الانـتـفـاضـة الـثـالـثـة: نـتـنـيـاهــو يـتـحـمـل الـمــســـؤولـيــة

ناحوم
حجم الخط

05 تشرين الأول 2015

بقلم: ناحوم برنياع

هذه انتفاضة، إنها الانتفاضة الثالثة. من المهم أن نسميها باسمها لأن عدم تسميتها باسمها يسمح للساحة السياسية والعسكرية بالتملص، بالكبت، وبالهروب من المسؤولية.
في هذه اللحظة تشبه في مزاياها الانتفاضة الاولى، التي بدأت في كانون الاول 1987 وخبت في اوائل التسعينيات. وفي هذه الاثناء تجري خلف الخط الاخضر – في شرقي القدس وفي الضفة. وبقدر ما هو الماضي مؤشر للمستقبل، لن يبعد اليوم الذي تنتقل فيه الى مدن اسرائيل الكبرى وتتحول من «ارهاب» سكاكين، حجارة، وزجاجات حارقة، والى «ارهاب انتحاريين».
هذه ليست انتفاضة، يقولون في الجيش. ولكن هذا ايضا ما قالوه في بداية الانتفاضة الاولى.
دحرجت الانتفاضتان السابقتان حكومات اسرائيل نحو خطوات قاسية في المرحلة الاولى، ونحو تنازلات مهمة في المرحلة الثانية. أدت الانتفاضة الاولى الى العنف المضاد («لنحطم أيديهم وأرجلهم»، اقتبس عن رابين) وبعد ذلك نحو اتفاق اوسلو؛ وادت الانتفاضة الثانية الى السور الواقي، والاحتلال العملي للضفة، وبعد ذلك الى فك الارتباط عن غزة.
وزراء «البيت اليهودي»، الذين يطالبون في هذه اللحظة نتنياهو بالدخول الى المرحلة الاولى، تشديد الخطوات العسكرية ضد السلطة وضد السكان، توسيع تعليمات فتح النار وادخال آلاف الاولاد الى السجن لعشر وعشرين سنة، لا يفهمون بان بعد المرحلة الاولى تأتي بشكل عام مرحلة ثانية. وهم يقطعون الفرع الذي يجلسون عليه.
من المريح القول ان غياب المسيرة السياسية أدى الى تصاعد موجة «الارهاب» هذه. ولكن هذا ليس بالضرورة صحيحا. فتجربة الماضي تثبت بان المسيرة السياسية لا تضمن الهدوء – وربما العكس، فإنها تستدعي «الارهاب». فمعارضو الاتفاق في الطرفين توجهوا الى «الارهاب» لاحباطها – المعارضون في الجانب الفلسطيني بالعمليات «الانتحارية»، والمعارضون في جانبنا باغتيال رئيس الوزراء.
تتجسد الانتفاضة الثالثة ليس بسبب غياب الامل السياسي، بل بسبب غياب كل أمل. لا أمل للوصول الى دولة، وفي واقع الامر لم تعد ثمة رغبة في الوصول الى دولة: تبدد الايمان في السلطة الفلسطينية وبمنافستها، «حماس». لا أمل اقتصاديا: الضفة وغزة لا تنتجان شيئا تقريبا، باستثناء أجهزة مضخمة من متلقي الرواتب على حساب الدول المانحة. لا أمل من العالم العربي، الذي ينشغل في هذه اللحظة بسورية، بالعراق وباليمن، ولا أمل من القوى العظمى الغربية. حتى الشباب الذين يهتفون «الله أكبر» عندما يرشقون الحجارة على سيارات المواطنين الاسرائيليين، او عندما يطعنون مصلين في شارع الواد في البلدة القديمة، يعرفون بانهم يهتفون عبثا. فالله لم يفعل شيئا من اجل الفلسطينيين منذ هزيمة 1948. الله ليس هتاف الامل لديهم؛ بل هتاف اليأس.
يحمّل اليمين واليسار الآن نتنياهو المسؤولية عن قتل نعماه وايتام هينكن قرب مستوطنة «ايتمار»، الخميس الماضي، او العملية «الاجرامية» في البلدة القديمة، أول من امس. هذه ديماغوجيا. فهم يفعلون لنتنياهو فعلة معيبة قام هو بفعلها بحق سلفه حين كان في المعارضة.
ولكن كمن يقف على رأس حكومة اسرائيل على التوالي منذ 2009 على نتنياهو مسؤولية لا بأس بها في اليأس، وانعدام الامل. لقد غرق الفلسطينيون في اليأس، وحكومة اسرائيل لم تفعل شيئا، في أي مجال يؤثر على حياتهم. لقد تركتهم يغرقون.
لقد آمن نتنياهو بان الوضع الراهن سيستمر الى الابد، نحن نجففهم، نغلق عليهم، نستوطن ونتحكم، وهم سيطأطئون الرأس ويسلمون. لهذه الدرجة كان مغرورا. قالوا له ان هذا خطير. حذروه بان اسرائيل ستدفع ثمنا باهظا في الساحة الدولية، وان موجة «الارهاب» على الطريق. دس رأسه في الرمال، ولم يخرجه الا كي يخوض صراعا وهميا، مبذرا، عديم الاحتمال، ضد الاتفاق مع ايران.
لقد أضعف الكفاح الفاشل ضد الاتفاق مع ايران اسرائيل في الساحة الدولية. أكثرنا من المزايدة الاخلاقية على الآخرين، ولكننا فقدنا حصانتنا الاخلاقية. غير قليل من المحافل في العالم تقول اليوم، ردا على الانباء عن استئناف «الارهاب»: «تستحقون».
لا حلول عسكرية لموجات «الارهاب» العفوية. يمكن للمخابرات أن تقبض بسرعة على خلية واحدة، وجندي أو شرطي يمكنه أن يطلق النار على «مخرب»، ولكنه لن يكسر هذه الموجة. «ينبغي شق طرق التفافية»، قال نتنياهو للوزير النشط – الناجع لديه اسرائيل كاتس في حديث من نيويورك. حسنا، حقا. فأي طريق سيلتف على طريق الآلام في البلدة القديمة. في الماضي اغلقوا طرق الضفة في وجه المركبات الفلسطينية، فسافرت في طرق ترابية، واستمرت العمليات.
في ايار 1987، في عدد خاص من مجلة «كوتيرت رشيت» نشر الكابت الشاب دافيد غروسمان «الزمن الاصفر». وقد كشف للجمهور الاسرائيلي غير المكترث النقاب عن أنه من تحت احتلالنا الناجع يعتمل اليأس. وكتب يقول: «هذه ليست مسألة من هو المحق، نحن أم هم. وضع كالذي نبقيه هنا لا يمكنه أن يستمر على مدى الزمن. واذا ما استمر فانه يكلف ثمنا فتاكا».
«أخشى من أن الوضع القائم سيستمر بالضبط كما هو لعشر أو عشرين سنة اخرى»، كتب غروسمان. «ثمة لهذا ضمانة ممتازة – الغباء الانساني والرغبة في الا نرى المصيبة القريبة. ولكني واثق من أنه ستأتي اللحظة التي نكون فيها مجبرين على عمل شيء ما، ويحتمل أن يكون وضعنا في حينه أدنى أكثر من وضعنا الآن».
منذئذ مرت ليس 10 سنوات، ليس 20 سنة، بل 28 سنة. ليست 44 ثانية صمت بل 883.008.000 ثانية من صفر الفعل. والغباء الانساني والرغبة في عدم رؤية المصيبة القريبة لا يزالان يسودان هنا.

عن «يديعوت»