التعايش مع "كورونا"... دون لقاح أو دواء!!

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

بدأ الناس والمسؤولون والحكومات وأصحاب القرار يتعايشون، سواء بشكل عفوي أو بشكل مبرمج أو مخطط له، مع واقع فيروس كورونا، الفيروس العنيد والغامض وسريع الانتشار والتأثير والقتل، والذي ما زال العالم يجهل الكثير عنه وعن كيفية التعامل معه ومع تداعياته، والذي فرض حاله على بلدان العالم قاطبة في كافة القارات، القوي منها والضعيف، الغني والفقير، المتحضر والمتخلف، الذي يملك الإمكانيات بأنواعها والذي لا يملك إلا اليسير، وفي الغرب والشرق والشمال والجنوب، وبغض النظر عن المناخ أو عن الموقع أو الكثافة السكانية أو مستوى الأبحاث وتوفر العلماء، والذي حصد حتى الآن أرواح قرابة 700 ألف إنسان، وأصاب حوالي الـ 16 مليون شخص، وما زالت دول أو تكتلات تملك إمكانات هائلة مادية وبشرية وتكنولوجية، تتربع في المراتب الخمس الأولى في عدد الإصابات والوفيات، وهي عاجزة ومتخبطة في التعامل معه، وهي الولايات المتحدة والبرازيل والهند وروسيا وأوروبا.  
ومع القبول الشعبي والرسمي لواقع التعايش مع «كورونا»، بدأ هذا الواقع ينطبق على بلادنا، حيث معدل الإصابات اليومية يتجاوز الـ 400 إصابة.
تبدو الأمور اعتيادية نوعا ما، وبعيدا عن الإغلاق الشامل في نهاية الأسبوع، أي يومي الجمعة والسبت، تسير الأمور التجارية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عادي، حيث المواصلات العامة والمحلات التجارية والاستيراد والتصدير والبنوك والدوائر الرسمية تعمل، هذا رغم الانتشار المسطح الواسع داخل المحافظة الواحدة أو بين المحافظات، أي في داخل المدينة وفي القرى وفي المخيمات، ومن الواضح أن واقع التعايش هذا سوف يستمر ويتم التعود عليه، سواء ازداد أو تناقص عدد الإصابات والوفيات، وما ينطبق على بلادنا، ينطبق على مناطق العالم المختلفة ومن ضمنها الولايات المتحدة الأميركية، التي ورغم التصاعد المخيف في عدد الإصابات فيها، ما زالت الأمور وبشكل ما تجري بشكل شبه اعتيادي.
ومن الواضح أن فرض واقع التعايش مع هذا الفيروس، وبعد تجارب وخبرة الأشهر المنصرمة هذا العام في التعامل معه، قد تم لعدم وجود بديل أو إجراءات أخرى يمكن اتخاذها للحد من قوة هذا الفيروس، حيث ورغم الحديث والجدل حول إجراءات مثل الإغلاقات الشاملة والتباعد بين الناس وارتداء الكمامة والنظافة الشخصية وغير ذلك، إلا أن الفيروس ينتشر وبحدة وبقوة وبسرعة وبشكل ما زال يحير الباحثين، حيث أشارت دراسة حديثة الى أن الفيروس يمكن أن ينتشر من خلال انتقاله عبر الهواء، وأن فترة المناعة أو وجود الأجسام المضادة عند الأشخاص المصابين تتلاشى بسرعة، خلال فترة 3 أشهر أو أقل من ذلك، وان هناك عدة نسخ من الفيروس، نتجت عن تغيير أو طفرات في النسخة الأصلية من الفيروس، وهذا يدل وبوضوح على الغموض الذي ما زال يكتنف هذا الفيروس وعلى قبول العالم، بشكل طوعي أو غير طوعي في واقع التعايش معه.
وهذا الواقع الجديد، بدأ ينعكس من خلال أنماط الحياة الجديدة التي نراها، حيث من يسير في شوارع بلادنا يرى الاعتياد على ارتداء الكمامة مثلا وقد أصبح شائعا بشكل واسع، وهذا الواقع الجديد بدأ يظهر من خلال العلاقات بين الدول والانكفاء الكبير من أجل حماية المصالح، سواء من خلال إجراءات السفر والطيران، أو العلاقات التجارية، أو إعادة توجيه الأموال نحو الصحة والأبحاث ذات العلاقة وشراء وتخزين أدوية وأجهزة ومواد، أو من خلال الاقتناع بالعمل الجماعي مثل حال أوروبا، وحتى أن هذا الواقع بدأ يوحي الى إمكانية الإطاحة  بأنظمة أو حكومات إذا جرت الانتخابات الآن أو خلال فترة قصيرة، بسبب الفشل في إدارة ملف «كورونا»، أو حتى التوتر الذي نشاهده هذه الأيام في العلاقات بين الدول، ومن أبرزها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وما إغلاق القنصليات بينهما هذه الأيام، إلا إفراز مباشر أو غير مباشر للواقع الذي أفرزه فيروس كورونا.
والتعايش مع «كورونا»، يأتي في ظل عدم وجود أمل حقيقي في توفر لقاح أو دواء في المدى القريب أو المتوسط، رغم النتائج الأولية الإيجابية التي يتم الإعلان عنها من هذه الجهة أو من تلك، وآخرها نتائج أبحاث جامعة أكسفورد البريطانية وشركة «أسترازينكا»، التي أشارت الى إمكانية توفر لقاح آمن وفعال مع نهاية العام، إلا أن هذه الأبحاث أو النتائج ما زالت أولية وسريعة ونتيجة ضغوطات سياسية واقتصادية كبيرة، وفي ظل تنافس محموم بين الشركات أو مراكز الأبحاث، وأن هذه الأبحاث ورغم أنها تتم على البشر، ألا أنها ما زالت تتم في أعداد محدودة من الأشخاص الأصحاء المتطوعين، أي من الفئات الأقل هشاشة في التأثر بفيروس كورونا وتداعياته، مثل فئات كبار السن ومن يحملون الأمراض المزمنة المتعددة، ودعنا نأمل أن السرعة في محاولة الوصول الى لقاح أولا، لن تكون لها تداعيات عكسية على المرضى والأبحاث وإمكانية إيجاد لقاح أمن وفعال ويقبل به الناس.    
حيث ومن خلال خبرتي في العمل على تطوير أدوية جديدة في شركات أدوية عالمية، فإن الحديث عن إمكانية إيجاد دواء أو لقاح لعلاج مرض ما مثل فيروس كورونا في الفترة القريبة يعتبر ضربا من الوهم ومن الخيال، حيث إنه وبشكل عام تحتاج شركات الأدوية الى حوالي 7 سنوات من البحث والتطوير كمعدل، من أجل وضع دواء جديد أو لقاح آمن وفعال في السوق، أو تطويره بحيث يصبح متاحا للمستهلك، وبغض النظر عن التكاليف التي من الواضح أن الحكومات مستعدة لدفعها، فإن هذا يحتاج الى تضافر جهود وحشد طاقات مختلفة، ومن مجالات علمية وتخصصات مختلفة مثل الكيمياء والأحياء والطب والصيدلة وعلم السموم ومختصي القانون والتسويق والإدارة وما الى ذلك، وهذا بالطبع ما تقوم به شركات أدوية عملاقة، وتملك أسواق الأدوية والمال والخبرة.
ومن المعروف أن تطوير دواء أو لقاح لبني البشر، يحتاج وبعد التأكد من بعض الفعالية الكيميائية والبيولوجية في المختبر أو في الخلايا ذات العلاقة، الى تجارب طويلة ومتتالية على حيوانات التجربة من فئران أو كلاب وقردة، ومن ثم على بني البشر، حيث تهدف شركات الأدوية من خلال هذه التجارب الطويلة والمكلفة جدا الى التأكد من خاصيتين للمادة الكيميائية أو البيولوجية الجديدة والمتوقع أن تصبح دواء، وهما السلامة والفعالية. وبالطبع في المحصلة التسويق أي وجود المرض الذي يستحق هذا الجهد لتطوير الدواء وبالتالي تحقيق الربح، وهناك حالات كثيرة من تجارب الأدوية التي كانت واعدة، ولكنها فشلت في محطاتها الأخيرة، وهذا يدعونا الى توخي الحذر من خلال التعامل مع نتائج أبحاث أولية لتطوير لقاح لفيروس كورونا.
وفي ظل التعود على واقع التعايش مع «كورونا»، وبالتالي القبول التدريجي، ومع الزمن به كأي فيروس آخر، ما زالت تتفشى خلال مواسم العام بيننا، مثل فيروسات الرشح والإنفلونزا أو غيرهما، ومع القبول بواقع عدم وجود أدوية فعالة تتعامل مع الأمراض الفيروسية المختلفة وكفيلة بالقضاء عليها، ومن الأمثلة على ذلك فيروس «نقص المناعة المكتسبة» أو «الإيدز»، وفي ظل غياب بدائل أخرى، واقتناع الناس بأهمية التوازن بين الأمور المعيشية الحياتية والجانب الصحي، فإننا نشدد على أهمية الالتزام والعمل الجماعي المتكامل من أجل التخفيف من أثار «كورونا»، سواء فيما يتعلق بإجراءات الوقاية من حالات جديدة ومنع الانتشار، أو من ناحية الاحتواء والتخفيف من أوضاع حالية، أو من ناحية الالتزام بإجراء الفحوصات والبقاء في العزل الصحي أو البيتي، والاهم تكاتف وتعاضد الناس في ظل التعايش معه، من أجل الخروج بأقل التكاليف والخسائر.