وطنية للتعامل مع متغيرات اقليمية ودولية ولكي يكون للشعب الفلسطيني رقم وطني في تلك المتغيرات امام مخططات الاحتلال ورغباته .