لا تصدقوا وسائل الاعلام … هذا ما يحدث هناك في الحقيقة

حجم الخط

هآرتس – بقلم اوري مسغاف

المظاهرات في القدس ضد حكم نتنياهو هي أمر مدهش من جهة مدنية وديمقراطية. وهي ايضا أمر مفزع جدا. المتظاهرون يعودون من هناك وهم غارقون بالمشاعر. وقد شاركت في اربع مظاهرات كهذه في الاسبوعين الاخيرين، وأنا أريد أن أقول لكم ماذا يحدث هناك. هذا مهم لأن معظم وسائل الاعلام تغطي الاحداث بصورة كسولة وأحيانا بتحيز. هي مروضة ومتدهورة، وهدفها هو رسم صورة “متوازنة” بحسبها على جانبي المتراس تقف حفنة من خارقي القانون امام من يمثلون القانون ويتصادمون بقوات متساوية حول شيء شخصي لا يضر بالجمهور الواسع. هذه صورة مشوهة.

​في المظاهرات في القدس شارك اسرائيليون كثيرون، أكثر بكثير مما يقولون لكم، احيانا بالمقارنة مع مظاهرات كبيرة وصغيرة في اماكن اخرى. وقد شاركت في عدد غير قليل من المظاهرات والاحداث التي ضمت العديد جدا من المشاركين، وتوجد لدي قدرة معقولة لتقدير عدد المشاركين. في يوم السبت الماضي انضم تشجيعا للمتظاهرين، آلاف المؤيدين مع اعلام سوداء ولافتات احتجاج في عشرات مفترقات الطرق وعلى الجسور في ارجاء البلاد.

​المظاهرات لا توجد لها قيادة منظمة أو تمويل منهجي أو برنامج عمل واضح. المعلومات مشتتة وهي تنتشر عبر الشبكات والدوائر الاجتماعية. يتدفق نحو بلفور الكثير من السياسيين الى جانب الكثيرين الذين لا ينتمون لأي مجموعة. المتظاهرون يعدون لانفسهم اللافتات والوسائل، واحيانا ايضا الاقنعة. وهم يثيرون ضجة كبيرة بالهتافات والغناء واطلاق الصفير والطرق على المقالي والطناجر. هذا هو الاحتجاج المدني الاصيل والمثير للانطباع الذي حظيت بمشاهدته.

​المظاهرات هي مظاهرات سياسية جدا. في تناقض تام مع اجواء “الفرو” الجبانة والضارة لاحتجاج العام 2011. هي تركز على المطالبة بأن يخلي رئيس الحكومة المتهم بمخالفات جنائية مكانه هو وحكومة المرتشين المضخمة خاصته. هناك الكثير من الرسائل، مع الديمقراطية وضد الديمقراطية، مع طهارة اليدين وضد الفساد. النغمة المسيطرة مساواتية، نسوية وليبرالية. وهناك الكثير من الاخوة والتفاخر والأمل والمحبة.  وهناك ادوات عزف وورود ورسومات للقلوب. المعارضة غير عنيفة وهي تتمثل بالتجمع والمسيرات حول المنشأة المحمية التي تسكن فيها عائلة نتنياهو، على اكثر تقدير، الاعتصام والجلوس ورفض اخلاء الشوارع.

​العنف تجلبه دائما الشرطة. لواء القدس بقيادة المفتش دورون يديد كان هو حرس الحماية للملك بيبي. هذا أمر خطير ومخجل. صديق يخضع فعليا لامير اوحانا، الذي عينته عائلة نتنياهو وزيرا للامن الداخلي. هو يريد تعيينه في منصب المفتش العام للشرطة وهو يعرف بالضبط ما هو المطلوب منه.

​الشرطة بقيادته استعدت بقوات مضخمة امام المتظاهرين. رجاله مسلحون بسلاح ناري، وعدد منهم على الخيول. هم يستوعبون الاحتجاج بضبط النفس وبدون صعوبة، حتى اللحظة التي تقرر فيها القيادة الميدانية تغيير الصورة مرة واحدة. حينها يبدأ بالعمل زعران الوحدة الخاصة السرية وحرس الحدود الذين تدربوا في الاراضي المحتلة. هم يدفعون ويضربون ويسقطون على الارض ويجرون المتظاهرين. يقومون باعتقالات عبثية ويفبركون شكاوى ضد “مهاجمة شرطي”. اصدقاءهم لابسي الياقات الزرقاء يوزعون في هذه الاثناء مخالفات على عدم ارتداء الكمامات. احيانا يتم استخدام شاحنة مدرعة تقوم بنثر بقوة وبصورة مباشرة المياه الكثيرة التي تطير المتظاهرين في الجو وتسبب لهم اصابات شديدة.

​هذا لن يساعدهم ازاء بشرى الجيل الشاب. وقد انتظرناهم لسنوات كثيرة، وأخيرا جاءت اللحظة. الامر يتعلق بتغيير دراماتيكي. أنا الاحظه في محيطي القريب وأسمع عنه من كل صوب. الشباب يصعدون الى القدس، ويتدفق منهم تمرد الصبا، ويشبكون الاذرع مع اذرع الاجيال السابقة. هم يجلبون معهم روح جديدة وطاقة مجنونة واندماج جارف من الغضب والتصميم والروح القتالية والايمان. لا يوجد لهم عمل ولا يوجد لهم مستقبل. هم لا يرون بعيونهم. هذا سيستغرق بعض الوقت، لكني اؤمن بأنهم هم وآباؤهم سيسقطون نتنياهو.