بقلم: نغم كراجة

صديق العمر

نغم كراجة
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

مُنذ ثمانِ سنوات سقط سهمٌ على قلبي، ضمادآ لجروحي، جبيرةً لكسري، دليلآ لكل متاهاتي، مُلازمآ لمحطات الفشل والنجاح، عمودآ أميل عليه كلما ضعفت، مَنْفس الحياة المُطمئن، دواءً تشكّل على هيئة صديق.

ومن أجمل الأقوال عن الصداقة قول النبي لأبي بكر: "يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَليلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَودَّتُهُ لَا يَبْقَينَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ"، لم أجد دليلآ أقوى من ذلك الحدث ينسُج قصة حب الصديق بكل بساطة و براءة.

لا أظن أبدآ أن هناك على الأرض شخص لا يمتلك صديقآ حقيقيآ بمعنى الكلمة، دائمآ هناك خلف الكواليس داعمآ ومساندآ للأحداث وباقي الأمور الصعبة، ربما هنا ما يسمى فن اختيار الأصدقاء و هذا الأمر ليس بهينٍ، هناك بعض المعايير التي لابد أن تنطبق حتى يسمى صديقآ حقيقيآ أبرزها الصدق والصلاح و حب الخير لغيره.

انتقيتُ صديقي المفضل بل الظروف والمواقف هي من جعلته مُفضل، أحيانآ معركة الحياة تصنع لنا رفاق الدهر، الأيام كانت كفيلة أن تزرع الحب و الخير، تعثرنا كثيرآ ونشبت الخلافات بيننا لكن لم تستطيع أن تهزمنا وتهدم سنوات عديدة بُنيت في رحاب القلب، تعرضنا للكثير من المواقف العسيرة وكان دور كل منا أن نبقى سندآ وقوةٍ؛ لنتجاوز الأزمات، إنه أجمل صديق عالاطلاق ربما هناك الأفضل لكن من رأه القلب جديرآ بالثقة يدوم للأبد حتى يبلغ مماته.

نكهة الأيام تكمن في وجود صديقي حتى القهوة لا أشعر بحلاوة مرارتها إلا باحتسائها سويآ برفقة تفاصيل أيامنا و مشاريعنا المُقبلة، يضحك صديقي فتضحك الحياة لي وكأن غُمة قلبي رحلت، يهوّن عليا الدُنيا ومتاعبها، وعند المساء تحديدآ بعد نهاية معركة الروتين اليومية أجده يُرسل رسالة بها مساء الخير يا صديقي فأنسى تعب اليوم لأن الخير والراحة اجتمعت في كلمتين، التقدير عنصر مهم حتى لو لم تفعل شيئآ تُثنى عليه يكفي أن هناك أحدآ يرى أنك ليس عاديآ في هذا العالم.

يدُلني على الخير والصلاح حتى لو لم أكن احتاج ذلك يكفيني أنه يُذكرني بما سيصلح حالي للأفضل، يخاف عليا من عثرات الحياة، أقول دائمآ ليت العالم كله مثل صديقي، أو يقف العالم عند صديقي، لا أحد يعلم معنى و أهمية هذه الكلمات إلا من عاشر وامتلك صديقآ حقيقيآ.

يقول مصطفى السباعي: "في اختلاف الأصدقاء شماتة الأعداء، وفي اختلاف الإخوة فرصة المتربصين، وفي اختلاف أصحاب الحق فرصة للمبطلين"، أي أن اختلاف الأصدقاء ينجم عنه شماتة وسعادة لغيرك، من منظوري أن الأصدقاء الجيدين يتنافس على حوزتهم الجميع والبعض لا يتمنى دوام الصداقة بين أصدقاء انطبق عليهم مثال للصداقة الحقيقية من روعتها وصدقها، لذا لا تدعون الفرصة لأحد أن يكون شامتآ أو منتهز فرصة فساد العلاقة.

وأيضآ هناك مقولة مأثورة للفيلسوف ارسطو: "الصديق الحقيقي روح واحدة في جسدين"، أي أن من فُرط الحب والتفاهم والخير المتواجد تجد أن الروح انشطرت في جسدين يستندان سويآ ويبقان على العهد والوعد حتى عند الخصام و ليس فقط عندما يتفقان، وهذا من أنقى ما يحصل عليه المرء.

الصداقة نعمة من نعم الله علينا يترتب عليها الأمان والثقة الذي يتكونان من خلال اختيار أصدقاء جيدين يساندونا ويقفون بجانبنا ولا أحد يشعر بقيمتها و أهميتها إلا من يفتقدها.

وفي ختام مقالي هذا أهديه بكل حُب لمن رافقتني قلبآ وقالبآ، صديقة المواقف و السنين "سُها سكر".