الحزب وإسرائيل حساب الردع أم حساب الأزمات

حجم الخط

بقلم مصطفى ابراهيم

 

 التوقعات والتقديرات في اسرائيل ليس حول مدى قدرة حزب الله على الرد على مقتل أحد عناصره في غارة إسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في دمشق، بل على طبيعة الرد الذي سيقوم به الحزب وبات الآن حدثا يكاد يكون مؤكدا، في وسط سيناريوهات اسرائيلية أن الرد سيكون من خلال عملية انتقامية محدودة كي لا يجر المنطقة إلى مواجهة عسكري في توقيت خطير.
والسيناريو الأرجح هو إطلاق قذيفة مضادة للمدرعات، أو إطلاق نيران قناصة على القوات الإسرائيلية المنتشرة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، أو عملية شبيهة بقص عناصر الحزب لمقاطع من السياج الحدودي، في نيسان/أبريل الماضي، ردا على استهداف سيارة جيب تابعة للحزب عند الحدود السورية اللبنانية، أو استهداف سيارة إسعاف عسكرية إسرائيلية قرب بلدة "أفيفيم" الحدودية، في أيلول/سبتمبر الماضي، ردا على مقتل عنصرين من حزب الله بغارة إسرائيلية في سورية. ويبقى السؤال حول توقيت الرد الذي لا يزال مفتوحاً.
الحوادث المتكررة في سورية والتوقعات كبيرة في لبنان تزيد الضغوط على حزب الله من أجل أن يرد، إضافة إلى استهداف سورية المتكرر وضرب مواقع عسكرية لحزب الله وايران، والتي تدعي اسرائيل انها مواقع ومخازن لصواريخ حزب الله الدقيقة التي تزوده ايران بها ويقوم الحزب بتطويرها.
وهي بالاساس المستهدفة وتدور الحرب بينها وبين اسرائيل على الارض السورية، وان تطور الرد الاسرائيلي بتفجيرات نطنز المنشأة النووية الإيرانية، قبل أسبوعين.
في ظل الاوضاع الاقتصادية الكارثية في ظل جائحة كورونا سواء في لبنان أو إسرائيل وخشيتها قائمة من رد الحزب، ويدور الحديث عن أن إسرائيل بعثت رسائل تهدئة إلى حزب الله عبر الأمم المتحدة وتقارير أخرى تقول عبر موسكو.
رسائل التهدئة الاسرائيلية المتصالحة اعادت النقاش في اسرائيل حول توازن الردع بين حزب الله وإسرائيل، واعتبرها بعض المحللين أنها دليل ضعف وفقدان الردع.
في ظل تقديرات الجيش بأن حزب الله لن يمرر الحادث بهدوء لكنه سيفعل ذلك من خلال الامتناع عن تدهور الوضع. ورغم ذلك، فإن إسرائيل لم تتوقف عن غاراتها العدوانية في سورية، وتتأهب حاليا لرد محتمل من جانب حزب الله، وجاء الحادث في ظل زيارة رئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال مارك ميلي، بشكل غير مألوف، والتقى وزير الامن بيني غانتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، افيف كوخافي، ورئيس الموساد، يوسي كوهين.
ووفقا لتحليلات اسرائيلية على الأرجح أن قسما كبيرا من اللقاءين خُصص للسياسة تجاه إيران وحزب الله، وقد زار ميلي إسرائيل مرة واحدة منذ تولى منصبه الحالي، وكان ذلك قبل أيام معدودة من اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
في ظل ذلك وحديث توازن الردع منذ العام 2006، والحرب الدائرة بين اسرائيل من جهة، والحزب وايران من جهة اخرى على الاراضي السورية، يعتبر العام 2020، عام انعدام الاستقرار في لبنان واسرائيل، ووفقا لما ذكره قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أمير برعام، الذي قال إن الميزة الأبرز للفترة الحالية في المنطقة هي انعدام الاستقرار، والذي تصاعد منذ مطلع العام، وبدأت باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، وانتشار فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية الكبيرة في لبنان.
وفي ميزان الربح والخسارة وتوازن الردع، وتوقع اسرائيل الرد اللبناني المحدود ويبدو انها تحضر نفسها للرد، الذي قد يأتي في وقت قريب أو قد يتأجل لفترة ما وفقا لرؤية الحزب وللظروف اللبنانية، حيث يعاني لبنان من أوضاع سياسية واقتصادية ومالية صعبة، منذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية ضد النظام السياسي في لبنان في شهر تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي.
وعدم استقرار سياسي وانعدام الثقة بالمؤسسات المالية والاقتصادية في لبنان الذي يشهد ارتفاع نسبة البطالة التي وصلت الى حوالي 40 بالمائة، ويتوقع أن تصل 50 بالمائة، خصوصاً في فئة الشباب، ونصف المواطنين اللبنانيين تحت خط الفقر، التي ضاغفت من حدته العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، وتتصاعد ضد إيران وسورية التي اثرت بشكل كبير على لبنان، بالتزامن مع استمرار انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وإغلاق المزيد من المؤسسات التجارية والصناعية والخدماتية.
إسرائيل تتهيأ للرد اللبناني المحدود كما تتوقع، وهي تعيش أزمة سياسية وإقتصادية حادة بسبب كورونا، ومع ذلك نتنياهو مستمر في استهداف إيران في سورية لأسباب أمنية وسياسية، قد تساعده في الخروج من أزماته، والتظاهرات التي تطالبه بالرحيل، كذلك لبنان في أزمة، لكن حادة وعميقة جداً ولا أفق للخروج منها قريبا.
قد تغير حسابات الحزب في كيفية الرد ونوعيته وفقا لتوازن الردع وأرض المعركة، والعدوان الاسرائيلي شبه اليومي على سورية التي أصبحت كيس الرمل التي تنفس اسرائيل فيها انتقامها من ايران، واستهداف مقاتلين من الحزب والحد من تطوير قدراته العسكرية.