بقلم: سميح خلف

ليبيا وتثبيت خطوط الطول والعرض والنفوذ

سميح خلف
حجم الخط

رام الله - وكالة خبر

هناك تفاوت ثقافي واجتماعي بين قبائل شرق ليبيا وغربها تاريخيا اثر على مواقف الطرفين بالنسبة للتدخلات الخارجية وهنا نذكر ان القذافي حاول توحيد الثقافة الليبية بثقافة وطنية و اعادة صياغة التاريخ لليبيا من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها.

واذا ما رجعنا للخلف وما فعلته ثورة الضباط الاحرار بقيادة العقيد القذافي من محاولة توحيد الثقافة الوطنية على اراضي ليبيا بعد ان كانت مقسمة لثلاث ولايات وبرؤية تكاد تكون لا مركزية امام نفوذ العشائر في شرق ليبيا وجنوبها وغربها ، فاننا سنجد ان ثورة الفاتح من سبتمبر وان كان العقيد وضع دعائمها الادبية والشعبية والوطنية بصياغة التاريخ المقاوم للشعب الليبي لتحرير ارضه من الغزوات والاستعمار والتشابكات التي حدثت ابان الحرب ضد الطليان من قبائل صنعت الحدث الوطني وقبائل انحازت للوجود الايطالي في ليبيا، وما اسفر ذلك عن حقد جغرافي واصولي للعائلات والقبائل في ليبيا ، ما حدث في ليبيا ليست مجرد حرب على طاغية على ادعت الة الاعلام الغربية والاقليمية ، بل كانت الحرب هي على نظام قد ينافس انظمة اخرى في  المنطقة في عالم الاقتصاد والسياحة وغيره ، والنفط الذي يكاد يكون النفط الليبي من افضل الخامات في المنطقة والعالم ، كانت هناك عدة رؤى مختلفة للنظام الليبي لمحاصرة النفوذ الصهيوني الذي انتشر بعد انهيار هذا النظام في افريقيا  والعملة الموحدة في افريقيا والاقتصاد شبه المركزي والتجارة ايضا ، استخدمت النعرات القبلية والعشائرية لتغذية مخططات غربية مختلفة وبتعاون دول اقليمية ايضا بما يسمى اطروحة الربيع العربي .

لو كتبنا في هذا الموضوع بتفاصيله الدقيقة لن يكفي كتاب او مجلد اذا ما ربطنا ذلك بالمتغيرات في المنطقة والنظام العالمي الجديد الذي قرر ان ينهي الانظمة التي اتت بثورات بعد الحرب العالمية الثانية ووجود قطبين في العالم واستبدالها بانظمة هشة بعد تحول مجتمعاتها لمجتمعات فاشلة لا تستطيع انقاذ نفسها من ازماتها والتحاقها بعجلة الصندوق الدولي ورأسمال دولي موجه ، جيث تجد ان هناك دول في المنطقة بعد الربيع العربي واجتياح العراق دول تمتلك خزائن كبيرة من البترول والثروات تحولت الى دول لديها مديونية عالية للصندوق الدولي والديون الخارجية ، كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر .

ولكن ما يهمنا الان هو الصراع في منطقة شرق البحر المتوسط على الخامات النفطية في البحر وخارج البحر على اعتبار ان هناك من القوى الاقليمية مثل تركيا وايران تنظر للمنطقة العربية بعد الربيع العربي كمنطقة فراغ يجب ان تملئ ، فسنجد هذا الواقع في الشمال الشرقي في سوريا وشمال العراق وليبيا الان باتفاقيات ثنائية مع حكومة الوفاق بين تركيا وتلك الحكومة التي كما قال الرئيس الجزائري عنها في موقف متقدم الان ، حيث قد خلفها الزمن ويجب تشكيل مجلس رئاسي شامل يضم كل القوى الليبية على الارض الليبية ، وهذا ايضا ما تنبه له الرئيس السيسي الذي عمل منذ عام 2013 على خطة بناء شاملة وحيوية للبنية التحتية في مصر مترافق مع ذلك بناء قوات مسلحة قوية تستطيع ان تجابه المتغيرات التي تحدث والرمال المتحركة التي تديرها عدة قوى خارجية سواء في جنوب وشمال سيناء والبحر الاحمر والجنوب وسد النهضة في اثيوبيا وفي الغرب والشمال على حدود ليبيا ، حيث تلك المهام الاستراتيجية التي عمل عليها الرئيس السيسي لتتمكن من مواجهة تلك المتغيرات.

البعض يتحدث عن اردوغان بانه يقود العلمانية في الاخوان المسلمين والبعض الاخر يتحدث على ان اردوغان هو الخليفة المنتظر للدولة العثمانية المنهارة في القرن الماضي واعادة النفوذ والسيطرة على شمال افريقيا والشرق العربي والتواجد المحموم الذي يعمل عليه في البحر الاحمر ، في حين ان الرئيس التركي اردوغان وفي وجهة نظري يبتعد كثيرا عن هذه المواصفات والسلوك ، الا انه يبحث عن مراكز النفوذ التي تدر عليه مليارات الدولارات في منطقة يعتقد انها فراغ مع تامين امنه كما يدعي الامن القومي امام طموحات الاكراد في شمال العراق والشمال الشرقي في سوريا وهي عصفورين بحجر ايضا وهي تحتوي على مكامن النفط وتحركه الى ليبيا وان استعان اعلاميا وعاطفيا ببعض القبائل التي تنحدر من اصول تركية كمصراته مثلا وبعض الشخصيات التي تقود في مصراته وحكومة الوفاق بدأ من رئيسها السراج الذي ينحدر من اصول تركية الى باقي المكون القبلي اذي وقف ضد الثورة الليبية ضد الطليان ايضا ً وهي علاقة مختلفة بين القبائل من احقاد تاريخية .

اذا ما يدعو اردوغان للتدخل في ليبيا قد يكون اقتصادي ويحمل هوية سياسية ايضا وكما يتصور للبعض انه قبلة الاخوان المسلمين في المنطقة .

وعودة للقذافي الذي اعطى اهتماما كبيرا لمنطقة غرب ليبيا وهي اتت عن قناعة بازاحة الاحقاد التاريخية بين الغرب والشرق في ليبيا في حين اهمل منطقة الشرق وبنغازي والمناطق المجاورة لها من طبرق وغيره واعطى كثيرا لشخصيات من غرب ليبيا النفوذ والمال والاقتصاد عله يستطيع صياغة نهج وطني متكامل ووحدة وطنية بين قبائل الشرق والغرب ، الا ان هؤلاء وارتباطهم ببعض من التاريخ قد ادعو بان من يقودهم هو من البادية والصحراء فكيف يكون هذا ؟ ولم يغفر للقذافي ان يكون من البادية بوجهة نظر هذه القبائل ؟!

التصعيد وارسال عدة الاف من المتطرفين في سوريا الى ليبيا بموجب اتفاق حكومة السراج مع اردوغان هو محاولة لفرض رؤية ونفوذ الاخوان السلمين ي المنطقة والتي في النهاية لها ثمارها الاقتصادية لتركيا فقط والشركات التركية في تلك المناطق واطماعه في السيطرة على الهلال النفطي الذي يسيطر عليه الجيش الوطني الليبي بقيادة العقيد عضو ثورة الفاتح من سبتمبر حفتر .

بالتاكيد ان حفتر كضابط مهما اختلفنا معه في رؤيته السابقة ولجوئه لامريكا فيبقى هو ايضا من مكون الدولة الوطنية في الوطن العربي التي لها امتداداتها من الدولة العميقة للدولة الوطنية التي تعمل بكافة السبل على حماية نفسها امام اطماع حزبية ومذهبية في المنطقة ، ومن هنا اتى هذا المكون الوطني للجيش الوطني الليبي والبرلمان الليبي بقيادة عقيلة صالح وهو من مكون وعمق الدولة الوطنية في الوطن العربي والتي لها نظرة في حماية امنها القومي ، ومن هنا اذا ما نظرنا للامن القومي العربي فهو مهدور بدون ان تكون مصر دولة قوية ذات جيش قوي وهذا ما عمل عليه الرئيس السيسي من تطوير السلاح والبنية العسكرية البرية والبحرية والجوية التي صنفت بتاسع دولة في العالم الان .

بلا شك ان التصعيد الذي حدث في الاسابيع الماضية سواء اعلامي او دبلوماسي او عسكري او ارسال تركيا لاسلحة نوعية لضرب ليبيا لدعم عدة عصابات ومكونات عسكرية ليبية بقيادة التوافق دعت مصر على ان تعلن عن مناورتها الكبرى العسكرية على حدود ليبيا  ، في حين ان مصر ولمدة تسع سنوات لم تتدخل في الشان الليبي بشكل مباشر ، ولكن من اكثر من شهرين انسحبت قوات الجيش الوطني الليبي من ضواحي طرابلس مما اعتبره الطرف الاخر نصرا محققا له في حين ان الانسحاب كان استراتيجيا فرضته رؤى دولية واقليمية على خطوط سرت الجفرة كخط سياسي جغرافي يجب ان يفتح الابواب لحل سياسي وهذا ما اوضحته التحركات الاخيرة لمجلس النواب الليبي والجيش الوطني في اجتماعها في القاهرة لطلب التدخل المصري بناءا على رؤية القبائل الليبية لحماية ليبيا واقتصاد ليبيا ونفطها امام رغبة تركية بشن هجوم مباشر على منطقة سرت التي هي بجانب الهلال النفطي مما اعتبره الرئيس السيسي خط احمر يهدد الامن القومي المصري وبناءا عليه البعض يرى ان هناك مواجهة حتمية بين تركيا ومصر في حين انني استبعدت هذا الحدث وهذا فعلا ما اوضحه وزير الخارجية التركي بانه ليس لديهم رغبة في مواجهة الجيش المصري .

طبعا هناك اطراف اخرى في الازمة الليبية مثل اليونان وايطاليا وفرنسا وبريطانيا وامريكا بالطبع وكلهم في حلف الناتو واذا ما اشعلت الحرب فانها ستصبح حرب اقليمية شاملة سيتفكك بناءا عليها حلف الناتو ويمكن ان يتفكك الاتحاد الاوروبي بحد ذاته وهي ازمة خطيرة لن يسمح لتركيا بمواجهة الجيش المصري على اراضي ليبيا او خارج ليبيا ، ولذلك اعتقد ان المبادرة المصرية التي طرحتها مصر التي تاخذ بالبعد التاريخي للقبائل الليبية وعلاقتها والمنطق الجغرافي والاقتصادي وما اوضحته من ان يشكل مجلس رئاسي شامل يعطي كل الجغرافيا الليبية حقها في التمثيل هو الحل الانسب لليبيين وللقوى الاقليمية ، وهو طرح معقول ومستجاب من دول الاقليم والا يبقى لمصر حق التدخل في انهاء الحلم التركي في احتلال شرق البحر المتوسط بحجة دعم حكومة الوفاق.

اذا المواجهة بين مصر وتركيا مستبعدة ، وربما تكون هناك معارك محدودة بين قوات حكومة الوفاق وبين الجيش الوطني الليبي التي بناءا عليها سيفرض حل سياسي  تحدد فيه خطوط العرض والطول بين سرت والجفرة كخطوط تفصل بين منطقتين جغرافيتين مع توافق على كيفية ادارة النفط الليبي وتوزيعه توزيعا عادلا بين مناطق الشرق والغرب وهذا يفتح مجالا لحل سياسي ربما فدرالي او كونفدرالي   في السنوات القادمة ورحمة الله على القذافي الذي وحد الاقاليم الثلاث ووحد ليبيا ولن يعود الزمان  للخف .